بنغازي – سبوتنيك. ويرجع مراقبون ذلك إلى خلافات جوهرية حول شروط الترشح التي يرفضها عدد من المسؤولين الليبيين والنخبة السياسية مما قد يعيق إجراء الانتخابات التي تأجلت عدة مرات.
وقال رئيس حزب "النِداء"، أكرم الفكحال، لوكالة "سبوتنيك" إن "الأطراف الدولية تؤكد دائما على ضرورة أن تكون هناك انتخابات رئاسية وبرلمانية خلال هذه السنة بأي شكل، لإنهاء الانسداد السياسي والأزمة السياسية، وإذا أرادوا النجاح في ذلك يجب عليهم تحقيق مطالب الشعب الليبي في انتخابات نزيهة من حيث توقفت بحيث يُحظر الترشح للانتخابات على كل من لا تنطبق عليه الشروط".
وأضاف "كل هذه الجهود تواجه زمرة تبحث عن مصلحتها ومصلحة من تمثل فقط، وليس مصلحة ليبيا وأكبر دليل تأجيل موعد الانتخابات الماضي في 2021 والنقاشات واللقاءات المتوالية التي لا تسمن ولا تغني من جوع".
واعتبر أن "العديد من الأطراف تعمل لصالح أطراف أخرى وتمثل مصالحها، وفي حال توافقت الأطراف الخارجية فيما بينها حول الملف الليبي سنتفاجأ جميعا بمرونة النقاشات والتوافق غير المبرر وغير المسبوق من هذه الأطراف".
وحول التأخر في الموافقة على إقرار التعديل الدستوري من قبل المجلس الأعلى للدولة، ثم اتفاق مجلسي النواب والأعلى للدولة على التعديل الثالث عشر، وهل كان إعلان المبعوث الأممي لليبيا عن تشكيل لجنة فنية لوضع القاعدة الدستورية والقوانين الانتخابية ورقة ضغط أخيرة على المجلسين من أجل الموافقة على التعديل؟ أم هو خوف المجلسين من استبعادهما من المشهد السياسي؟ قال الفكحال إنه:
"في الوقت الذي اعتقدنا فيه أن مجلس النواب، والمجلس الأعلى للدولة توافقا على إنجاز قاعدة دستورية لتسيير الانتخابات غيّر مجلس النواب رأيه متخليا عن القاعدة الدستورية، بل وأصدر تعديلا دستوريا جديدا، ومارس في ذلك سياسة الأمر الواقع من خلال نشره في الجريدة الرسمية حتى يعتبر نافذا وفقا للقانون وذلك بعد أن شعر بوجود رفض واسع لهذا التعديل لأن موضع الخلاف يتركز في نقطتين فقط وهما ترشح مزدوجي الجنسية والعسكريين للانتخابات".
وتابع "في تصوري أن المجلسين لن يتفقا إلا على ما يكون في صالحهما فقط، وهذا مؤكد للأسف لأن ليبيا تعاني من تواجدهما خلال السنوات الماضية وهما أحد أسباب الأزمة".
وأضاف الفكحال "بطبيعة الحال سيكون هناك عدم اتفاق بين المجلسين على المبادرة المطروحة من المبعوث الأممي لأنها تنهي وجودهما بشكل أو بآخر، وهذا يعني أنهما سيعملان على عدم اعتمادها وقد يكون الغرض منها ورقة ضغط لوح بها المبعوث الخاص للمجلسين لحثهما على استكمال ما تم الاتفاق عليه، وهذا احتمال ضعيف".
واستطرد قائلاً : "في جميع الأحوال أرى في حال اعتمدت المبادرة المقدمة في الإحاطة الأخيرة أن تكون اللجنة الرفيعة المستوى (فنية) لإيجاد حل محايد وموضوعي وليست (سياسية) أي تضم أطرافا ذات مصلحة يبحث كل عضو فيها عن مصلحة من يمثله في اللجنة، ووفقا لذلك فإنني اتفق من حيث المبدأ وبشكل عام مع المبادرة المطروحة من المبعوث الخاص للأمم المتحدة في إحاطته أمام مجلس الأمن".
