ورغم الآمال التي تعلقت بالمؤتمر الدولي إلا أنه لم ينجح سوى في جمع 1.2 مليار دولار ضمن خطة أممية تقدر بـ 4.3 مليار يحتاجها اليمن في 2023.
وخلال المؤتمر، قال مارتن غريفيث، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، إن هناك 31 تعهدا في المجمل، وإذا تمكنا من الوصول إلى ملياري دولار بحلول نهاية الأسبوع، فسيكون ذلك رائعا.
بدوره، يرى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن المساعدات لليمن تمثل مسكنا للأزمة وليس علاجا، مضيفا: "أنهينا العام الماضي، بالقليل من الأمل في اليمن بسبب الهدنة، مشيرا إلى أن الحاجات الإنسانية تتزايد والتمويل ينقصنا، كما أن انهيار الهدنة في اليمن تسبب في مجاعة لأكثر من 2 مليون شخص".
ومؤتمر المانحين بشأن اليمن تنظمه حكومتا السويد وسويسرا بالتعاون مع الأمم المتحدة، بهدف حشد تمويل لخطة الاستجابة الإنسانية في اليمن لعام 2023 والمقدرة بـ4.3 مليار دولار أمريكي لمساعدة 17.3 مليون شخص في البلاد، بحسب تقارير.
وتعليقا على نتائج المؤتمر يقول محمد جمال الشعيبي، أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة عدن، إن مؤتمر المانحين الذي عادة ما تدعو إليه الأمم المتحدة لدعم اليمن، يأتي في وقت تشهد فيه الأزمة اليمنية مراحل شديدة التأزم والتفاقم في الأوضاع، وبشكل خاص الأوضاع الإنسانية التي تشكل المتضرر الأكبر من الصراع الدائر في اليمن.
الجانب الإنساني
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "من المعلوم أن الحرب اليمنية نتج عنها تداعيات عديدة في الجانب الإنساني والاقتصادي، حيث أفرزت الحرب أكثر من 300 ألف من القتلى سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وأضعاف ذلك من الجرحى حسب احصائيات الأمم المتحدة حتى نهاية العام 2022".
وتابع الشعيبي: "أدت الحرب إلى نزوح وتشريد الملايين من اليمنيين سوا نزوح داخلي أو إلى الخارج ممن فقدوا منازلهم ومصادر دخلهم وتحولت مناطقهم إلى ساحات حرب بين أطراف الصراع.
ويمكن القول إن دعوة الأمم المتحدة تشكل ضرورة مهمة لإنقاذ المجتمع اليمني واستجابة للأزمة الإنسانية، وأيضا إنقاذ الاقتصاد اليمني إذا أدت الحرب إلى خسائر اقتصادية تتجاوز 126 مليار دولار، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية بالعالم، حيث يعتمد معظم السكان البالغ عددهم نحو 32 مليونا على المساعدات".
واستطرد: "نأمل أن يؤدي هذا المؤتمر إلى تحقيق التطلعات وبلوغ الهدف المحدد حيث يحتاج اليمن إلى ما لا يقل عن 4 مليار دولار وذلك لتغطية خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن".
تطلعات اليمنيين
وأشار أستاذ الاقتصاد إلى أنه "إذا استطاعت الأمم المتحدة تحقيق النجاح في هذا المؤتمر وكان هناك تفاعل إقليمي ودولي مع تلك الدعوة من خلال المبادرة في تقديم الدعم اللازم، فمن المؤكد أن ذلك سوف ينعكس بشكل ايجابي على اليمن وربما يساعد في إنهاء الحرب الدائرة أو على الأقل الوصول إلى تفاهمات من أجل الوصول إلى سلام شامل، من خلال بوابة تقديم الدعم وجبر الأضرار ولم الشتات".
