حول تلك الذكرى الأليمة على قلب كل عراقي عسكري أو مدني، أجرت "سبوتنيك"، المقابلة التالية مع العميد الركن الدكتور أعياد الطوفان، آمر اللواء السابع حدود في الجيش العراقي، والذي تبدأ مهامه من الحدود العراقية الأردنية إلى منتصف الحدود العراقية السعودية بقاطع طوله 574 كم، وتشمل تلك 22 مخفرا حدوديا، وهي تعد أخطر المناطق التي كانت في مواجهة مباشرة مع القوات الأمريكية قبل وصولها إلى بغداد، وشاهد عيان على جرائمهم قبل وبعد الاحتلال وأثناء الحصار الظالم الذي دام ما يقارب 13 عاما.
ــ هل كنتم تتوقعون الدخول البري للقوات الأمريكية للعراق بعد سنوات الحصار الطويلة وإنهاك قوات الجيش والحشد الإعلامي الدولي لامتلاككم أسلحة دمار شامل؟
ــ واهم وقاصر الفكر من يتصور أن الحرب الأمريكية على العراق بدأت يوم 17 مارس 2003 وانتهت في 9 أبريل/ نيسان من نفس العام، الحرب بدأت بالفعل يوم 2 أغسطس/آب 1990عندما دخل الجيش العراقي إلى الكويت، حيث كانت تلك هي الذريعة بعد كل ما جرى للجيش العراقي من مآسي بعد الخروج من الكويت والانسحاب القسري، وطوال الفترة التي تلت دخول الكويت كان الحصار قاسيا وظالم جدا على كل الفئات وأول من عانى من الحصار هو الجيش العراقي، سواء من ناحية التدريب والمناورات أو غيرها، وحتى الطائرات الحربية لم تكن تملك منظومة التدريب شتاء أو صيف، ناهيك عن أنها طائرات قد استهلكت كثيرا بما فيها الأسلحة العادية التي تتأثر بمدة الاستخدام والظروف الجوية، وخلال السنوات الـ13 من الحصار تمت تهيئة الأجواء بجعل الجيش العراقي يتأخر إلى مستويات متدنية بعد أن كان في المراتب الأولى، وكل ما حدث في العام 2003 كان تهيئة للحرب كنتائج وليس كبدايات.
ــ ما رأيك في الأسباب التي ساقتها أمريكا لشن العرب على العراق؟
ــ أثبتت الأيام أن جميع أسباب الحرب التي تم تسويقها في تلك الفترة أن جميعها كانت ملفقة، واستشهد هنا بكلام وزير الخارجية الأمريكي في ذلك الوقت، والذي اعتبر أن رفعة لـقنينة أثناء جلسة مجلس الأمن على أنها قارورة، وقال: "إن تلك اللحظة كانت بمثابة النهاية لحياته السياسية والعسكرية وأنها أتعس قرار اتخذه في حياته، وما جرى في العراق لاحقا كان مخطط له جيدا، حتى عملية التدمير الآن ومن بعد 2003، رغم المقولات بأن هناك أخطاء من بينها حل الجيش العراقي وغيرها، هي ليست أخطاء عفوية بل تسير وفق خطة موضوعة لجعل العراق فوضويا حتى يتم السيطرة عليه، وجميعه يتم بالتعاون فيما بين أمريكا وإيران وإسرائيل، وغبي من يتصور أن هناك خلاف فيما بين واشنطن وطهران أو بين طهران وتل أبيب.
ــ بصفتكم أحد قادة الجيش العراقي... كيف كان استعدادكم للحرب وما الذي جرى بعد بدء الهجوم البري الأمريكي؟
ــ هناك نقطة أريد أن أقولها للمرة الأولى، في الساعة الثانية صباح يوم 17 مارس 2003، وقبل قصف القوات الأمريكية لبغداد بساعتين أو ثلاثة، انطلقت 2 طائرة عمودية"سمتية" أمريكية من قاعدة الرويشد في الأردن و2 من قاعدة عسكرية بمنطقة عرعر السعودية، تلك الطائرات دمرت كل المخافر التي كان يتواجد بها أفراد مخافر(نقاط) الحدود التابعين للواء السابع الذي كنت أقوده، واضطررنا بتنفيذ الخطة B بالانسحاب بمن تبقى إلى مناطق بعينها، فقد كانت تلك المخافر تراقب عمليات الاستطلاع الأمريكية على الجبهة الأردنية والسعودية، حيث كانت تلك الطائرات بعيدة بشكل ما في العمق السعودي والأردني، وكنا نعلم أن حاملات الطائرات الأمريكية لا تتحرك إلى تلك المنطقة إلا لأسباب استراتيجية كبيرة وكنا نراقب التحركات ولدينا يقين بأن الحرب قائمة لا محالة.
