ماذا جرى في بكين؟
أعلن الاتفاق السعودي الإيراني اليوم الجمعة 10 مارس برعاية الصين، مُنهيا 7 سنوات من قطع العلاقات بين الرياض وطهران، وبالتأكيد ليوقف التراشق الإعلامي المتسع بين الدولتين.
وقع الاتفاق رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني ونظيره السعودي مساعد بن محمد العيبان ووزير الخارجية الصيني وانغ يي، على أن تكون هناك اجتماعات بين وزيري خارجية السعودية وإيران لترتيب تنفيذ الاتفاق وعودة العمل الدبلوماسي بالكامل.
يعيد الاتفاق فتح السفارات بين البلدين خلال أسبوع أو مدة أقصاها شهرين من الاتفاق، كذلك تفعل اتفاقية التعاون الأمني الموقعة بين البلدين عام 2011، واتفاقية التجارة الموقعة بينهما في 1998.
الاتفاق يمثل إتماما لمبادرة الرئيس الصيني شي جين بينغ، وتأكيدا على أن الصين نجحت في زيادة نفوذها في الشرق الأوسط، حيث أعلن عن هذا الاتفاق في نفس اليوم الذي بدأ فيه شي ولايته الثالثة في الصين.
وكان شي قد زار السعودية في ديسمبر/كانون الأول من 2021، كما استضاف الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في بكين الشهر الماضي.
إشارات سابقة لاتفاق قادم
الاتفاق الجديد ينهي قطيعة دبلوماسية استمرت 7 سنوات بين السعودية ودول خليجية مع إيران، وذلك احتجاجا على اقتحام المتظاهرين الإيرانيين، لبعثات الرياض الدبلوماسية وذلك بعد تنفيذ السعودية حكم الإعدام بحق رجل الدين الشيعي نمر النمر، مما أدى لتدهور العلاقات بشكل كبير ومباشر، كما أن الرياض كانت دائما تتهم إيران بأنها تقف خلف جماعة "أنصار الله" اليمنية، والتي تحاربها السعودية ضمن تحالف عربي تقوده منذ سنوات، حيث كانت الجماعة تقوم بالهجوم أكثر من مرة على منشآت سعودية وإماراتية، مما كلف السعودية خسائر كثيرة خاصة في قطاع النفط.
واستمر "التلاسن" وتبادل الاتهامات بين البلدين طويلا، حتى أعلنت الإمارات والكويت عن خططهما العام الماضي لإعادة السفراء إلى إيران، كما دخلت الرياض وطهران في مفاوضات لإعادة العلاقات بوساطة عراقية بدأت مع رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، وكذلك وساطة من سلطنة عمان.
الصين أم أمريكا في الشرق الأوسط؟
ورغم إعلان البيت الأبيض أن أمريكا بقيت على اطلاع بمحادثات بكين بين السعودية وإيران، وتأكيده أن هذا الاتفاق يعمل في جانب آخر على إنهاء الحرب في اليمن، وتشكيك البيت الأبيض في تنفيذ إيران للاتفاق، إلا أن هذا لا يخفي ضيق أمريكا من تزايد اهتمام الصين بمنطقة الشرق الأوسط، مستغلة قيام أمريكا ومنذ رئاسة ترامب بالابتعاد عن المنطقة التى كانت واشنطن سببا في حروبها الأخيرة، وفي دراسة جديدة حول مصالح الصين في المنطقة، يؤكد مؤلف الدراسة أن بكين جاءت متأخرة إلى المنطقة لكنها يبدو أنها لن تضيع الوقت في أن تزيد من تواجدها.
كما تقول صحيفة "فايننشيال تايمز" في تقرير لها، إن الاتفاق الإيراني السعودي يعد انتصارا للدبلوماسية الصينية وسلط الضوء على نفوذ بكين المتنامي في منطقة الشرق الأوسط. كما أنه يمثل تحديًا للولايات المتحدة الأمريكية، التي لم تعد علاقاتها قوية مع الرياض مؤخرًا.
كذلك تريد الصين وسريعا زيادة تواجدها في الشرق الأوسط، لأنه أكبر مورد للنفط والغاز للصين، حيث تمثل المنطقة ما يقرب من نصف واردات الصين من النفط، مما يجعل المنطقة حيوية جدا لأمن الطاقة في بكين، وعلى سبيل المثال في عام 2020 ، استوردت بكين ما قيمته 176 مليار دولار من النفط الخام من المنطقة، مما جعل الصين أكبر مستورد للنفط الخام في العالم. ويمثل هذا المبلغ ما يقرب من نصف (47 في المئة) الواردات الرسمية للمنطقة، ومعظمها من المملكة العربية السعودية، أي أن الصين لا تعمل على زيادة علاقاتها مع دول المنطقة بشكل سياسي فقط، بل أن التجارة والاقتصاد يمثلان أهمية كبيرة لهذه العلاقات.
وهكذا تعمل الصين على زيادة نفوذها في الشرق الأوسط بشكل كبير، ليس فقط من خلال التجارة والاقتصاد كما جرت العادة بين الصين وهذه المنطقة وأفريقيا عموما، لكن أيضا بأن تكون فاعلة في مجريات السياسية، ولن يكون الاتفاق بين إيران والسعودية سوى خطوة ضمن خطة صينية لأداء دور فاعل ومؤثر فيما يبدو أنه آخذ في الازدياد.