وتابع: "الشعب اليمني لم يعد يدخر جهدا أو فرصا للتعايش مع هذا الصراع، فقد أتت الحرب على كل شي وقضت على كل مظاهر الحياة الآمنة والكريمة، وتحولت اليمن إلى بؤرة صراع نتج عنه أزمة إنسانية تعد الأكبر على المستوى العالمي".
دعوات سابقة
ولفت الشعيبي إلى أنه سبق هذا المؤتمر مؤتمر مانحين في العام 2020 دعت الأمم المتحدة فيه إلى جمع 2.4 مليار دولار، لكن ما تحقق أقل من ذلك، حيث تمكنت 30 دولة وجهة داعمة في جمع ما مقداره نصف المبلغ فقط،هذا الفشل ناتج عن عدم تفاعل المجتمع الدولي والإقليمي مع الأزمة اليمنية بشكل جدي يساعد على إنهائها.
وأوضح أستاذ الاقتصاد أن "المؤتمر الذي يعقد اليوم في سويسرا لحشد المانحين لدعم جهود الأمم المتحدة في اليمن، لا مناص له إلا النجاح وتحقيق الرقم المحدد، حيث بلغت الأزمة اليمنية مستويات كارثية وأعلنت العديد من المنظمات الأممية الانسحاب من اليمن أو تقليص نشاطها نتيجة لتراجع الدعم الذي تحصل عليه،وهنا تتضاعف مخاطر الصراع المستمر والمتأزم.
وحول النتائج المرجوة من المؤتمر، يقول الشعيبي: "إذا ما نجحت الأمم المتحدة في تحقيق أهداف المؤتمر واستطاعت جمع المبلغ المحدد فإنها سوف تساهم مساهمة كبيرة في اختصار طريق الحل الشامل ووصول الدعم والمساعدات إلى المتضررين والمحتاجين، وربما يختلف هذا المؤتمر عما سبق إذا ما نظرنا من زاوية التحركات الدولية في محاولات إنهاء الأزمة اليمنية، ونعني في ذلك التحركات الأممية والإقليمية سواء عبر عقد مشاورات في عمان أو الرياض، وتحركات المبعوث الأمريكي والمبعوث الأممي في محاولة إنجاح المؤتمر".
الوضع الدولي
واختتم الشعيبي بقوله: "هناك تخوف آخر من عدم تحقيق الهدف من المؤتمر، وهذا التخوف ناتج عن الصراع الدائر في أوكرانيا والذي دخل عامه الثاني هذا الأسبوع، وهو الآخر لا يرى في الأفق بوادر حل أو إيقاف إطلاق النار، وطبعا هذه الحرب كان لها انعكاساتها الكبيرة على المستوى العالمي، وإذا أشرنا إلى اليمن يمكن القول أن دول الاتحاد الأوروبي قد تكبدت الجانب الأكبر من تقديم المساعدات للشعب الأوكراني، مما يعني أن ذلك سوف يكون على حساب الدعم الذي كانت تقدمه دول الاتحاد لليمن، ونحن نأمل أن يكتب لمؤتمر المانحين النجاح ويكون الطريق إلى إنهاء الصراع في اليمن".
مخاوف مشروعة
من جانبه، يقول ماجد الداعري، الصحفي المتخصص في الشؤون الاقتصادية باليمن: "لا يمكن لمؤتمر المانحين المنعقد في سويسرا والسويد أن يوفي حتى بنصف المبلغ المطلوب لإنقاذ الاقتصاد اليمني، لأسباب عديدة منها ما يتعلق بالأزمة العالمية لتداعيات العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، وإنهاك الدول الإقليمية الأكثر تعهدا، كالسعودية والإمارات وتراجعها عن الالتزام بتعهدات سابقة لليمن، ومنها منحة الثلاثة مليار دولار عشية إعلان مجلس القيادة الرئاسي، ناهيك عن عدم إيفاء الحكومة بتعهداتها بإجراء إصلاحات اقتصادية جديدة ومحاربة الفساد الذي ينخر مؤسساتها المختلفة".
