وزير الإعلام اللبناني إبان غزو العراق: أمريكا استباحت كل شيء لهدم بغداد ولم يعد مكان للقطب الواحد

هكذا يرى وزير الإعلام اللبناني السابق إبان الغزو الأمريكي للعراق، تجربة السياسة الأمريكية منذ عام 2003 وحتى اليوم.

ووصف الحرب الأمريكية التي شنتها على العراق، بأنها "كارثة إنسانية وأخلاقية وصحية وبيئية وإدارية وعلى المستوى الدولي والاجتماعي والاقتصادي والقانون الدولي، حيث تمت استباحة كل شيء في العالم من أجل تدمير العراق".

وأضاف العريضي في مقابلة مع "سبوتنيك"، أن تداعيات هذه الحرب لا تزال قائمة في العراق وعلى المستوى العربي، ويعرب عن أسفه لعدم محاسبة أي مسؤول أمريكي بعد اعترافهم بالخطأ عن هذا الغزو الذي تم من أجل مصلحة مالية ولأهداف سياسية لتدمير جيش ودولة العراق ونهب ثرواتها وإمكانياتها الهائلة آنذلك.

لست هنا لأدافع عن النظام العراقي، أقرأ كما قرأت سابقًا هذه الأحداث بوقائعها وحول احتلال العراق، حيث ألفت كتابا من 528 صفحة عنوانه "إدارة الإرهاب"، أي الإدارة الأمريكية، حيث تم تدمير العراق وغزوه واحتلاله، وتدمير وتفكيك الجيش العراقي، ونهب ثروات البلد، ومن ثم الكارثة المالية الاقتصادية الاجتماعية البشرية على مستوى العراق، هذه الدولة الكبرى التي تم نهب كل ثرواتها وخيراتها.

القرار كان قد اتخذ سابقًا، خاصة بعد ما جرى عام 2001 من ضرب الأبراج الأمريكية، وكل المعلومات التي نشرت لاحقًا تؤكد أن الأمريكيين اتخذوا قرارا منذ ذلك الوقت بتدمير العراق، في النهاية وصلنا إلى مرحلة الغزو، حيث قالوا إن العراق تمتلك أسلحة دمار شامل، ثم لاحقا كان واضحًا التوجه الأمريكي على لسان وزير الخارجية آنذاك كولن باول، الذي كان رئيسا لأركان الجيش الأمريكي، والذي اعترف لاحقًا أنه تعرض لعملية غش حقيقية من المخابرات، وأنه لم يكن ثمة أسلحة دمار شامل في العراق.

هذا هو المشروع الأمريكي وصلنا لمرحلة التفتيت والشرذمة والانقسام، الخلافات المذهبية والطائفية، ومن هنا انطلق المشروع لدول أخرى في المنطقة، هذه هي أبعاد المشروع، حيث طرحت واشنطن في ذلك الوقت فكرة الفوضى الخلاقة، الشرق الأوسط الجديد، الديمقراطية.

أنا من الأساس ضد السياسة الأمريكية، ولست مؤمنًا بهذه العناوين والشعارات، حيث كان ثمة ديمقراطية جاؤوا إلى تحطيمها، ولم يكن ثمة ديمقراطية كما كان في العراق، جاؤوا لتدمير عناصر القوة التي يمتلكها العراق، الجيش العراقي كان من أهم أقوى الجيوش في المنطقة، ولا ننسى أنهم ساهموا بطريقة أو بأخرى من خلال الدعم المفتوح لإسرائيل المستفيد الأكبر من احتلال وغزو العراق في دعم وتقوية إمكانيات إسرائيل التي ذهبت ودمرت مفاعل تموز النووي الذي كان يملكه العراق.

يجب أن ننتبه إلى مسألة أساسية، العقل والإنسان العراقي، العلماء العراقيون، إسرائيل دخلت في ركاب الاحتلال واغتالت عددًا من العلماء العراقيين، ثم جاءت أمريكا في ظل الأزمة الاقتصادية المالية لتستخدم عقول هؤلاء بعد وضع اليد على بلادهم برواتب بخسة رخيصة جدًا، للاستفادة من العقل العراقي، هؤلاء يريدون العمل والحياة، هذا هو المشروع الأمريكي وهذه هي نتائجه.

