الغزو الأمريكي للعراق عام 2003

شهادات لـ"سبوتنيك": الأمريكان استخدموا أبشع أسلحة الدمار الشامل للدخول إلى بغداد

ما إن جاء التاسع من أبريل/نيسان، حتى تداعت الذكريات المؤلمة والقاسية على العراقيين والعرب، عندما دخلت القوات الأمريكية الغازية إلى العاصمة بغداد بعد مجازر وجرائم ضد الإنسانية لا يمكن نسيانها.
Sputnik
في السطور التالية نسوق لكم شهادات ممن كانوا في قلب الحدث بل وفاعلين في المشهد في ذلك الوقت، يروون لـ"سبوتنيك" أخطر ما كان يدور في الكواليس وخطط التأمين العراقي للعاصمة والإصرار الأمريكي على الدخول بصورة سريعة وبأي ثمن، واستخدامهم لكل الأسلحة المحرمة.
الغزو الأمريكي للعراق عام 2003
وزير خارجية مصر الأسبق: الغزو الأمريكي للعراق خلق خللا بالتوازن الإقليمي في المنطقة
بداية يسترجع اللواء سالم الجميلي، الضابط في جهاز المخابرات العراقي حتى العام 2003، الذكريات المؤلمة ليوم التاسع من أبريل، قائلا:

لم يكن احتلال بغداد مفاجئا لنا، لكن المفاجأة كانت في سرعة انهيار قوات الحرس الجمهوري المحيطة ببغداد ووصول القوات الأمريكية إلى مطار بغداد الدولي وفرض طوق عسكري على العاصمة من ثلاث جهات.

أخطر الشهادات
ويتابع الجميلي روايته لـ"سبوتنيك"، أنه "عندما كنا على اطلاع بالاتصالات السرية بين العراق والهيئة السياسية في وزارة الدفاع الأمريكية قلنا للوسطاء أن العراق لا يمكن أن يحقق نصرا عسكريا على القوة الأمريكية الساحقة لكننا سندافع عن أنفسنا ما استطعنا إلى ذلك".
وقال الجميلي: "لم تكن القيادة العليا المتمثلة بالرئيس صدام حسين تتوقع انهيار الحرس الجمهوري وسقوط النظام في بغداد، لذلك لم تضع القيادة في حساباتها أية خطط لما بعد انهيار النظام ولم يضع جهاز المخابرات أية خطط حتى على صعيد التصرف بأرشيف المخابرات".
الغزو الأمريكي للعراق عام 2003
عن أي تحرير يتكلمون؟... عراقيون يتذكرون "المعاناة التي لا توصف" من الغزو الأمريكي لبلدهم
واستطرد اللواء الجميلي بأن "المهام الموكلة للحرس الجمهوري هي الدفاع عن بغداد وكانت القيادة تتوقع أن يصمد الحرس الجمهوري في الدفاع عن المدينة لفترة لا تقل عن ثلاث أشهر وستتكبد القوات الغازية خسائر بشرية، وخلال هذه الفترة تجري تسوية سياسية وما يعزز هذا الاعتقاد هو أن الرئيس قال في أحد الاجتماعات، إذا هاجمونا الأميركان فإننا لن نتبخر وهذا يفسر طبيعة تفكير القيادة حول مخرجات الحرب".
ويكمل الجميلي شهادته: "عندما وصلت طلائع القوات الغازية إلى مشارف مدينة كربلاء تغيرت الخطط العسكرية للحرس الجمهوري من مهام دفاعية إلى مهام هجومية فتحركت ثلاث فرق عسكرية مدرعة من مواقعها في محيط بغداد بمحورين، الأول باتجاه كربلاء والثاني على محور مدينة الحلة ثم النجف في محاولة لمهاجمة الرتل الأمريكي غرب نهر الفرات".
وأشار اللواء سالم الجميلي، الضابط في جهاز المخابرات العراقي، إلى أن دبابات الحرس الجمهوري كانت محمولة على ظهر الناقلات من دون غطاء جوي، فتمكنت القوة الجوية الأمريكية من إبادتها تماما وعلى إثر ذلك حصلت الثغرة في جنوب غرب بغداد من منطقة جرف الصخر ووصلت الدبابات الأمريكية صباح يوم 4 نيسان إلى ساحة اليرموك في قلب بغداد ومن ثم توجهت إلى مطار بغداد الدولي وتمركزت وعززت قوات الإنزال الجوي في المطار.
