وأعرب الرئيس الصيني شي جين بينغ، لدى وصوله إلى مطار العاصمة موسكو، عن خالص تحياته وأطيب تمنياته لروسيا حكومة وشعبا، معربا عن استعداد بلاده للوقوف بجانب روسيا لحماية القانون الدولي.
إلى جانب الرسائل التي حملتها قمة اليوم وتداعياتها المرتقبة، ظل التساؤل المطروح منذ فترة حول منطقة الشرق الأوسط ومدى تأثرها بالتداعيات للأزمة العالمية الراهنة، خاصة في ظل معاناتها منذ العام 2011 في دوامة الصراع والإرهاب والأزمات الاقتصادية المتعددة.
منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا مطلع العام الماضي 2022، كانت التقديرات تشير إلى أن تغيير موازين القوى في العالم تحقق استفادة كبرى لمنطقة الشرق الأوسط.
آليات استفادة دول المنطقة
تتباين الآراء بشأن الاستفادة المباشرة وغير المباشر والمدى الزمني الذي يمكن أن تتحقق فيها هذه الاستفادة، غير أن إجماع الخبراء يؤكد التوجه الروسي والصين في المنطقة يوضح الفارق بين الاستثمار في التنمية والاستقرار وما يحققه من نتائج إيجابية لدول المنطقة، وبين الاستثمار في النزاعات والحروب التي دعمها الغرب لسنوات طويلة.
في قراءة تداعيات زيارة الزعيم الصيني إلى موسكو، يوضح الخبراء أن الزيارة تؤسس لمرحلة هامة من تقارب الرؤى والعمل المشترك لدعم مسار إعادة موازين القوى، وأن دول الشرق الأوسط يمكنها الاستفادة بشكل كبير من نقل التكنولوجيا، والدخول إلى مجال التصنيع بمستويات متقدمة، بما يحقق النمو المطلوب للمنطقة التي عانت لعقود.
وفي وقت سابق أعلنت وزارة الصناعة والتجارة الروسية، اليوم الخميس، أن حجم التبادل التجاري بين روسيا والدول العربية قد تجاوز 18 مليار دولار في عام 2021.
فيما وصل حجم التبادل التجاري بين روسيا والصين إلى رقم قياسي، إذ بلغ أكثر من 172 مليار دولار في 2022.كما بلغ التبادل التجاري بين الصين والدول العربية نحو 330 مليار دولار، وفق بيانات رسمية عن الجانب الصيني.
أما حجم التبادل بين روسيا والصين، فقد سجلت الأرقام والمؤشرات ارتفاعا كبيرا بحجم التبادل التجاري بين البلدين حيث زاد بنسبة 31.4% وبلغ 117.205 مليار دولار خلال الأشهر الثمانية الأولى من سنة 2022، وفقا للبيانات الصادرة عن إدارة الجمارك الرئيسية في الصين.
فرص تنموية لدول المنطقة
يقول سامر خير أحمد، الباحث الأردني في الشؤون الصينية، إن تمكن البلدان من تحقيق توازن في السياسة الدولية، يتيح فرصا تنموية واسعة للدول النامية ومن ضمنها دول الشرق الأوسط.
ضمن المشروعات التي يستفيد منها الشرق الأوسط، تأتي مبادرة "الطريق والحزام "في المقدمة، حيث توفر مجالات واسعة لنقل التكنولوجيا والإنتاج الصناعي إلى جانب البنى التحتية للنقل، وهو ما يوفر فرصا لنهوض اقتصادات الدول النامية، سواء كانت دولا نفطية أو غير نفطية. كما يعد النجاح التنموي هو الوسيلة الأفضل للاستقرار في الدول النامية، وفق الباحث.
يشير الخبراء إلى أن تداعيات مستقبلية على المنطقة وأن العديد من الملفات الساخنة والصراعات يمكن تحقيق الاستقرار فيها عبر التنمية، لكن الباحث الأردني يستبعد تداعيات مباشرة للزيارة على المنطقة. موضحا أن المسار السياسي طويل، ويجب إنجازه وتجاوز معيقاته الدولية حتى يكون ممكنا ظهور نتائج غير مباشرة له على مناطق العالم غير المتصلة مباشرة بالصراع الدولي على شكل النظام العالمي القائم، منذ نهاية الحرب الباردة.
ويرى أن النتائج تبقى مرهونة بانعكاسات الزيارة على موازين القوى في الصراع الدولي القائم.
