وقال في مقابلة مع "سبوتنيك" إن "الغزو الأمريكي للعراق جرى التحضير له مع بداية تولي جورج بوش الابن للسلطة، وكل الادعاءات التي ثبت زيفها فيما بعد عن امتلاك أسلحة دمار شامل، وارتباط بغداد بأحداث 11 سبتمبر/أيلول كان تمهيدًا لغزو العراق وتحقيق أيديولوجية وأهداف المحافظين الجدد الذين تولوا السلطة في أمريكا آنذاك".
وأوضح أن بعد كل هذه السنوات، السياسة الأمريكية لم تتغير، بينما تغير الجانب العربي، والذي أيقن بأن العلاقات مع واشنطن مهمة، لكن الأهم موازنة هذه العلاقات، حتى يكون هناك خيارات متعددة أمريكية وأوروبية وروسية وصينية ويابانية، والبحث في النهاية عن المصلحة العربية.
وإلى نص الحوار..
بداية.. باعتبارك كنت مسؤولا ودبلوماسيًا مصريًا في ذلك الوقت كيف استقبلتم قرار الغزو الأمريكي على العراق في عام 2003؟
في عام 2003 كنت سفيرًا لجمهورية مصر العربية لدى الولايات المتحدة الأمريكية، وكنت قريبا من موضوع الغزو وتداعياته وجميع تفاصيله الأمريكية والمصرية، واستعرضتها جميعا في كتاب "الدبلوماسية المصرية في الحرب والسلام وسنوات التغيير"، والذي أصدرته في عام 2021، ومن خلال تواجدي في واشنطن وقبل قرار الغزو، بل مع بداية انتخاب جورج بوش الابن رئيسًا للإدارة الأمريكية، لاحظت اهتمامًا مبالغًا فيه لما يدعوا بـ "المحافظين الجدد" تجاه العراق، وتحديدًا من نائب الرئيس الأمريكي آنذاك ريتشارد تشيني، والذي ذكر لي في أول زيارة للمنطقة العربية أنه يريد التركيز على العراق.
ولماذا العراق بالتحديد؟
نعم.. سألته بالفعل عن سبب ذلك التوجه، ولما لا يكون صوب القضية الفلسطينية، لكنه قال إن العراق أثار انتباهه، ووقتها نقلت للقيادة في القاهرة أن شيئًا ما يدور في ذهن الإدارة الأمريكية الجديدة متعلق بدولة العراق، لكن لم أكن ملمًا في ذلك التوقيت بما سيجري، أو إمكانية تحديد نوع الخطوة المقبلة، وكان ذلك في العام 2001، وبعد ذلك ومع قرار الحرب كان هناك اتصالات مصرية عديدة قبل وأثناء وبعد الغزو الأمريكي للعراق.
حدثنا عن موقف الدولة المصرية من الغزو الأمريكي للعراق؟
نقلت للجانب الأمريكي رسالة الرئيس المصري آنذاك حسني مبارك، وتحديدًا لرئيس أركان الجيش الأمريكي وأحد القادة العسكريين في المنطقة، بعدم ملائمة غزو العراق، وأن هناك فرقًا ما بين تحرير الكويت الذي شاركت فيه القاهرة وبين غزو دولة عربية، ونقلت الرسالة كذلك لمختلف المسؤولين الأمريكيين في واشنطن، من بينهم كونداليزا رايز وكولن باول وغيرهم.
حضر وفد مصري إلى واشنطن قبل بدء الغزو بنحو 4 أسابيع، في محاولة أخيرة لنقل تحفظات القاهرة للجانب الأمريكي، وزار الوفد وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايز، ونائب وزير الدفاع الأمريكي بول ولفويتز من أجل نقل نفس الموقف، والقول بإن غزو دولة عربية أمر غير ملائم، والدخول في العراق قد يكون ممكنًا، لكن الخروج لن يكون سهلًا.
وماذا عن رد الفعل الأمريكي تجاه الموقف المصري؟
كانت الإدارة الأمريكية تستفسر عن بند بند، بداية من الدخول وكيفية التصدي ومحاولة السيطرة على أماكن بعينها، وكنا في كل مرة نؤكد في معرض ردنا عن عدم تأييدنا للغزو الأمريكي، حتى تساءلت كونداليزا عن السبب في تكرار هذا الموقف في كل إجابة، وقلنا وقتها حتى لا تخرج الإجابات عن سياقها العام، وهو عدم تأييد مصر للدخول، وفي حال الدخول يجب الحفاظ على كيان الدولة العراقية ومؤسساتها.
وباعتبارك السفير المصري لدى واشنطن آنذاك.. كيف رأت واشنطن ردود القاهرة حول الغزو؟
تكرار التأكيد على رفض الغزو وضعني كسفير مصري لدى واشنطن بموقف صعب أمام الكونغرس الأمريكي، والذي سألني عن كيفية اتخاذ مصر لهذا الموقف الرافض، والإعلان بشكل صريح عدم تأييد الحرب في العراق، رغم كوننا من أصدقاء أمريكا، وعلقت بالقول خلال اجتماعات غير رسمية بالكونغرس "إننا كأصدقاء نعطيكم الرأي الصادق ولا نؤيد هذه الخطوة إطلاقًا".