جرائم أمريكية
وبنبرة ألم، يقول المسؤول الاستخباري:

لقد شاهدت بنفسي كيف أن دبابة أمريكية مرت من فوق سيارة مدنية بيك آب تويوتا وتركتها حطام بمن فيها قرب مستشفى اليرموك، وعندما أحاطت قوات من الحرس الخاص وفدائيي صدام ومقاتلين من عمليات جهاز المخابرات بمطار بغداد الدولي استخدم الأميركان طائرات بي 52 ودٌفن المقاتلون في خنادقهم، كما تم قصف مساحات واسعة من الأرض القريبة من المطار بقنابل خاصة أحرقت الأرض والمقاتلين على السواء.

الغزو الأمريكي للعراق عام 2003
يختان لصدام حسين شاهدان على ما حدث في العراق بعد الغزو الأمريكي... صور
وأوضح الجميلي، أنه كان لدى القيادة الأمريكية تصميم لاحتلال بغداد بأسرع وقت حتى لو أبيد جميع سكانها، لذلك عندما حوصرت القوات الأمريكية في المطار في المراحل الأولى للهجوم على بغداد استخدمت القوات الأمريكية القوة الساحقة وقصفت أهدافا لا تحصى، منها قصف مسكن في المنصور قيل إنه كان مقرا بديلا للرئيس لكن القذيفة انحرفت بضع أمتار وسقطت على مسكن وجدت أشلاء ساكنيه متناثرة على سطوح المنازل القريبة لموقع الهجوم.
ولفت المسؤول المخابراتي العراقي إلى أن قوات التحالف الغازية البربرية مارست كل الانتهاكات بكل معانيها ومآسيها على الشعب العراقي وحولت البلاد إلى حطام، وأصبح العراق خارج التصنيف العالمي وبات مرتعا للإرهاب وتجارة المخدرات والجريمة والفساد.
لم يكن مفاجأة
بدورها تقول آلاء العزاوي، مديرة مركز بابل للدراسات المستقبلية في العراق، إنه "إلى الآن وبعد مرور 20 عاما على الحدث، لازال لساني لا يطاوعني ولا أجرأ على نطق كلمة السقوط، لكن من وجهة نظر مهنية لم يكن الأمر مفاجئا مطلقًا، فقد كانت المعركة غير متكافئة من حيث العدة والعدد".
وتابعت حديثها لـ"سبوتنيك"، أنه "بعد 13 عام من الحصار الظالم الذي فرضته الولايات المتحدة وحلفاؤها والذي حرم العراق من مواكبة التطورات العلمية والتكنولوجية التي شهدها عقد التسعينات وخاصة في مجال الاتصالات، أثر ذلك سلبا على قطاع الجيش مثلما أثر على بقية القطاعات، في تلك الفترة اعتمد العراقيون على ما تنتجه أيديهم رغم قلة المصادر والموارد".
وعرجت العزاوي على قصة حدثت معها عندما كانت عضوة في فريق بحثي لتطوير منظومات الشبكات والاتصالات، ولم تكن لديها مصادر حديثة تستند إليها وقد أرسلت لشراء مصدر مهم من الأردن وقامت بتحويل قيمة ذلك المصدر عن طريق البنك العربي، آنذاك، وما إن طلب منها ذكر اسم الجامعة حتى أجابه بالرفض ويعاد المبلغ مع رسالة "نأسف لعدم إمكانية البيع لأنكم تحت العقوبات".
الغزو الأمريكي للعراق عام 2003
الفظائع العسكرية الأمريكية في سجن أبو غريب العراقي
جريمة كبرى
وأشارت العزاوي إلى أن "هذه جريمة كبرى بحق شعب يطمح أن يكون جزء من الحضارة الإنسانية، وعلى الرغم من شح المصادر الحديثة كان الإبداع العراقي في تطوير وسائل حماية شعبه ودولته تجري على قدم وساق لكن لا يمكننا أن ننكر أن الفارق في التسليح سببا رئيسيا، كما أن القوات الغازية فرضت مناطق حظر طيران والجميع يذكر خط 32 وخط 36 تزامنا مع الحصار، وهذا أدى إلى حرمان الجيش من استخدام القوة الجوية في الدفاع عن أراضي العراق، مما خلق خللا كبيرا في توازن القوى".
وأكدت مديرة مركز بابل العراقي أنه "لا يمكننا إهمال الحالة المعنوية للجيش والشعب بعد الإبادة التي تعرضوا لها نتيجة استخدام الأسلحة المحرمة دوليا، حيث أن عملية الاحتلال مخطط لها في أروقة الإمبريالية، ولم تكن شرعية ولم تحصل على تفويض أممي، بل إنها عملية قرصنة قادتها عصابة تتزعمها الولايات المتحدة وجندت لها اتباعها لأجل إخراج العراق من معادلة الدفاع عن العرب، و في مقدمتها القضية المركزية ( القضية الفلسطينية)".