وأكد السياسي الليبي على "ضرورة معرفة معايير اختيار اللجنة رفيعة المستوى المشار إليها في إحاطة المبعوث الأممي، وآلية عملها وما هي الضمانات لتنفيذ المبادرة وخارطتها بصورة صحيحة"، لافتا إلى أنه بغير ذلك "سنبقى على هذا المنوال لسنوات طوال وسنعيش نفس الحلقة المفرغة المتمثلة في حوار أو مبادرة حل يتقلد على أثرها شخص معين رئاسة الحكومة، ولا يحقق المراد، وأن مشاركة نفس الأطراف المعتادة في اللجنة لن ينجم عنه أي تغيير في المشهد".
ونبه الفكحال إلى أهمية "مبدأ المشاركة للجميع في اللجنة (في حال تقرر واعتمد ذلك)، حتى لا تتسبب الأطراف ذاتها في صناعة أزمة جديدة، أو في استمرار الأزمة الحالية وإطالتها إلى أجل غير مسمى".
وحول موافقة مجلسي النواب والدولة على تشكيل لجنة فنية لوضع القوانين أو دراسة القوانين الانتخابية بعد الموافقة وإقرار القاعدة الدستورية، وهل سيتفق المجلسان على القوانين الانتخابية التي ستحدد شروط الترشح وغيرها؟ وهل سينجحان في تجاوز هذه الخلافات الجوهرية؟ قال رئيس حزب "النداء"، إن:
"موضوع الخلاف على القاعدة الدستورية، كان وما يزال يتركز في نقطتين فقط، وهما ترشح مزدوجي الجنسية والعسكريين للانتخابات كما أن السبب الذي يدعوني لمعارضة التعديل الثالث عشر هو نصوص القوانين الموجودة وبالأخص فيما يتعلق بترشح الرئيس واختصاصاته واختصاصات مجلس الشيوخ وإقرار الميزانية ومن يختار الحكومة ولمن توكل هذه المهمة ولم يمنع هذا التعديل ترشح متعددي الجنسية وهذا الأمر غريب ومريب".
كما اعتبر الفكحال أن "المفوضية العليا للانتخابات لن تستطيع العمل بهذا التعديل وإجراء الانتخابات لأنها تنتظر قانوناً للانتخابات ولا تنتظر قاعدة دستورية، والتعديل الدستوري يمكن أن يصبح قاعدة دستورية ومنها ينطلق القانون إذا المفوضية تنتظر الوصول إلى مرحلة القانون".
وأضاف "هناك إشكالية أخرى هي أن هذا القانون يستند إلى القاعدة الدستورية والإشكالية الأكبر هي كيف يصاغ هذا القانون".
ورأى أنه "من الممكن أن تعمل المفوضية بأي قانون يأتيها، ولكن من وجهة نظري ومن منطلق حرصي على الدولة لن أقبل بأن ينتج لنا هذا التعديل، نظاما دكتاتوريا جديدا، وبالتالي هذا يعني أننا سندخل في نقاشات عقيمة بين الأطراف ستطيل عمر الأزمة وتنتج أزمات جديدة تزيد من هول الكارثة التي نعيشها".
ورأى اعتبر الفكحال أن "كل المؤشرات واضحة، [وهي أنه] لا توجد أي نية حقيقية لأن تتاح للشعب الليبي الفرصة لاختيار رئيس عبر الانتخابات، وسنبقى في هذه الحلقة المفرغة لفترة طويلة. المجتمع الدولي موقفه متفرج وستكون كل تصريحاته وبياناته ردود أفعال والشعب الليبي أصبح مغلوبا على أمره ولا يعلم ما يدور في الخفاء من صراع دولي لمصالح دولية في ليبيا ينفذ ويدير ويطبق هذه الصراعات والمصالح بعض المجموعات داخليا".
وأضاف "رسالتنا لكل الأطراف الموجودة الآن، أتركوا الشعب يختار وطبقوا الديمقراطية التي تنادون بها في كل اجتماعاتكم، وهي للأسف أصبحت من الجمل المستهلكة للساسة، لا حل إلا إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة لكل من تنطبق عليه شروط الترشح ويكون للشعب فيها حق اختيار من يريد بدون استخدام القوة أو السلاح أو اغتصاب السلطة، والصراع المسلح لا ولم ولن يكون حلاً للأزمة ولنا في الحروب الماضية خير دليل".