كيف تقرأ الموقف الدولي آنذاك من التوجه الأمريكي نحو العراق؟
الإدارة الأمريكية بقيادة جورج بوش الابن، كانت تعقد العزم على الدخول للعراق منذ اليوم الأول من توليها السلطة، وهذا كان واضحًا من حديث تشيني وولفويتز، فيما جاء ترتيب الخطوات في ضوء أحداث 11 سبتمبر والهجوم على الأبراج الأمريكية، لكن القرار كان قد اتخذ من قبل، واضطرت إدارة بوش إلى تبرير هذه العملية العسكرية لإقناع الرأي العام الأمريكي بوجود خطر حقيقي يتمثل في حيازة العراق لأسلحة الدمار الشامل النووية والكيمائية والبيولوجية، وذلك على الرغم من أن كل المحققين الدوليين والأمريكيين قد أعلنوا صراحة خلو العراق من وجود أي أسلحة دمار شامل، لكن تم تبرير الموقف بهذا الخطر، إضافة إلى ربط العراق بأحداث 11 سبتمبر، ولكنها لم تكن الحجة الأساسية لأن هذه الرواية لم تكن مقنعة لأحد.
إن لم يكن هناك أسلحة دمار شمال أو ارتباط بأحداث 11 سبتمبر.. ما هي الأسباب الحقيقية لدخول أمريكا للعراق؟
بغض النظر عن أداء وأسلوب الرئيس العراقي السابق صدام حسين، ومعاناة الشعب العراقي، قرار واشنطن بدخول العراق رغم عدم وجود أدلة عن أسلحة الدمار الشامل، هو قرار كان في ذهن الإدارة منذ أول لحظات وصولها للسلطة، وهو يعكس أحد أمرين أو كليهما معًا؛ إما جاء استكمالًا لخطة كان يجب تنفيذها بعد تحرير الكويت، حيث كان الجدل الدائر وقتها على ضرورة استكمال حرب التحرير وصولا إلى العراق، وهو ما رفضه الرئيس مبارك، وقال إنه سيساعد في التحرير لكنه لن يتخطى الحدود العراقية، وهو ما اكتفى به الرئيس جورج بوش الأب، فيما كان يرى آخرون ضرورة استكمال المهمة.
الأمر الثاني، هو أن البعض رأوا في تعامل الرئيس صدام حسين مع بوش الأب بعد تركه للسلطة لم يكن بالاحترام المطلوب، لذلك هناك ضرورة في استكمال المهمة، لكن الحجة الأوقع هنا هو ارتباط غزو العراق بتفتيت الاستقرار في المنطقة، ومن ثم في الوضع العربي بصفة عامة، الدخول كان مرتبط بأيديولوجية المحافظين الجدد وكذلك اليمين المتطرف المؤيد لإسرائيل، والذي يرى أهمية في أي شيء يضعف العرب.
بذكرك للعرب.. كيف ترى موقف الدول العربية من هذه الحرب لا سيما بعد الغزو العراقي للكويت؟
بدون شك احتلال أي دولة لدولة أخرى غير مقبول حتى بين دولتين عربيتين، غزو صدام للكويت كان مرفوضا عربيا ومصريًا، ووقفنا ضده، لكنه لا يعني أننا نؤيد غزو العراق، العلاقات بين الدول لا بد أن تحكمها ظروف آنية وتفكير استراتيجي، إذا كان هناك خطأ نتعامل معه، ولا نؤدي إلى عدم استقرار المنطقة بالكامل، لتحقيق هدف قصير المدى.
أعتقد أن الغالبية العظمى من الدول العربية لم تكن مؤيدة لغزو العراق خشية عدم الاستقرار وهو ما حصل بعد الغزو، وهذا بصرف النظر عن عدم ترحيب الكثير منهم بتصرفات صدام حسين، لكن غزو العراق انتهى إلى تفتيت العراق لسنين طويلة وتنامي النفوذ الإيراني في المنطقة.
كيف ترى الاعتذار الذي جاء على لسان بعض المسؤولين الأمريكيين مثل كولن بأول وجورج بوش عن عدم جدية الادعاءات التي خاضت واشنطن على إثرها هذه الحرب؟
من أكبر سلبيات النظام الأمريكي إنه يندفع بقوته مع أي تيار يستطيع أن يحصل على تأييد شعبي جارف ضده، خاصة لطرح قضايا تعكس أن هناك خطرا دوليا، هذا إضافة إلى وجود نفوذ لما يسمى المنظومة الصناعية العسكرية التي تؤيد دائما اللجوء للعنف في تحليل القضايا والتصدي لها، وهذه سلبيات للنظام الأمريكي، فضلا عن أن قوة هذا النظام تخلق عنده نسبة من الغرور ومجازفة غير قليلة على حساب مسؤولياته ومصالحه، يدفع ثمن كبير في هذا المجتمع الدولي، في المقابل هناك إيجابيات أن هذا النظام كثير الشفافية وبعد الأحداث لم يخش مسؤول إعلان صراحة أنه مخطئ في ذلك وما ذكره كولن بأول يؤكد ذلك، وكذلك مدير المخابرات الأمريكي آنذاك الذي أعلن أن تصريحه حول وجود تأكيدات قاطعة بوجود سلاح دمار شامل في العراق لم تثبت صحته.