لاحقا، كشف الكثير في حكم بول بريمر والمسؤولين الأمريكيين اللاحقين، عن الفضائح والخسائر البشرية حتى الأمريكية، عن إهدار آلاف المليارات في العراق، عن الكلفة الهائلة، وسرقة ونهب أموال العراق، التي تم تدميرها بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

للأسف، في تلك المرحلة كانت علاقتي متوترة مع الأمريكيين لأنني كنت وزيرًا للإعلام وكنت بشكل دائم أنتقد السياسة الأمريكية خاصة في فلسطين، وسط هذا الدعم الواضح والفاضح لإسرائيل، وكنت من أوائل الأشخاص الذين رفعوا أصواتهم ضد ما جرى في العراق، ليس دفاعا عن النظام العراقي، إنما رفضًا للسياسة الأمريكية التي بنيت على أضاليل كانت بقصد تدمير العراق، لم يكن هناك حديث مباشر بيني وبين الأمريكيين، مرات قليلة كان بعض السفراء يأتون إلينا، وهذا كان موقفي، كانوا يدافعون بطريقة غير مقنعة وأحيانًا كانوا يصلون لمرحلة من الإحراج؛ لأن المنطق الذي كان يقدم لم يكن مقنعًا على الإطلاق، وأنا كنت مستمرًا في إطلاق مواقفي والظهور الإعلامي كوزير للإعلام اللبناني كمسؤول سياسي انتمى لخط سياسي معين في الحزب التقدمي الاشتراكي، كنت أرى ماذا يجري على الساحة العراقية، وما هي المؤشرات فيما بعد.

المعيار الأساسي بالنسبة إلي كان ولا يزال عند قراءة السياسة الأمريكية، وأنا لست أسيرًا لنظرية مؤامرة أو لدى أحقاد أو كره أو ما شابه، أنا أقف عند الوقائع والسياسات والممارسات، معيار أي موقف بالنسبة لي هو كيف يتم التعاطي مع قضايانا العربية وعلى رأسها بأولوية الأولويات القضية الفلسطينية، يكفي أن تنظر لهذا الأمر لتدرك هذا الانحراف والانحياز والوقوف في الجانب الخطأ من التاريخ إلى جانب إسرائيل بكل ممارساتها اللاأخلاقية العنصرية ضد الشعب الفلسطيني، لذلك الخط البياني هذا كان يأخذني إلى متابعة كل هذه التطورات والأحداث والقراءات، انطلاقا من هذه الخلفية السياسية، والوقائع أثبتت أن ما كنا ننبه إليه ونحذر منه قد حصل في العراق، وهذه هي النتائج الكارثية، لا حقا عندما توقفت العملية العسكرية، أنجزت كتابي في متابعة يومية لكل ما كان يجري في العراق في هذه المرحلة، كارثة إنسانية وأخلاقية وصحية وبيئية وإدارية وعلى المستوى الدولي والاجتماعي والاقتصادي القانون الدولي، تمت استباحة كل شيء في العالم من أجل تدمير العراق.

الموقف الدولي كان خجولًا صراحة، باستثناء بعض الدول التي كانت ترفض ولا تزال السياسة الأمريكية، ومركزية القرار الأمريكي، واعتبار واشنطن نفسها أنها قائدة العالم، وبأن الاتحاد السوفيتي قد انهار وبالتالي الساحة مفتوحة أمامها لسيطرة كاملة، وتنفيذ سياساتها، كانت ثمة مواقف منها الصينية والروسية وبعض المواقف الأخرى التي دعت إلى العودة لمجلس الأمن والشرعية الدولية، علما بأن بعض القرارات التي صدرت بنيت على باطل، لكن ما يسمى المجتمع الدولي كان موقفه خجولا جدًا.

لم يكن ثمة موقف عربي جامع متفق عليه، كانت هناك انقسامات عربية كبيرة، خصوصا بعد حرب العراق في إيران، والخطيئة الكبرى الذي ارتكبها النظام العراقي في غزو الكويت، حيث ترك جرحا كبيرا وعميقا جدا على مستوى العلاقات العراقية العربية، وبعض العلاقات العربية العربية. الأمور كانت متباينة وجاء التحالف الدولي لتحرير الكويت من الحرب التي تركت آثارها على المستوى العربي.

لكن في النهاية ما جرى في العراق لم يترك انعكاسات على مستوى العراق وحسب، بل إن انعكاسات ما جرى هناك من قبل الأمريكيين ترك صدى على مستوى الساحة العربية ككل، سواء على العلاقات العربية العربية، والكائنات البشرية والمالية والوضع الاقتصادي والاجتماعي، محاولات إثارة الفتن المذهبية والطائفية، سني سني، وسني شيعي، سني مسيحي، إلى ما هنالك، هذا الأمر انكشف أكثر وأكثر على الساحة العراقية، ثم لاحقا بتنا نراه في أكثر من مكان على مستوى المنطقة العربية، وفقا لما جرى بعد غزو العراق عام 2003.