وبشأن الموقف الأمريكي الذي رحب بمبادرة المبعوث الأممي عبد الله باتيلي، وهل الموقف الأمريكي يتعارض مع سلطة مجلس النواب؟ قال الفكحال "حتى هذه اللحظة لم يتم طرح حل أو اقتراح أي حلول سياسية فعلية وجدية في ليبيا، بل كلها حلول تلفيقية مؤقتة، كما أنه لا يوجد موقف دولي موحد باتجاه ليبيا لأن هناك انقساما يبدأ من مجلس الأمن الدولي وصولا إلى باقي الأطراف الدولية وبالتالي الموقف الدولي ضبابي وغير جاد، وقد يكون هذا الموقف والوضع العام في ليبيا يعجبه ويخدم مصالحه".
وتابع "الجميع يعلم أن كل طرف دولي يريد أن يغتنم الفرصة ويقول إنه يريد حلا في ليبيا، ولكن للأسف هذه الحلول بمقاييسه ومعاييره الخاصة التي تصب في مصلحته فقط، ولا يخفى على أحد الخلافات المعلنة وغير المعلنة بين الأطراف الدولية بالشأن الليبي ولا يهمهم بأي شكل من الأشكال المصلحة الوطنية وفي المقابل كل الأطراف الفاعلة الداخلية بكل تصنيفاتها تهمها مصلحة هذه الأطراف الدولية وليس مصلحة ليبيا وهذا جعلنا عاجزين عن الوصول لحل".
وتابع: "إذا كان هناك جدية من قبل مجلسي النواب والأعلى للدولة، ومن الحكومة التي انبثقت عن اتفاق جنيف، ولو من باب إثبات حسن النية، لماذا لم تقم هذه الأطراف بإتمام الإطار الدستوري وتحديد موعد محدد للانتخابات وألا يترك هذا الموضوع مفتوحا؟! ولما لا تشكل حكومة مصغرة تكون حكومة انتخابات تسييرية فقط تشرف على إدارة العملية الانتخابية، بحيث تكون حكومة مُصغرة جدًا من شخصيات رصينة عاقلة غير مصطفة مع أحد تلقى قبول الأطراف جميعا، وتمثل ضمانة للجميع تدير المرحلة باقتدار، وبحكمة نحو الانتخابات بإشراف المجلس الأعلى للقضاء أو المحكمة العليا"، مشيراً إلى أن "هذا كله يعني أنه لا توجد جدية من كل الأطراف لإيجاد حل بل كل هذه الأطراف باقية خدمة لمصالحها وإطالة عمر وجودها فقط".
واختتم الفكحال بالقول إنه "بناء على ما ذكرته وبالنظر إلى الانسداد السياسي الذي تعانيه البلاد منذ سنوات، ومن تقاسم للسلطات وفقا لرؤى ضيّقة، ممن امتلكوا مراكز قانونية مؤثرة في العملية السياسية، فإن الحل من وجهة نظري أنه لا سبيل إلى بناء دولة المواطنة والمؤسسات إلا بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية متزامنة تُباشر من المرحلة التي عُطلت فيها انتخابات 24 ديسمبر/ كانون الأول 2021 الرئاسية وذلك بعد استبعاد كل الشخصيات الجدلية من دون استثناء والتي كانت أحد أسباب هذا التعطيل ولا تزال أحد أسباب الأزمة والانسداد السياسي الذي تعيشه ليبيا".
وتشهد ليبيا أزمة سياسية متصاعدة مع نزاع بين حكومتين، واحدة برئاسة وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا، التي منحها البرلمان المنعقد في طبرق، أقصى شرق البلاد، ثقته، في آذار/مارس 2022، والثانية حكومة الوحدة الوطنية المنبثقة عن اتفاقات سياسية رعتها الأمم المتحدة، ويترأسها عبد الحميد الدبيبة، الذي يرفض تسليم السلطة، إلا عبر انتخابات.
وأقر البرلمان الليبي، الشهر الماضي، التعديل الدستوري الــ 13 الخاص بنظام الحكم، ويتعلق التعديل بمكونات السلطة التشريعية واختصاصاتها وتحديد سلطات رئيس الدولة والوزراء وتحديد مقر مجلس الأمة الوارد بالتعديل في العاصمة طرابلس، لكنه لم يحدد شروط الترشح لانتخابات رئيس الجمهورية، وهي من المسائل الخلافية بين مجلسي النواب، والأعلى للدولة.