في اتصال جمعني مع مسؤولين أمريكيين بعد أشهر من الحرب، على رأسهم ولفويتز، تساءلت عن كيف بدأت واشنطن حربًا على أساس أسلحة دمار شامل في العراق، ولم تجد ثمة سلاح واحد من أي نوع، وكان رده بكل "صراحة وتبجح" أنها كانت الحجة الوحيدة التي يمكنها جمع الرأي العام وأعضاء الإدارة الأمريكية حول الغزو.
وأقر ولفويتز صراحة أنهم كانوا على علم بعدم وجود أسلحة دمار شامل بالعراق، ومع هذا طرحوا هذا المبرر للتغلب على معارضة بعض المؤسسات الرسمية الأمريكية.
وما أبرز تداعيات الغزو الأمريكي على العراق والمنطقة العربية برمتها؟
وقفت ضد غزو العراق للكويت، ورأيت أنه شيء غير مقبول وكان خطئًا كبيرًا من صدام حسين، لا أرى أن من حق أي دولة غزو دولة أخرى من دون شرعية دولية أو الدفاع عن النفس، ومن ثم لم أؤيد الغزو الأمريكي على العراق على الرغم من التحفظات الموجودة لدينا على ممارسات صدام حسين، لكن في التحليل الاستراتيجي نجد أن هذه الحرب تسببت في خلل بالتوازن الإقليمي في منطقة المشرق والخليج، وسرعت من التغول الإيراني في العراق والشرق، وحقق ما أراده المحافظون الجدد على حساب العرب، ولا نزال لم نخرج كليًا من هذه المشكلة، وإن كان هناك بوارد للتحسن لكن ما زلنا نعاني منها.
بعد كل هذه السنوات.. ما الذي تغير من السياسة الأمريكية الموجهة للدول العربية منذ غزو العراق وحتى الآن؟
لم يتغير شيء، ما تغير هو الواقع الأمريكي ورد الفعل العربي، فمن المعلوم أن اهتمام واشنطن بأي منطقة في العالم من أجل المصلحة، والاهتمام بالشرق الأوسط والعالم العربي كان مرتبطًا بالحرب الباردة والتوازن تجاه الاتحاد السوفيتي، وله علاقة بالطاقة وترتيبات الأمن القومي من مرور السفن إلى آخره، ومع انتهاء هذه الحرب وكذلك الصراع بين أمريكا والاتحاد السوفيتي، وظهور تكنولوجيا الطاقة التي جعلت أمريكا غير معتمدة على الطاقة الشرق أوسطية، وتركز اهتمامها بالمنطقة في قطاع الطاقة على السعر الدولي وليس على التوريد المباشر لأمريكا، قل اهتمامها بالمنطقة كثيرًا، وإن كان من الصعب لأي دولة عالمية تجنب المنطقة بأكملها وعزل نفسها عنها وهو ما أثبتته الأحداث بعد إعلان الرئيس باراك أوباما عن تحول التركيز من الشرق الأوسط إلى أسيا.
الجانب الأمريكي لم يتغير، الظروف هي من تحولت، لم تعد واشنطن مستعدة لإعطاء ضمانات أو التضحية بثرواتها أو بقواتها لحماية أحد في المنطقة بصفة عامة، كما أن الجانب العربي تغير كثيرًا وبدأ ييقن بأن العلاقات مع أمريكا مهمة جدًا، ولكن الأهم والأجدى موازنة هذه العلاقات حتى يكون لدينا خيارات متعددة أمريكية وأوروبية وروسية وصينية ويابانية، لأن المصلحة في النهاية عربية، وهناك تقدير عربي بأن أغلب قضايا المنطقة يجب أن نأخذ زمام المبادرة في التعامل معها وعدم الاعتماد على الآخرين في ذلك.
خير مثال على ذلك الحرب أكتوبر/ تشرين الأول عام 1973م، وما تلاها من جهود للسلام، وما شهدته المنطقة من توازنات معينة في القضية الأوكرانية، وآخر التطورات الخاصة بالإعلان السعودي الإيراني عن بدء حوار جديد بعد وساطة صينية وهو تحول واضح، حيث كان العالم والمجتمع الدولي لا يزال يعيش في مناخ وأسس ما بعد الحرب العالمية الثانية لسنوات قريبة، ومن ثم تعرض لعاصفة قوية حيث بات هذا الكلام غير واقعي الآن والتفاعلات باتت مختلفة.
أجرى الحوار: وائل مجدي