قالوا هذا الكلام ولكن ماذا فعلوا؟ لا شيء، في النهاية، نائب الرئيس الأمريكي كان أحد أبرز المسؤولين لشركة هاليفرتون التي أعطيت التزامات بمئات المليارات على أرض العراق، عملية مصلحية مالية سياسية أبعادها وأهدافها تدمير الجيش وتفكيك الدولة العراقية، ماذا ينفع هذا الكلام دون إجراء؟ لم يحاسب أي مسؤول أمريكي لا على سوء الإدارة أو سوء التقدير ولا على النهب والسرقة والجرائم التي ارتكبت في العراق، أين هي صدقية الموقف وأين يصرف، اعتراف بخطأ من قبل بعض المسؤولين وحسب، والكارثة لا يزال حجمها حتى الآن لا يزال ماثلا أمامنا تداعيات هذا الحادث الخطيرة جدًا على العراق وعلى المستوى العربي، ماذا نقول لأطفال العراق وللمواطنين الذين فقدوا كل شيء؟ اليوم العراق الدولة الكبرى الغنية، دولة الرافدين لا مياه فيها، الطاقات والإمكانيات المالية الهائلة لا كهرباء لديها، بلد نهب واستمرت عملية نهبه لاحقا، كل هذا بسبب الاجتياح الأمريكي الذي حصل، وتدمير الدولة ومؤسساتها وقطاعاتها، وجيشها.

لا شيء تغير، هذا ثابت، خاصة في منطقتنا، لا سيما مع وجود دولة الاغتصاب والإرهاب إسرائيل هنا، وهي الالتزام الأول لأمريكا، وكل ما يجري لتكريس وتثبيت هذه الدولة العنصرية ودولة الإرهاب والاحتلال الحقيقي، وإلا ألا ترى أمريكا ماذا حدث في فلسطين.. ماذا فعلت؟ بالأمس ذهبوا في مطالبة لتحقيق شفاف وعادل لعملية حرق بلدة حوارة، وإعدام الصحفية شيرين أبو عاقلة التي تحمل الجنسية الأمريكية، ماذا فعلوا؟ طالبوا بتحقيق عادل ونزيه وشفاف وانتهى الأمر هنا، ولم يعد أحد يذكر قضية شيرين، نفس السياسة الأمريكية.

ثمة لازمة تتكرر في كل المواقف الأمريكية أيا يكن حجم الإرهاب والتسلط الإسرائيلي والعنصرية دائما تقول إن لإسرائيل حق الدفاع عن نفسها، وكأن إسرائيل هي المعتدى عليها، وعندما يأتي الفلسطينيون للدفاع عن أنفسهم تقوم القيامة وتتم محاصرة السلطة والفلسطينيين ويتم تغطية كل الأعمال الإرهابية الإسرائيلية واستباحة كل الأراضي والمناطق الفلسطينية وقتل الناس وإعدامهم في الشوارع.. أين هي العدالة في الموقف الأمريكي؟

للأسف الفرصة فاتت، عندما تم الاعتداء على البرجين في أمريكا وكنت وزيرًا للإعلام، قلت إن الولايات المتحدة أمام فرصة الآن في ظل موجة التضامن معها، إما أن تذهب إلى شراكة حقيقية مع الدول، في ظل الفرصة للشراكة وضمان أمن وسلامة واستقرار المنطقة على المستوى الدولي، والخروج من دائرة التفرد، كان واضحا أن من ارتكب العملية استخدام التكنولوجيا الأمريكية، هذه التقنيات ليست حكرا على أحد، وثبت من هذه العملية إنه ليس ثمة برج عال في السياسة أو الاقتصاد أو الأمن، للأسف أمريكا ذهبت في اتجاه آخر، في طريق سن قوانين ضد المسلمين، ضد العرب، إلى مزيد من الكراهية والحقد إلى الأعمال التي نفذت ومنها احتلال العراق.

الحياة لا تتوقف هنا، باستطاعة أي إدارة أمريكية أن تفكر بهذا الأمر، لكن أنا لست متفائلا أن تقدما قد يطرأ على مثل هذه السياسة، هذا التغيير الذي ينبغي أن يكون، اليوم نشهد ما يجري في العالم، سياسة القطب الواحد لا يمكن أن تهيمن على العالم، ثمة دول أخرى كبرى وشعوب وأمم لا تقبل الخضوع للسياسة الأمريكية ولا لأي سياسة أخرى بشكل أحادي أو بتفرد أو ما شابه، منطق الشراكة على مستوى العالم ومشاكل البشرية اليوم، هو المنطق الأساسي، وإلا نحن ذاهبون إلى كارثة كبرى متنقلة من مكان إلى آخر.