خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير السياحة والآثار المصري أحمد عيسى أمس الاثنين، أعلن تسهيلات للحصول على تأشيرة دخول سياحية، من المنافذ والمطارات المصرية Visa upon arrival، لعدد من الجنسيات شملت، الصين والهند وإسرائيل وتركيا والعراق والمغرب والجزائر وعدد من الدول الأخرى، في إطار الاستراتيجية الوطنية لتنمية السياحة في مصر.
رغم شمول الاستراتيجية العديد من الجنسيات، لكن التسهيلات للسائحين الإيرانيين، حملت إشارات سياسية، بالتوازي مع التقدم الحاصل بين طهران والرياض، والحديث الدائر في مصر عن ضرورة استئناف العلاقات مع إيران، وكذلك عن وساطة عراقية منذ فترة.
قطع العلاقات بين البلدين
وقطعت إيران العلاقة الدبلوماسية مع مصر عام 1980، بعد عام واحد من الإطاحة بآخر شاه لإيران، محمد رضا بهلوي، الذي استقبله الرئيس المصري محمد أنور السادات عام 1979، وأطلقت فيما بعد بلدية طهران اسم خالد الإسلامبولي المتورط باغتيال الرئيس الراحل أنور السادات على أكبر شوارعها، واستؤنفت العلاقات من جديد بعد 11 عاما لكن على مستوى القائم بالأعمال ومكاتب المصالح.
على مدار الأشهر الماضية وقبل الإعلان عن اتفاق سعودي إيراني برعاية صينية، برزت إشارات عدة بشأن تقارب بين القاهرة وطهران ومحادثات على مستويات مختلفة، وقد أبرزت الخارجية الإيرانية مقابلة جمعت وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على هامش قمة "بغداد – 2" التي استضافها الأردن نهاية 2022، ووصفتها حينها بـ "الإيجابية والقصيرة"، فيما التزمت القاهرة الصمت تجاه الأمر.
موقف مصر من التقارب مع طهران
التصريحات التي كانت تدلي بها مصادر مصرية "غير معلنة"، طيلة الفترة الماضية، كانت تؤكد "أن تطوير مصر لعلاقتها مع إيران يوازن بين رؤيتها لعلاقاتها الإقليمية ومصالحها الوطنية، والالتزام بأمن دول الخليج".
وفق المصادر التي تحدثت إليها "سبوتنيك" في هذا التقرير، فإن إعادة العلاقات بين القاهرة وطهران أصبح ممكنا في الوقت الراهن، استنادا إلى الانفتاح العربي والسعي لاستقرار المنطقة بشكل أكبر.
في البداية يقول وزير الخارجية المصري السابق نبيل فهمي، إن الانفتاح بين القاهرة وطهران متوقع بعد الانفتاح بين إيران والخليج، وكذلك على سوريا، لكنه سيحدث تدريجيا دون تسرع.
يضيف فهمي في حديثه مع "سبوتنيك"، " أرحب بالاتفاق بين السعودية وإيران على المستوى الشخصي، لكني أعلم أيضا كم القضايا الهامة بين الطرفين، وهو ما يجعلنا نرحب بالاتفاق دون استعجال الوصول إلى حجم النتائج دون التدرج مرحليا".
يوضح الوزير السابق أن التأني في استئناف العلاقات، مرتبط بعدم توافر الثقة الكافية بين الجانبين، اتصالا بقضايا ثنائية وأخرى إقليمية بين إيران والمشرق بأكمله.
لقاءات سابقة على مستوى وزراء الخارجية
وكشف الوزير المصري عن محادثات دارت بينه حين كان وزيرا لخارجية مصر 2013-2014، وبين وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، قائلا:" التقيت مع وزير الخارجية الإيراني حينها وطلب "غلق الصفحة"، والنظر للأمام في العلاقات بين البلدين، ورددت عليه حينها بأن إغلاق الصفحة وكأنه لم يحدث أي شيء، ليست سياسة.. واقترحت المصارحة بكل شفافية في كل القضايا والنظر للأمام، والاجتهاد في ألا تتكرر مرة أخرى".
ولفت فهمي إلى أن الظروف لم تكن مواتية لعقد حوارات وطنية، خاصة أن إيران كانت تركز على الاتفاق النووي "5+1" إضافة للتوترات مع الخليج، فيما كانت مصر في السعي لإرساء الاستقرار الداخلي والإقليمي. منوها إلى أنه تحدث مع وزير الخارجية السعودي الراحل، سعود الفيصل، واقترح عليه الحوار مع إيران، لكنه كان قلقا بعض الشيء.
ووفق فهمي فإنه اقترح على وزير خارجية إيران حينها، تنشيط الالتزام بالاتفاق الأمني السعودي الإيراني، (الذي أعلن عن تجديده خلال الاتفاق الأخير برعاية الصين).
وبحسب فهمي بدأت لقاءات بين السعودية وإيران من أكتوبر/ تشرين الأول 2013، حتى فبراير/شباط 2014، لكنها توقفت نتيجة ما وقع في اليمن.