ــ كيف تعامل الأمريكان معكم قبل دخول بغداد؟
ــ استخدمت قوات الاحتلال الأمريكي القوة المفرطة عن طريق استخدام الأسلحة المتوسطة والثقيلة قرب التجمعات السكنية وهو ما يخالف اتفاقات جنيف التي تمنع ذلك في أوقات الحروب، وقد استخدمت قوات الاحتلال كل أنواع الأسلحة ضد المدنيين للتأثير على معنوياتهم حتى لا يقدموا على دعم ومساندة الجيش العراقي الذي كان يقاتل، وبالتالي كانت غاراتهم الجوية تستهدف المدن بجانب القطاعات العسكرية، كما أن هناك مجازر أمريكية ارتكبت في العراق حتى قبل العام 2003، من بينها ما يسمى بمجزرة طريق الموت عندما انسحب الجيش العراقي من الكويت بوساطة روسية وتحت إشراف الأمم المتحدة، الأمر الذي أدى إلى مقتل الآلاف وتدمير عشرات الآلاف من المعدات، كما لم يفرق القصف الجوي بين القطاعات العسكرية والمدنيين، وهناك العديد من الجرائم التي ارتكبت في تلك المرحلة، خصوصا في المحافظات الجنوبية والوسط والتي نالت القسط الأكبر من عمليات القصف الأمريكي.
ــ الساعات الأولى لاقتراب القوات الأمريكية من بغداد...كيف تعاملتم معها؟
ــ مع توارد الأنباء عن تحركات القوات الأمريكية انتقلت غالبية القوات العراقية إلى المواقع البديلة، وكانت لدينا عدة خطط للتحركات في كل الظروف، وهناك نقطة مهمة أن الأمريكان نجحوا نتيجة الفارق الكبير في التسليح، فعندما عجزوا عن الدخول عن طريق قاطع أم قصر استطاعوا التنقل عبر صحراء الناصرية والسماوة حتى وصلوا إلى مشارف النجف وصولا إلى صحراء كربلاء ومنها إلى المسيب ثم إلى بغداد، وكان عتادهم العسكري يؤمن لهم المؤن والمعدات في الوقت الذي كنا نفتقد فيه إلى أبسط وسائل الدفاع الجوي في ظل تفوق جوي أمريكي كبير جدا، وهنا نستطيع القول أن مأساة الحصار انعكست سلبا وبشكل مؤثر جدا على الجيش العراقي من ناحية السلاح وتخزينه أو استيراده، لذلك المقارنة بين الجيش العراقي والجيش الأمريكي وثلاثين دولة أخرى هي مقارنة ظالمة، وصمود الجيش من 17 مارس إلى 9 أبريل كان إصرار من الجندي العراقي للدفاع عن أرضه.
ــ هل استقبل العراقيون الأمريكان بالورود كما كان يروج له جورج بوش الابن؟
ــ كل ما أثير حول استقبال الأمريكان بالورود في بغداد عار تماما عن الصحة، كانت تهدف تلك الدعايات إلى تحطيم معنويات الشعب والجيش العراقي، لم يصفق لهم سوى العملاء والخونة الذين جندتهم بعض الأحزاب التي كانت تتخذ من طهران مقرا لها وحتى الكثير من هؤلاء أبدوا ندمهم، لأن المحتل سلب منا الكرامة والسيادة وأرواح الآلاف من أبناء العراق، ولا زال حتى اليوم يرتكب الموبقات وجرائمهم وفضائحهم لا تنتهي، ولم يكن الأمر قاصرا على الجيش الأمريكي، بل حتى شركاتهم الأمنية حيث كانوا يداهمون ويقتلون المدنيين بدون داع، وكم من المجازر ارتكبت في قلب بغداد، جرائم أمريكا في العراق معيبة ومخزية، فقد رأيناها أيضا في العام 1991 عندما قصفوا ملجأ العامرية، وكل جرائمهم تؤكد أنهم جيش قام على انتهاك حقوق الإنسان، علاوة على أكاذيبهم الكبرى بامتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل.
