نتنياهو الذي أعلن تأجيل التصويت داخل الكنيست على التعديلات، أكد أنه لن يتنازل عنها أبدا، بيد أنه حصل على موافقة أغلبية زملائه في الحكومة لمنع الحرب الأهلية عبر الحوار، وأن الحكومة ستعطي فرصة لتمرير التعديلات القضائية عبر إجماع واسع.
مع زيادة الهوة بين معسكر اليمين واليسار في إسرائيل، وانضمام قيادات في الجيش والقضاء ورموز بارزة للاحتجاجات، بدا واضحًا أن الأزمة أوسع وأشمل من تلك المتعلقة بتشريعات القضاء، ما يطرح تساؤلات بشأن إمكانية انهيار الائتلاف الحكومي والعودة لصناديق الاقتراع مرة أخرى.
الإطاحة بالحكومة
اعتبر مازن غنايم، العضو العربي السابق في الكنيست الإسرائيلي، أن "كل إنسان يساري وعربي ومحب للسلام يتمنى تفكيك حكومة بنيامين نتنياهو، باعتبارها الأكثر يمينية وعنصرية وفاشية، تلك الحكومة التي يصدر القرارات بداخلها بشكل عملي بن غفير المجرم والفاشي، وسموتريتش الذي لا يعترف من الأساس بوجود شعب فلسطيني."
وأضاف في تصريحات لـ "سبوتنيك"، أن تشكيلة الحكومة الإسرائيلية تجمعها العنصرية وكراهية العالم العربي بشكل عام، والفلسطينيين خاصة، لكنها تصطدم اليوم بتحرك كبير لم يعهده الشارع الإسرائيلي من قبل لتغيير هذه الحكومة، بعد أن وصل الوضع إلى الاعتداء على محكمة العدل العليا، والقضاء والمستشار القضائي للحكومة، ما دفع لهذه الهبة الشعبية، التي تضم مئات الآلاف من المتظاهرين الذين خرجوا للشوارع وأغلقوا الطرق المركزية."
وأكد أن تجميد رئيس الوزراء للتعديلات القضائية هي بشكل مؤقت، وقد يعود بعد شهرين أو ثلاثة لتجديد هذه القوانين، ما يمثل خطورة كبيرة وقائمة على هذه الحكومة، التي يتمنى الجميع أن تكون أيامها قليلة وترحل بلا رجعة، معتبرًا أن الزخم الشعبي الذي دفع نتنياهو للتراجع غير مسبوق، وشارك فيه جميع الأطياف، بما فيه أولئك الذين صوتوا لصالح حزب الليكود، حيث يرددون الآن شعارات بأن هذه الحكومة تمثل خطرًا على وجود إسرائيل.
ويرى أن نتنياهو يشعر بالخطر على حكومته، بعد انضمام ضباط الجيش وقيادات بارزة في إسرائيل لأول مرة في هذه التظاهرات، وهي سابقة في تاريخ الحكومات الإسرائيلية، فنزول الجيش إلى الشارع ضد حكومة يجعل أيامها معدودة، لذلك اضطر نتنياهو للتراجع ولو بشكل مؤقت.
انهيار ممكن
بدوره قال الدكتور أحمد فؤاد أنور، الأكاديمي المصري والخبير في الشؤون الإسرائيلية، إن نتنياهو وقع في مأزق كبير، ولم يتراجع من قبيل الحكمة أو بسبب الصالح العام، بل من أجل مصلحته الشخصية ولتفويت الفرصة على الاحتجاجات التي احتشدت في معسكر "لا لنتنياهو"، والذي ضم فئات كثيرة، خاصة بعد الإضراب الموجع الذي شمل وزارة الخارجية، والكهرباء، وميناء حيفا، ومطار بن غوريون، حيث اضطر للتراجع بعد تنامي الاحتجاجات، وأعلن تجميد ما يطلق عليه "بخطة الإصلاح القضائي"، وما يصفه المعارضون بـ "الانقلاب على القضاء".
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، يحاول نتنياهو من هذه الخطوة كسب الوقت، خاصة أن لديه آلية لطرح ما يريده داخل الكنيست في أي وقت، لذلك الاحتجاجات ستظل مستمرة في الشوارع، على الأقل كل سبت، وهناك بالفعل محادثات بين المعسكرين اليسار ويسار الوسط من طرف، والائتلاف الحكومي الحاكم من طرف آخر حول الصيغة النهائية لهذه التعديلات.
لكن هذه الأمور الخلافية – والكلام لا يزال على لسان أنور- أوسع وأشمل من تلك المتعلقة بقوانين القضاء، خاصة الخلافات حول فرض الشريعة على الجميع، وطبيعة أن تكون الدولة لكل المواطنين، أم يقودها المستوطنون فقط وهم أقلية، كل الخيارات والسيناريوهات مفتوحة، لا سيما وأن الائتلاف الحكومي هش؛ البعض يطالب بمواقف أكثر تطرفًا ويزايد على نتنياهو نفسه، والبعض يطالب انسحاب بعض العناصر من الائتلاف الحكومي ويدعمونه من الخارج في التصويت، وأكثر من عضو داخل الكنيست تمر على السياسة التصويتية والالتزام الحزبي، وصاروا يعترضون على دعم التعديلات التشريعية في الكنيست.
ويعتقد الخبير في الشؤون الإسرائيلية بأن الائتلاف الحكومي في إسرائيل، بات هشًا للغاية، ومن المحتمل أن ينفجر في أي وقت، وكذلك الأمر بالنسبة للشارع وعملية التفاوض بين اليسار ونتنياهو.
وأكد أن كل السيناريوهات قائمة، والخلافات أعمق من أن يتم تحاوزها عبر قرار التجميد، لا سيما وأن نتنياهو يواجه عدة اتهامات تحتاج إلى الرد عليها خلال أيام، وهي تتعلق بإهانة القضاء والتدخل في عمله، والسعي لتقليص صلاحيات المحاكم وهو ما يتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات.
وشهدت إسرائيل، خلال الأسابيع الماضية، احتجاجات واسعة رفضا للمشروع الحكومي لإصلاح القضاء، وتظاهر الآلاف من الإسرائيليين في الشوارع مطالبين بسحب المشروع ووقف "الاعتداء على السلطة القضائية".
وتصاعدت حدة الاحتجاجات، الأحد الماضي، عقب قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إقالة وزير الدفاع يوآف غالانت، الذي سبق وأعلن رفضه لمشروع "إصلاح القضاء"، مؤكدا أن "أمن الدولة معرض للخطر بسبب انتشار المعارضة في الجيش".
وأعلن جنود نظاميون بالجيش الإسرائيلي لأول مرة رفضهم خطة إصلاح القضاء، وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، السبت الماضي: "ليس فقط جنود الاحتياط، وصل الاحتجاج على الانقلاب القضائي إلى الخدمة النظامية".
وأعلن نتنياهو، أمس الاثنين أنه حصل على موافقة أغلبية زملائه في الحكومة لمنع الحرب الأهلية عبر الحوار، وأضاف في كلمة له أن الحكومة ستعطي فرصة لتمرير التعديلات القضائية عبر إجماع واسع.
وذكرت هيئة البث أن نتنياهو حصل من شريكه في الائتلاف الحاكم، وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، على الضوء الأخضر لتأجيل إقرار التشريعات القضائية حتى دورة الكنيست المقبلة.