وحول الجرائم الأمريكية بعد الاحتلال تقول العزاوي، إنه "لا يخفى على أحد ما اقترفته أميركا وبريطانيا ومن خلفهم الكيان المسخ بحق شعب وطن وحضارة، فهو يوم كسر فيه القلب وسلبت به الروح وكسر ظهر العرب، ولا مناص من عودته ليعود كل شيء إلى مكانه، فبعد 9 أبريل/نيسان الأسود لم يعد هناك شيء كما كان".
يوم أسود
وفي شهادته على تلك المرحلة المؤلمة من تاريخ العراق والأمة العربية والتي لا تزال تداعياتها ماثلة على الأرض، يقول خالد النعيمي، الكاتب والباحث العراقي في الشأن السياسي والأمني، إن التاسع من أبريل 2003 يوم أسود في تاريخ العراقيين والعرب، حيث ارتكبت أبشع جريمة همجية في العصر الحديث، عندما أقدمت أمريكا وبريطانيا على غزو واحتلال العراق وإسقاط نظامه الوطني الشرعي وتدمير مؤسسات الدولة ومنشآتها الصناعية والخدمية من طرق وجسور ومحطات الماء والكهرباء والاتصالات والوقود.
الغزو الأمريكي للعراق عام 2003
11 مهندسا لحرب العراق... ما هو مصيرهم بعد 20 عاما
ويضيف في روايته لـ"سبوتنيك": "لقد غابت شمس بغداد وانطفأت عيون العراقيين وداست دبابات الغزاة الأمريكان كرامة الأمة وشرفها ليصبح العراق أسيرا مكبلا انتهكت فيه كل المحرمات، إن ماقيل عن وجود خيانات أدت إلى الانهيار السريع للقوات العراقية أمام القوات الأمريكية والبريطانية ومن تعاون معهما في تقدمها تجاه العاصمة بغداد لم يكن صحيحا على الإطلاق، ويدخل ضمن الحرب النفسية التي شنتها وسائل الإعلام المرتبطة بقوات الغزو، بهدف إضعاف وتشتيت الجبهة الداخلية في صفوف العراقيين".
الصدمة والترويع
وأشار النعيمي إلى أن "فارق القوة والامكانيات العسكرية للمعتدين الأمريكان والبريطانيين وتفوقها المطلق قياسا مع إمكانيات وقدرات الجيش العراقي المنهكه نتيجة 12 عاما من العقوبات والحصار المفروض عليه منذ العام 1990 بعد غزو الكويت، واستمرار الاعتداءات الأمريكية عليه طوال السنوات المنصرمة قبل الاحتلال حالت دون قدرة العراقيين على بناء دفاعات جوية مؤثرة وكذلك تعويض سلاح الدروع والمدفعية المتهالكة".
وأضاف النعيمي: "كان التفوق الجوي لطيران العدو سببا رئيسيا في عدم قدرة الجيش العراقي على التحكم والسيطرة على حركة القطاعات وانقطاع الاتصالات بشكل كامل، ومنذ الأيام الأولى لبدء العدوان فسح المجال للقوات الأمريكية للوصول إلى العاصمة بغداد، حيث أن كثافة النيران وحجم القنابل والصواريخ التي أنهالت على الأراضي العراقية من كل حدب وصوب، من البحار والمحيطات ودول الجوار في عملية عسكرية أطلقوا عليها اسم (الصدمة والترويع) كانت كفيلة بتحقيق أهداف العدو بأقل التكاليف".
اتفاقية الإطار
وأكد النعيمي أن النتائج الكارثية لهذا الغزو لم تقف عند حدود العراق لقد انهارت منظومة التوازن والأمن الإقليمي في هذه المنطقة الحساسة من العالم، لأن المشروع الأمريكي الذي بشرت به كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة وقبلها مسؤولة الأمن القومي في إدارة بوش الصغير، وهو (مشروع الشرق الأوسط الجديد) الهادف إلى إخضاع منطقة الشرق الأوسط ومواردها تحت هيمنة أمريكا وإسرائيل.
الغزو الأمريكي للعراق عام 2003
أكاذيب اعتمدت عليها الولايات المتحدة في غزوها لدول العالم
ولفت إلى فشل هذا المشروع بسبب ظهور مقاومة وطنية عراقية كبدت الغزاة خسائر فادحة بالأرواح والموارد وأجبرتها على الانسحاب المباشر من العراق في العام 2011 بعد أن وقعت اتفاقية إذعان مع العملاء الذين جاءت بهم لحكم العراق، اسموها (اتفاقية الإطار) سمحت للأمريكان التحكم بمستقبل العراق إلى هذا اليوم.