ــ هل نجح الأمريكان بتدمير العراق بشكل كامل... أم يستطيع النهوض مجددا في الوقت الراهن؟
ــ التخطيط لتدمير العراق بدأ منذ العام 1972 بتأمين النفط وأيضا عندما اندلعت الحرب العراقية الإيرانية ووفقا للعديد من الشهادات الدولية كانت أمريكا وإسرائيل تمد طهران بالكثير من القنابل والصور الجوية والمعلومات الاستخبارية عن العراق، بعد انتهاء تلك الحرب وخروج العراق منتصرا، هذا الأمر أثار الأمريكان والإسرائيليين وبدأو التخطيط لإيقاع العراق في الفخ وتحقيق ما تم الترتيب له، فلا يمكن تصديق الشعارات التي تقول أن الأمريكان جاءوا لنشر الديمقراطية، بل جاءوا من أجل الهيمنة والسيطرة على منابع النفط والطاقة والتقليل من هيمنة وسيطرة إيران في المنطقة، مع الإبقاء عليها كشرطي للمنطقة، وما يحدث من تخبط اليوم ليس عشوائي، بل مخطط له منذ عقود.
ــ هل كانت لديكم خطة للدفاع عن بغداد حال وصل إليها الأمريكان؟
ــ خطة الدفاع عن بغداد كانت محدودة ولم يضطلع عليها الكثير، لهذا دخل الأمريكان إلى بغداد سريعا بعدما وصلوا إلى المطار ومنه إلى مركز الحكومة، ونحن نعلم أن الكثير من القطاعات التي كانت متواجدة في الأنبار وصلاح الدين وكركوك جميعها لم تشترك بالمعارك، فبعد وصول القوات الأمريكية لمقر الحكومة تركت تلك القوات السلاح لأنه لم تعد هناك جدوى من القتال.
ــ ما هي أشد الجرائم انتهاكا للإنسانية والتي ارتكبتها قوات الاحتلال الأمريكي بعد وصولها بغداد؟
ــ أفظع الجرائم التي ارتكبتها القوات الأمريكية كان في معركة المطار في بغداد، حيث نصب العراقيون للقوات الأمريكية كمين كبير جدا في مطار بغداد بعد أن وصلت المعلومات بأن 12 طائرة أمريكية (شينوك) محملة بالجنود قد وصلت إلى المطار، وبمجرد أن نزلت على المدارج التي أغرقت بالمياه وتم توجيه الكهرباء القوية عليها من قبل الجيش العراقي، في تلك اللحظات احترقت الـ 11 طائرة الأمريكية بما تحمله من جنود واستطاعت واحدة الإفلات من الكمين، كما أن معركة المطار الثانية نصب فيها المقاتلين العراقيين كمين للجيش الأمريكي واستطاعوا أسر عدد كبير وقتل أكثر من 200 جندي قطعت رؤوسهم وعلقت على مدرج المطار للتأثير على معنوياتهم، حينها لجأ الأمريكان إلى سلاح كيماوي يذيب لحوم البشر، ورأيت بعيني الكثير من هياكل العظام المتفحمة وكذلك السيارات وكان الأمر غريب جدا، ومنعت المنطقة التي تم فيها القتال من دخول أي عراقي وبعد مرور خمس سنوات، قامت القوات الأمريكية بإعلان مزايدات لتوريد تربة من خارج المدينة ويتم تسليمها محملة للأمريكان والذين يقومون بتفريغها وإعادتها مرة أخرى، كان سعر السيارة الواحدة 1000 دولار وهو سعر مغري جدا وتم استبدال التربة في تلك المنطقة بعمق من 5- 10 أمتار حتى تضيع معالم جريمة الكيماوي التي تم استخدامها.
أجرى الحوار/ أحمد عبد الوهاب