عقب زيارة رئيس مجلس الوزراء القطري... هل تجد تونس منفذا جديدا لأزمتها المالية؟

على ضوء التحولات الإقليمية المتسارعة والاضطرابات السياسية والاقتصادية التي تعيش على وقعها تونس، حملت زيارة رئيس الوزراء القطري إلى البلاد أبعادا تتجاوز الإطار الرسمي المعلن وهو المشاركة في اجتماع وزراء الداخلية العرب.
Sputnik
وأمس الاثنين، وصل رئيس الوزراء القطري ووزير الداخلية الشيخ خالد بن خليفة بن عبد العزيز آل ثاني إلى العاصمة التونسية مصحوبا بوفد وزاري رفيع المستوى في زيارة رسمية للمشاركة في أشغال الدورة الـ 40 لمجلس وزراء الداخلية العرب الذي تستضيفه تونس بداية من الغد الأربعاء.
وتأتي هذه الزيارة في خضم تقارب قطري تونسي بعد فترة من الجفاء، حيث سبقتها بأسبوع زيارة مساعد وزير الخارجية القطري الذي أبلغ الرئيس التونسي رسالة شفوية من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني دون الكشف عن فحواها، لحقتها مكالمة هاتفية بين الرجلين.
وتتزامن هذه الزيارة مع توترات سياسية تعيش على وقعها البلاد منذ أشهر أشعلتها حملة الإيقافات الأخيرة التي طالت أسماء بارزة، ومع صعوبات اقتصادية ومالية غذتها أزمة السيولة وتأخر توقيع الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي.

منفذ مالي جديد لتونس

ويرى المحلل السياسي التونسي بولبابة سالم، أن زيارة رئيس الوزراء القطري هي زيارة اقتصادية بالأساس ترمي إلى تعزيز التعاون التونسي القطري خاصة على صعيد الاستثمار.
وقال بولبابة لـ "سبوتنيك"، إن قطر قد تشكل ضمانة مالية جديدة لتونس ومنفذا للخروج من أزمتها الاقتصادية الخانقة ومعبرا لتوقيع الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي.
الرئيس التونسي يجري مباحثات مع رئيس وزراء قطر
وقبل أسبوعين، صرّحت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، في مقابلة مع قناة الشرق الخليجية، أنها تلقت تأكيدا من "أصدقاء تونس" على دعمهم الثابت لها والذي سيكون رهين بضعة أسابيع وليس بعد أشهر.
ويضيف بولبابة: "يمكن لقطر أن تكون مصدرا لهذا الدعم، خاصة وهي التي سجلت فائضا في موازنتها لسنة 2022 بما يفوق 25 مليار دولار"، مشيرًا إلى أن الاقتصاديات الخليجية أثبتت صلابتها خاصة بعد جائحة كورونا وهو ما جعلها مركز اهتمام المسؤولين في الغرب، على غرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي زار قطر 3 مرات خلال شهر واحد تزامنا مع إحياء بطولة كأس العالم، مشددا على أن هذه الزيارة تتجاوز البعد الرياضي لتشمل البعد السياسي والطاقي خاصة بعد العملية الروسية في أوكرانيا.
وتابع: "في خضم الأزمة الخانقة التي تعيشها البلاد، قد تتحول الدوحة إلى ورقة رابحة بالنسبة لتونس وحتى بالنسبة لقطر التي تبحث عن توسيع استثماراتها في البلد المغاربي، خاصة وأن مخططاتها الاستثمارية القديمة تم اجهاضها في البرلمان السابق، على غرار مشروع حصولها على أسهم في شركة تونس الجوية ومشروع صندوق الاستثمار القطري بقيمة 700 مليون دولار".
قطر تطلب من تونس أكثر من 3 آلاف شاب للعمل في قطاع السياحة
وقال بولبابة إن التوسع القطري الاستثماري في تونس قد يشمل الشركات التي تخطط الحكومة التونسية لخوصصتها بسبب الصعوبات المالية التي تمر بها.
وكان رئيس الوزراء القطري قد أكد خلال لقائه اليوم بالرئيس التونسي قيس سعيد أن بلاده مستعدة لتمويل عدة مشاريع بتونس أو المساهمة في إنجازها على غرار مستشفى الأطفال بمنوبة (غرب العاصمة)، فضلا عن التعاون في المجال الرياضي عبر نقل أحد الملاعب التي احتضنت نهائيات كأس العالم الأخيرة في الدوحة إلى تونس، بحسب بيان الرئاسة التونسية.