كيف تستفيد الدول العربية؟
يمكن للدول العربية تحقيق العديد من أوجه الاستفادة من التحالف الصيني الروسي أو الرؤى المشتركة بين البلدين في إعادة تشكيل موازين القوى وما يترتب عليه من نمو واستقرار في المنطقة. يوضح الباحث إن التوازن الدولي يوفر فرص مناورة واسعة للدول النامية على الصعد السياسية والاقتصادية.
كما يمكن للدول العربية التي لديها خطط تنموية للسنوات المقبلة، الاستفادة من التوازن الذي يساعد في المضي قدما بخططها التنموية، وهو ما يرتبط بشكل أكبر بمدى انعكاس العلاقات الصينية-الروسية على التوازن الدولي من حيث المبدأ.
مجالات مشتركة مع روسيا والصين
من بين المجالات التي تحتاجها منطقة الشرق الأوسط بقدر أكبر، نقل التكنولوجيا الصناعية، بحيث تدخل الدول النامية مجال التصنيع والتصدير، بشكل ينعكس إيجابياً على فرص إدامة التنمية وتطوير هيكلية الاقتصادات العربية.
يفسر سامر أن الخطوة تنعكس إيجابيا على مستوى معيشة المواطنين في الدول غير النفطية، كما يساعد الدول النفطية على التخطيط للمستقبل، بما يساعد في جسر الهوة الحضارية التي تفصل دول الشرق الأوسط عن دول العالم الصناعية.
يمثل الملف الأمني ووقف النزاعات وإعادة الاستقرار للمنطقة أولوية قصوى للبدء في عملية التنمية، وهو ما يبرز تساؤلات هامة حول مساهمة روسيا والصين في هذا المسار.
يشير سامر إلى أن انعكاس التقارب وإسهامه في الدفع نحو الاستقرار على المدى القصير، غير متاح بسبب تعقيدات هذه الملفات من جهة، واستمرار تأثير الغرب على المنطقة حتى مع توزان القوى الدولية من جهة أخرى، خلال السنوات المقبلة.
لكنه يشير إلى أن توازن القوى حقق مدى واسع للمناورة لجميع الأطراف، بما يساهم في إيجاد بدائل لحل النزاعات الدولية، أو طرح أفكار جديدة يمكن أن تساهم في إيجاد الحلول وتنفيذها.
الحدث الأبرز
فيما يشير الخبير الاستراتيجي اللبناني وسيم بزي، إلى أن الزيارة هي الحدث العالمي الأهم منذ بدء "الأزمة الأوكرانية".
يوضح بزي في حديثه مع "سبوتنيك"، أن منطقة الشرق الأوسط، هي من أكثر المناطق استقطابا لِنتائج هكذا القمم، استنادا إلى حجم الانخراط والشراكة والمصالح ذات الطبيعة الجيوسياسية، بين الصين وروسيا من جهة ودول المنطقة من جهة أخرى.
تشمل مجالات التعاون بين روسيا والصين من جهة ودول المنطقة من الجهة الأخرى، مجال الطاقة بكل مستوياتها، والتبادلات التجارية، وصفقات التسلح والتعاون في مجال التقنيات العالية وسلاسل التوريد وغيرها.
ووفق بزي فإن الاستثمار في الاستقرار وليس في الحروب هو المسار الأهم، موضحا أن هذا المسار يتناقض تماما مع السياسات الأميركية في المنطقة.
يتفق أيضا حول ما تمثله مبادرة "الحزام والطريق"، والتي تعد ركنا جوهريا في الطموحات المستقبلية الواعدة لدول المنطقة مع الصين وكذلك روسيا، بما يشمل الخطوط البحرية والمرافئ وآلاف الكيلومترات من الطرق.
انعكاس المصالحة الإيرانية السعودية
يستند الخبراء في قراءة المؤشرات المستقبلية إلى ما حققته الصين في ملف الخلاف السعودي الإيراني، والذي يؤسس لمسار الاستقرار في المنطقة، على عكس المسار الغربي الذي لم يحقق للمنطقة أي فوائد من هذه الناحية طوال السنوات الماضية.
يتفق الخبير اللبناني حول أن الاتفاق بين السعودية وإيران شكل إشارة هائلة لواقع التحولات الكبرى على صعيد القيادة العالمية، انطلاقا من "العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا" التي مثلت نقطة البداية، فيما تمثل اندفاعة الصين القوية خارج الحذر التاريخي للقيادة الصينية، نقلة هامة في هذا المسار.
يزور رئيس الصين روسيا من 20 إلى 22 مارس/آذار، بدعوة من الرئيس الروسي. وستكون هذه الزيارة هي أول رحلة له إلى الخارج بعد إعادة انتخابه رئيسا للدولة لولاية ثالثة.