وأوضح في حديثه لـ"سبوتنيك": "لا يقتصر الأمر على الوضع الدولي والإقليمي فقط، وإنما يرتبط بالأزمة اليمنية ذاتها وتواري الحلول والمبادرات بعد الاخفاقات الظاهرية في عمليات التفاوض بين السعودية و"أنصار الله" وما ترتب عليه من انعكاسات على السلام بالمنطقة وتحفظ الدول بدعمها تحسبا لجولة حرب جديدة".
وجددت جماعة "أنصار الله" اليمنية، اتهامها لأمريكا وبريطانيا بعرقلة معالجة الملف الإنساني في اليمن الذي تشترط الجماعة على التحالف العربي بقيادة السعودية، منحه الأولوية.
وقال عضو المكتب السياسي لـ "أنصار الله" علي القحوم، عبر "تويتر": "تعنت وعرقلة الأمريكان والبريطانيين للملف الإنساني يؤكد توجهاتهم الاستعمارية".
وأضاف: "تحذيرات قائد الثورة (في إشارة إلى زعيم جماعة أنصار الله) واضحة وعليهم فهم الرسالة لأن بوابة السلام تكمن في تنفيذ الملفات الإنسانية وإخراج القوات الأجنبية".
وتابع: "هذا حق سيادي (يقصد تنفيذ الملفات الإنسانية وإخراج القوات الأجنبية) لا تنازل عنه ولا مساومة والفرصة مواتية وصبرنا لن يطول".
ويوم الجمعة الماضي، اتهم زعيم "أنصار الله" عبد الملك الحوثي، السعودية التي تقود التحالف العربي بـ "المماطلة" في المفاوضات الجارية بين الطرفين بوساطة سلطنة عُمان. محذرا من ذلك، داعياً إلى المسارعة بمعالجة الملف الإنساني المتمثل في دفع رواتب الموظفين الحكوميين من عائدات النفط والغاز اليمني ورفع قيود التحالف على مطار صنعاء الدولي وموانئ الحديدة التي تديرها الجماعة.
وتلعب سلطنة عُمان دور وساطة بين المملكة العربية السعودية وجماعة "أنصار الله"، سعيا للتوصل إلى اتفاق لتجديد هدنة الأمم المتحدة التي استمرت في اليمن 6 أشهر منذ مطلع أبريل/ نيسان الماضي، بما يمهد لحل سياسي للصراع في اليمن الذي تسبب وفق الأمم المتحدة في أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
ويشهد اليمن تهدئة هشة بين أطراف الصراع، منذ إعلان المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة هانس غروندبرغ، في أكتوبر/الثاني من تشرين الأول الماضي، عدم توصل الحكومة اليمنية وجماعة "أنصار الله" إلى اتفاق لتمديد وتوسيع الهدنة التي استمرت 6 أشهر.
وتشترط "أنصار الله"، دفع الحكومة المعترف بها دوليا رواتب الموظفين العموميين من عائدات النفط والغاز المنتج من المحافظات التي تسيطر عليها القوات الحكومية، مقابل تجديد وتوسيع هدنة الأمم المتحدة.
وتسيطر جماعة "أنصار الله" منذ سبتمبر/ أيلول 2014، على غالبية المحافظات وسط وشمال اليمن، بينها العاصمة صنعاء، فيما أطلق تحالف عربي بقيادة السعودية، في 26 مارس/ أذار 2015، عمليات عسكرية دعما للجيش اليمني لاستعادة تلك المناطق من قبضة الجماعة.
وأودت الحرب الدائرة في اليمن، حتى أواخر 2021، بحياة 377 ألف شخص، كما ألحقت بالاقتصاد اليمني خسائر تراكمية تقدر بـ 126 مليار دولار، في حين بات 80 في المئة من الشعب اليمني بحاجة إلى مساعدات إنسانية، حسب الأمم المتحدة.