يبدو هذا الوضع مقلقا بالنسبة لناجية الشاوش (54 سنة) وغيرها من التونسيين الذين يستعدون في مختلف المحافظات لاستقبال شهر رمضان الذي يكثر فيه الاستهلاك والطلب على المواد الغذائية.
وتتفاقم هذه المخاوف أكثر مع إعلان بعض المنظمات المعنية بالإنتاج نقص المخزون الاحتياطي في عدد من المواد الاستهلاكية أو الأولية، وهو ما قاد أصحاب المخابز العصرية مثلا إلى اتخاذ قرار الدخول في اعتصام مفتوح انطلاقا من الأسبوع المقبل للمطالبة بحل مشكل التزود بمادتي السميد والطحين الذي تسبب في توقف نشاط العديد من المخابز.
ويتزامن ذلك مع موجة ارتفاع جديدة للأسعار شملت الخضر والغلال واللحوم ومواد غذائية أخرى، وهو ما قد يفاقم حجم الضغوط على جيوب التونسيين المفلسة في بلد ما يزال إلى اليوم يعاني من تبعات الجائحة الصحية والعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا التي أفرزت تضخما عالميا في الأسعار.
الطوابير تتحول إلى واقع يومي
تقول ناجية لـ "سبوتنيك" إن شهر رمضان سيكون مختلفا عن السنوات الماضية على ضوء الوضع الذي تعيشه تونس حاليا من غلاء للأسعار وتواصل ندرة المواد الأساسية.
وأضافت: "ظننت أن مشهد الطوابير سيكون استثناء ولكنه تحوّل إلى واقع يومي، لقد أصبح الحصول على كيس من السكر أو القهوة أو قارورة حليب مهمة صعبة ومرهقة هذه الأيام".
ولا تفصل التونسيين سوى أيام على حلول شهر رمضان، عادة ما تستغلها العائلات في الاستعداد له من خلال تحضير ما يلزمها لإعداد موائده التي تجتمع عليها العائلات الموسعة.
تتحسر ناجية على السنوات التي كانت تخصص فيها مخزونها من المواد الغذائية لشهر رمضان قبل أيام من قدومه، تقول "بالكاد نحصل على ما يسد حاجياتنا اليومية من الغذاء وبالتالي سيكون علينا التخلي عن بعض عاداتنا".
من جهته، يعتبر المواطن محمود زقاد (61 سنة) في حديثه لـ "سبوتنيك" أن الوضع في تونس لم يعد يطاق، مشيرا إلى أن مخاوفه تفاقمت أكثر مع ما يتردد على مسامعه من عجز مؤسسات الدولة عن خلاص المزودين بسبب نقص الموارد من العملة الصعبة وتراجع القدرة الإنتاجية المحلية في العديد من القطاعات.
يرفع محمود بصره إلى السماء كمن يطلب إغاثة ربانية، بعد أن قضى ساعتيْن في انتظار كيس من السكر لم يحصل عليه رغم تلقيه خبرا بأن المغازة التي تبعد عن منزله كيلومتريْن ستزود المواطنين بهذه المادة.
يقول الرجل: "ما زال أملنا قائما في أن تسفر الحرب على الاحتكار التي أعلنها رئيس الدولة عن نتائج إيجابية وأن يعود نسق التزود إلى سالف عهده وإلا لن يكون طعم رمضان حلوا ولا الأشهر التي بعده".
نقص يتزامن مع ذروة الإنتاج
وتشهد العديد من القطاعات الغذائية في تونس نقصا في الإنتاج رغم دخول بعضها موسم الذروة الذي عادة ما يكون مناسبة لإنعاش المخزون الاحتياطي للأغذية لتغطية الإقبال المتزايد على الاستهلاك خلال شهر رمضان.
إذ يؤكد عضو الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري بيرم حمادة لـ "سبوتنيك"، أن التونسيين سيواجهون شحا في التزود بعدد من المواد في الأشهر القادمة على غرار البيض والحليب.