علوج الأمريكان
وفي شهادته على ما حدث، يقول دبلوماسي عراقي (فضل عدم الكشف عن هويته)، إنه "لم يكن يدور بخلد سلطان أحمد وزير الدفاع الأسبق أثناء الغزو أن يساء فهم تصريحه أثناء المؤتمر الصحفي الذي عقده سويا مع وزير الإعلام محمد سعيد الصحاف لإطلاع الصحافة بمجريات العمليات العسكرية، حينما رد على سؤال لأحد الصحفيين عن المدة التي يستغرقها تقدم القوات الأمريكية الغازية إذا استمرت على نفس سرعتها، ولأنه عسكري مهني وليس سياسي أو دبلوماسي فقد أجاب بطريقة فنية بحتة بأنها ستصل بغداد خلال أسبوع (كذا)، مما دعا وزير الاعلام الصحاف إلى التدخل لتفسير ما قيل وللحديث عن استعداد القوات العراقية للتصدي للغزاة (العلوج) ومقاومة أبناء الشعب لهم".
وتابع سرد وقائع تلك اللحظات القاسية لـ"سبوتنيك"، أن "الأمر في الحقيقة قد خرج عن السيطرة ما أدى إلى زعزعة معنويات قسم كبير من أفراد القوات المسلحة والبسطاء من الشعب العراقي عن غير قصد نظرا لضخامة حجم القوات العسكرية الأمريكية والبريطانية الغازية، التي بدأت تدك بعنف عشرات المواقع المدنية والعسكرية ليس في بغداد فحسب بل في جميع أنحاء العراق، فدمرت الزرع ولم تسلم منها المدارس والملاجئ والمستشفيات ومحطات الكهرباء ومراكز تحلية المياه ومحطات ضخ المياه الثقيلة، ناهيك عن استخدام آلاف الأطنان من اليورانيوم المنضب، باعتراف مسؤولين أمريكان، على المدن الآمنة وأدت إلى مقتل عشرات الألوف من النساء والأطفال والشيوخ".
وحشية الغزاة
ويقول الدبلوماسي العراقي إنه "من الأمثلة البارزة على وحشية الغزاة الأمريكان، قصف ملجأ العامرية وقتل كل من فيه من النساء والأطفال حرقا وكذلك استخدام قنابل اليورانيوم المنضب لتركيع أهالي الفلوجة الأبطال الذين لقنوا المرتزقة الأمريكان درسا لن ينسوه حتى أنهم أطلقوا اسم الفلوجة على أحد حاملات الطائرات الجديدة تعبيرا عن بسالة أبناء تلك المدينة المناضلة وهو أمر لم يحدث في التاريخ".
الغزو الأمريكي للعراق عام 2003
مسؤول عراقي سابق لـ"سبوتنيك": أمريكا اتخذت قرار تدمير العراق قبل سنوات من الاحتلال
وأضاف: "إن بداية الحرب على العراق كانت بفرض ذلك الحصار الظالم الذي راح ضحيته مليون ونصف من الأطفال والنساء والشيوخ لنقص الأدوية وسوء التغذية والمعاناة من استخدام اليورانيوم المنضب الذي تسبب بانتشار واسع بأمراض السرطان التي أصابت النساء الحوامل والرضع وزيادة أعداد المشوهين خلقيا وغير ذلك، ونذكر هنا بتصريح وزيرة الخارجية الأميركية الشمطاء مادلين البرايت عندما قالت بأن قتل تلك الأعداد من العراقيين مبرر".
وأنهى شهادته بالقول: "لقد بدأت في الآونة الأخيرة تظهر تصريحات مسؤولين كبار عسكريين وعاملين في المخابرات الأمريكية وغيرها تعترف بارتكاب تلك الجرائم الوحشية، كما ظهرت للعلن وثائق تدين المجرم جورج بوش الصغير والمجرم الأصغر توني بلير، مما يلزم إحالتهم إلى المحاكم الدولية لينالوا العقاب العادل جراء ما اقترفوه من أعمال إجرامية وحشية غير قانونية وغير شرعية ضد شعب آمن مستقل تمتد جذور حضارته إلى أكثر من سبعة آلاف سنة وقدم للبشرية خلاصة الإنجازات الإنسانية والابتكارات العلمية التي ما زالت تدرس في جامعات العالم المتقدم".
مناقشة