ومؤخرا أدى التقارب بين البرلمان والأعلى للدولة إلى فتح الباب أمام إمكانية عقد الانتخابات نهاية العام الجاري، فيما طرح المبعوث الأممي عبدالله باتيلي، مبادرة لإجراء الانتخابات، رفضها الأعلى والبرلمان، باعتبار أنهما المخولان بالتشريعات والقاعدة الدستورية.
وظل التساؤل الأبرز بعد التقارب السياسي الأخير متمثل في الجانب الأمني، الذي يعد الأهم بشأن تأمين العملية الانتخابية المرتقبة.
وأشارت تقارير إعلامية إلى أن تفاهمات جرت بين رئيس الحكومة الليبية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، والمشير خليفة حفتر، من أجل تأمين الانتخابات.
ورغم عدم استبعاد الخبراء إمكانية التنسيق بين الجانبين في هذا الإطار، فإنهم أشاروا إلى أن التنسيق على المستوى الأمني مستمر بين اللجنة العسكرية، وأن بعض الأطراف السياسية ربما تحاول الاستفادة منه سياسيا.
تباين المواقف السياسية
وفي وقت سابق، جدد رئيس حكومة الوحدة الليبية عبد الحميد الدبيبة، دعمه لجهود المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي لإجراء الانتخابات، مرحبا بمبادرته بشأن تنظيم الاستحقاقات الانتخابية في البلاد.
وناشد الدبيبة، الليبيين بـ "التحلي بالإرادة لإنهاء المراحل الانتقالية عبر انتخابات عادلة ونزيهة"، معتبرا أن "مشكلة الانتخابات هي قصور الجهات التشريعية في إيجاد قوانين قابلة للتنفيذ وعادلة في نفس الوقت".
وفي المقابل، كشف رئيس البرلمان الليبي، عقيلة صالح، أنه "من المحتمل أن يطرح خارطة طريق جديدة في حال تعذر التوافق مع المجلس الأعلى للدولة"، مشددا على أن "مجلس النواب هو السلطة التشريعية الوحيدة في البلاد".
وقال صالح، في لقاء تلفزيوني: "إذا لم يتفق مجلس الدولة مع مجلس النواب، فربما ستكون هناك خارطة طريق سيُعلن عنها في حينها"، مضيفا أن "إرادة الشعب الليبي هي فوق كل شيء وأ، السلطة للشعب الليبي الذي يمتلك أدواته الخاصة للتعبير عن إرادته وهي السلطة التشريعية المنتخبة".
أما رئيس البعثة الأممية في ليبيا عبد الله باتيلي، فقد أكد أن "الانتخابات في ليبيا لا تحتاج إلى إطار دستوري وقانوني فحسب وإنما تتطلب معالجة عدة قضايا لخلق ظروف مواتية لإجرائها".
وقال باتيلي، أمس الأحد، خلال استقباله مجموعة من النساء بينهن مرشحات للانتخابات، وأكاديميات، وأعضاء مجالس بلدية، وناشطات في المجتمع المدني، إن "ليبيا تتمتع بالموارد والإمكانات للتغلب على الأزمة الراهنة، شريطة أن يتحلى الليبيون بالمسؤولية وأن يتخذوا ما تتطلبه المرحلة من إجراءات".
وفي هذا الإطار، يقول المحلل السياسي حسين مفتاح، إن اللقاءات السرية أو العلنية بين الأطراف الليبية ليست جديدة، وأن بعض الصفقات تتم بين الأطراف دون أن يتمكنوا في إبقائها سرية، كونها تخرج للعلن بعد ذلك.
احتمالية التنسيق
ولم يستبعد مفتاح، في حديثه مع "سبوتنيك"، وجود ترتيبات أو تنسيق بين الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، والدبيبة في الغرب الليبي، لافتا إلى أن قوات من المنطقة الغربية تحركت في الفترة التي كلف فيها البرلمان حكومة "باشاغا" وارتبطت بنظرائها في الشرق الليبي، ما يعني وجود التنسيق بين القوات العسكرية.
وأضاف: "الجديد هو انخراط الدبيبة في العملية".
ووفقا للمحلل السياسي الليبي، فإن اللقاءات السابقة بين القيادات من الشرق والغرب يحتمل معها وجود تنسيق حالي "رغم عدم تأكيده"، لكنه يرى أن التنسيق محتمل بين الجانبين.
وبشأن تأمين الانتخابات يوضح أن هذا الجانب ذو بعد سياسي، وأنه يأتي ضمن صفقات سياسية أكثر منها تقاربات أمنية، مستبعدا إمكانية توحيد المؤسسة العسكرية في الوقت الراهن، نظرا للتباين الكبير في البنية الحالية وانتفاء القواسم المشتركة التي يمكن من خلالها توحيد المؤسسة.
ويتطلب توحيد المؤسسة العسكرية من وجهة نظر مفتاح حل إشكالية وجود المرتزقة الأجانب وكذلك المليشيات متعددة الولاءات.
خلاف دولي وتوافق محتمل
ويرى المحلل السياسي الليبي حسين مفتاح أن البيان الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي، في وقت سابق، هو بمثابة بيان إعلامي لتأييد المبادرة، دون الدفع بخطوات أخرى.
ويوضح أن الصراعات الدولية والانقسام حول الملف الليبي قائمة، وأنها تظهر بشكل جلي كلما كانت هناك خطوة جادة وأن الموقف الحالي لا يعبر عن توافقات في الرأي الدولي.
وفي هذا الإطار، يؤكد محمد السلاك، المتحدث السابق باسم المجلس الرئاسي الليبي في حديثه مع "سبوتنيك"، إن التنسيق العسكري قائم بالفعل بين اللجنة العسكرية من الجانبين، لكنه استبعد ربط الأمر بالجوانب السياسية.
ويرى السلاك أن بعض الأطراف تحاول الاستفادة السياسية من التقدم في المسار العسكري، وهو ما جرى العمل به منذ فترات طويلة في مراحل متعددة في ليبيا.
ولفت إلى أن طبيعة التغيرات في المواقف التي تقبلها وتفرضها العمليات السياسية يمكن توقع احتمالات عدة معها، لكنها لم تبرز بشكل واضح حتى الآن، في ظل الأولويات المرتبطة بالقاعدة الدستورية والقوانين الانتخابية.
وكان المبعوث الأممي لليبيا عبد الله باتيلي، أكد أن الأطراف الليبية تتطلع إلى إمكانية وضع خارطة طريق بحلول منتصف يونيو/ حزيران المقبل للوصول إلى إجراء الانتخابات.
وأكد المبعوث الأممي أن ما وصفها بـ "الأجسام السياسية التي انتهت صلاحيتها" هي السبب في حالة عدم الاستقرار التي تعانيها ليبيا.
يذكر أن خطة باتيلي تنص على تشكيل لجنة تسييرية للانتخابات في ليبيا تضم ممثلين عن المؤسسات والشخصيات السياسية والقبائل والمجتمع المدني والمرأة والشباب، وتتولى اعتماد القانون الانتخابي ووضع التدابير اللازمة لتنفيذ الاستحقاق الوطني الذي يترقبه الليبيون.