وقال: "لقد دخلنا منذ أسبوعين موسم ذروة إنتاج الحليب التي تمتد 4 أشهر بدءً من شهر فبراير، ومع ذلك فإن الكميات التي ننتجها محليا بالكاد تكفي لسد الحاجيات اليومية للمواطنين في الأوقات العادية والتي تقدر بحوالي مليون و700 ألف لتر".
ويؤكد حمادة أن منظومة إنتاج الألبان كانت توفر 2 مليون و400 ألف لتر من الحليب في اليوم خلال فترة الذروة، وهو ما يمكن من تجميع 600 ألف لتر إضافية يتم استغلالها لإنعاش المخزون الاحتياطي.
وأوضح أن هذا المخزون سيكون خاليا في الأشهر القادمة على اعتبار أن حجم الإنتاج يساوي حجم الاستهلاك، مشيرا إلى أن هذا الوضع ينسحب على منتوجات أخرى على غرار البيض.
ويرى حمادة أن الاحتكار ليس المتسبب الوحيد في هذه الأزمة، مؤكدا أن مشكل الحليب مثلا يرتبط بأسباب أخرى تعود إلى السنوات الماضية من قبيل نقص القطيع الذي تراجع بنحو الثلث. وأضاف "اضطر العديد من الفلاحين إلى بيع أبقارهم نتيجة ارتفاع أسعار العلف الذي تضاعف 6 مرات منذ بدء العملية الروسية في أوكرانيا".
ولفت حمادة إلى أن الحل للخروج من هذه الأزمة يتمثل إما في أن تتكفل الدولة بتغطية تكلفة الإنتاج أو أن تتجه إلى إقرار زيادات في أسعار هذه المواد، غير أن الحل الثاني سيكن قاسيا على جيوب المواطنين.
لهيب الأسعار يطارد الجيوب المفلسة
ويؤكد رئيس منظمة إرشاد المستهلك لطفي الرياحي، في تصريح لـ "سبوتنيك"، أن الطبقات المتوسطة والضعيفة لن تكون قادرة على تحمل زيادات جديدة في الأسعار.
ويرى الرياحي أن شهر رمضان لهذا العام سيكون قاسيا على فئات واسعة من التونسيين في ظل ما تشهده البلاد من ارتفاع لأسعار جل المواد الاستهلاكية بنسبة تتراوح بين 15% و20% خلال هذه الأيام.
وأضاف: "ستصل كلفة الاستهلاك خلال شهر رمضان إلى 60 دينارا (نحو 19 دولارا) في اليوم بالنسبة لعائلة مكونة من 4 أفراد، وهو مبلغ مرتفع مقارنة بمتوسط الدخل الشهري للتونسي الذي لا يتجاوز 900 دينارا (حوالي 288 دولارا)".
وقال الرياحي إن ارتفاع الأسعار ستكون له تداعيات وخيمة على المقدرة الشرائية للمواطنين، مشيرا إلى أن العديد من العائلات ستضطر إلى مراجعة ما كانت تصنفه على أنه أولويات لتضيفه إلى قائمة الكماليات.
ويلقي رئيس منظمة إرشاد المستهلك أملا في الحرب على الاحتكار التي أعلن عنها رئيس الجمهورية قيس سعيد قبل أشهر في أن تحل أزمة الغذاء في تونس، قائلا إن الاحتكار سرطان يهدد قوت التونسيين.
ولفت الرياحي إلى أن الكميات الهامة من المواد الغذائية التي تحتجزها السلطات التونسية لدى المضاربين خير دليل على انتشار الاحتكار، مشددا على ضرورة أن تتزامن هذه الحملة مع رقمنة مسالك التوزيع وضبط خارطة فلاحية دقيقة تمكن الدولة من معرفة حجم الإنتاج ومراقبة توزيعه في السوق.
ويتهم الرئيس التونسي لوبيات نافذة وسياسيين بتجويع التونسيين والوقوف وراء فقدان المواد الغذائية الأساسية من الأسواق بهدف تأجيج الأوضاع الاجتماعية، مؤكدا أنه سيقود حربا لتطهير البلاد من أولئك الذين يهددون قوت الشعب.