زيارة وعود

على الجهة المقابلة، يرى المحلل السياسي غازي معلا في تصريح لـ"سبوتنيك"، أن زيارة رئيس الوزراء القطري لن تكون سوى "زيارة وعود" على غرار سابقاتها.
وقال إن حديث رئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن عن أن الزيارة تكتسي أبعادا اقتصادية لم يترجم إلى اثباتات من قبيل توقيع اتفاقيات تعاون رسمية أو حتى اتفاقات مبدئية على قروض تحتاجها تونس بالتوازي مع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
وأضاف: "الوعود التي قطعها رئيس الوزراء القطري لم تتجاوز الحديث عن استثمارات صغرى من قبيل مستشفى للأطفال ونقل ملعب كرة قدم، وهي لا تمثل أولوية بالنسبة لتونس التي تعاني من مأزق مالي".
أمير قطر يدعو الرئيس التونسي إلى انتهاج الحوار لتجاوز الأزمة السياسية
ويعتقد معلا أن قطر لم تنسَ الموقف التونسي "غير الواضح" من صراعها القديم مع الإمارات والسعودية، خلافا لتركيا والجزائر اللتان قدمتا دعما واضحا للدوحة في هذا الجانب.
ويرى معلا أن زيارة المسؤول القطري تتعدى البعد التونسي إلى الصراع الاقليمي، مشيرا إلى أنها تندرج ضمن مساعي الدوحة إلى استقطاب تونس إلى المحور الثلاثي القطري-التركي- الجزائري. وقال إن المساعي القطرية سبقتها مساعي جزائرية في هذا الجانب.

زيارة لجس النبض بشأن الإيقافات الأخيرة

ولا يستبعد معلا أن يتدخل رئيس الوزراء القطري، بشكل شخصي، للضغط على الرئيس التونسي من أجل إخراج رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي من المأزق الذي وقع فيه عقب خضوعه لتحقيقات في قضايا قد يكون مآلها السجن، بالنظر إلى علاقته القوية بقطر وبتركيا وخاصة برئيسها رجب طيب أردوغان الذي له حظوة كبيرة لدى الدوحة.
في المقابل، يستبعد معلا أن يحظى هذا الطلب بقبول الرئيس التونسي، مشيرا إلى أن الدوحة لا تمتلك القدرة على اقناع سعيّد بالتخلي عما يصفه بمشروع "تطهير البلاد من الفاسدين" أو حتى اقناعه بالذهاب إلى حوار وطني.
التونسيون يستعدون لاستقبال شهر رمضان بجيوب فارغة... فيديو وصور
بدوره، يرى الباحث في العلوم الجيوسياسية رافع الطبيب في حديثه لـ "سبوتنيك"، أن زيارة رئيس الوزراء القطري هي زيارة لجس النبض بشأن تحركات الرئيس ومعرفة المدى الذي ستذهب إليه حملة الإيقافات الأخيرة.
وتابع: "صحيح أن التحقيقات المتعلقة بقضايا التسفير والإرهاب طالت شخصيات تونسية، ولكنها شملت أيضا أطرافا خارجية ودولا لها أذرع استخباراتية في تونس. ومن المعلوم أن أصابع الاتهام وجهت إلى قطر وتركيا بالضلوع في هذه المسائل".
وقال الرئيس التونسي قيس سعيد، معلقا على الإيقافات الأخيرة التي طالت سياسيين وبرلمانيين سابقين ورجال أعمال، إن من بين الموقوفين من هم متورطون في التخابر مع دول أجنبية والتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي.
وقال الطبيب إن قطر تتوجس من توجّه الرئيس التونسي إلى أبعد الحدود في علاقة بالتحقيقات الأخيرة، مشيرًا إلى أن الدوحة تسعى إلى النأي بنفسها عن هذه الاتهامات حتى لو أدى ذلك إلى تجاوز الإخوان المسلمين الذين سبق وأن تنصل أمير قطر من علاقة الدوحة بهم، عبر تصريح أدلى به إلى القنوات الفرنسية التي يملكها قبل أسبوع من بدء بطولة كأس العالم.
وتابع: "تسعى قطر حاليا إلى إنقاذ نفسها بالاعتماد على السلاح الوحيد الذي تمتلكه وهو ضخ الأموال"، مشيرًا إلى أن تونس قد تستغل هذا الوضع لفائدتها في خضم الأزمة المالية التي تعيشها وحاجتها إلى توفير السيولة.
ولفت الطبيب إلى أن الهدف الثاني من زيارة رئيس الوزراء القطري هو الحفاظ على الشراكة مع تونس، مشيرًا إلى أن الدوحة تسعى إلى مزاحمة السعودية والإمارات في جميع الملفات، وهي تخشى من حصول اتفاق بين الرئيس قيس سعيد والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز على تمويل الاقتصاد التونسي أو بعض المشاريع بشكل مباشر.
مناقشة