قضايا ثنائية بين القاهرة وإيران
بشأن القضايا الثنائية يوضح فهمي أنها مرتبطة بجوانب أمنية في المقام الأول، وأن إيران أوقفت معظمها، خلال الفترة الماضية.
حول تأثير التحولات الجديدة على مستوى العالم على مسار الاستقرار في المنطقة، يوضح فهمي أن توقف الحرب الباردة منذ الثمانينيات مرورا بالقطب الأوحد الغربي وتعدد الأقطاب، ومشارف الحرب الباردة الجديدة بين الغرب والصين، جعل المعادلة الشرق أوسطية تختلف، بما يعني ضرورة تعامل الدول الإقليمية مع بعضها البعض على أسس سوية وقانونية وشرعية، خاصة في ظل الحاجة للاعتماد على الذات أكثر من الغير.
انعكاسات اقتصادية
وختم الوزير المصري حديثه بأن العلاقات بين القاهرة وطهران من الناحية الاقتصادية يجب النظر إليها بنظرة أشمل، وعدم توقع نتائج اقتصادية سريعة. منوها إلى أن العلاقات بين الدول على المدى الطويل يساهم فيها الاستقرار على جذب الاستثمار ورؤوس الأموال والسياحة. متوقعا أن أعداد السياح القادمين من إيران لن تكون مؤثرة في موازين السياحة في الفترة القليلة المقبلة.
وجهة نظر إيرانية
في المقابل يقول الدبلوماسي الإيراني السابق، سيد هادي سيد أفقهي، إن البلدين حتى الآن لم يقررا ارتقاء العلاقات الدبلوماسية إلى مستويات عليا.
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن مصر كلفت القائم بالأعمال المصري في طهران بمهام السفير في وقت سابق كي تكتمل المشاورات. موضحا أن التحفظ هو من الجانب المصري، وأن إيران أبدت استعدادها لإعادة العلاقات مع القاهرة بشكل كامل مع مصر منذ رحيل الرئيس السابق محمد حسني مبارك في 2011.
فيما يرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، أن استئناف العلاقات بين مصر وإيران وارد خلال الفترة المقبلة. متوقعا أن تتزامن الخطوة مع عودة العلاقات بين طهران والرياض أو بعدها، خاصة في ظل عدم إعلان أي تحركات رسمية حتى الآن.
انفراج نسبي بين القاهرة وطهران
وفق حديث الدبلوماسي المصري السابق لـ"سبوتنيك"، فإن الملف بين القاهرة وطهران شهد نوعا من الانفراج النسبي، تمثل في تسهيلات منح تأشيرات السياحة قبل فترة، بالإضافة إلى وجود الاستثمارات الإيرانية في مصر منذ فترة طويلة.
بشأن استئناف العلاقات بين البلدين، يوضح الدبلوماسي المصري أن ما يتم تداوله ونقاشه الآن يعزز أهمية عودة العلاقات، اتصال بالتهدئة مع الخليج. لافتا إلى أن إعادة العلاقات بين القاهرة وطهران قد يتزامن مع توقيت الخطوة السعودية الإيرانية، بحيث تكون "انفراجة عربية" مع إيران، على الرغم من عدم صدور أي تصريحات رسمية بهذا الشأن.
ويرى الدبلوماسي المصري إن الخلافات بين إيران ومصر ليست كبيرة، في حين الأزمة كانت مرتبطة بالتدخل الإيراني في بعض دول الخليج وحالة التوتر القائمة منذ فترة.
ويوضح الدبلوماسي المصري أن الخلافات التي ترتبت على استضافة مصر للشاه محمد رضا بهلوى في 1979، خففت على مدار السنوات الماضية، ولم تعد هناك خلافات كبرى بين البلدين.
رسائل مباشرة
في أعقاب الاتفاق السعودي الإيراني، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، الذي كان مسؤولاً عن مكتب رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة قبل تولي منصبه الحالي، ناصر كنعاني، إن "مصر دولة مهمة في المنطقة، وكلا البلدين يعتقد بأهمية الآخر، والمنطقة في حاجة إلى دورهما"، الأمر الذي أعاد طرح الدعوة لاستئناف العلاقات بين البلدين.
وفي ديسمبر /كانون الأول 2022، رحب وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبد اللهيان بمقترح من رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يهدف إلى "إطلاق حوار بين القاهرة وطهران"
كما تكرر الأمر في فبراير/ شباط، حين أكد عبد اللهيان ذاته أن "علاقات إيران مع الأردن ومصر ستشهد تطوراً في الفترة المقبلة".
في الأخير تشير الآراء إلى أن العلاقات بين البلدين يجرى العمل على إعادتها مرة أخرى، في ظل رغبة إيرانية ومواقف مصرية متأنية بعض الشيء، على الرغم من التواصل الذي جرى على مدار الفترة الماضية.