وأطلقت الهيئة العليا لشؤون العشائر مبادرة لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، ودعت حركتي "فتح" و"حماس" للتجاوب الإيجابي معها، حيث ترتكز على مبدأ تنفيذ الاتفاقيات الموقعة وليس فتح الباب مرة أخرى للتفاوض، مع تركيز الجهود لتجاوز الآثار السلبية المتراكمة وصب كل الجهود لمواجهة التحديات الراهنة، لا سيما في ظل الاعتداءات المتكررة لحكومة نتنياهو.
وطرح البعض تساؤلات بشأن المبادرة والجديد الذي تقدمه في ظل فشل المساعي المصرية والجزائرية الأخيرة في احتواء هذا الملف، وسط اتساع هوة الخلافات ما بين "فتح" و"حماس"، لا سيما فيما يتعلق بالانتخابات.
تحرك مطلوب
اعتبر الدكتور أسامة شعث، أستاذ العلوم السياسية والمستشار الفلسطيني في العلاقات الدولية، أن مبادرة العشائر للمصالحة ما بين حركتي "فتح" و"حماس" جيدة، ومحمودة، لكنها بحاجة إلى تحرك باتجاه الأطراف المعنية، إذ لا يجب الاكتفاء بالإعلان عنها، وإنما التواصل مع كافة الأطراف الوطنية، والاستماع إلى أسباب استمرار الانقسام، والتحديات التي تعطل تنفيذ المصالحة.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، الانقسام الفلسطيني بات عبئًا ثقيلًا على الشعب والقضية الفلسطينية، ويعيق بدوره المشروع الوطني، بيد أن المشكلة الآن ليست في كيفية تحقيق المصالحة، وإنما تتلخص المشكلة في عدم وجود إرادة لدى أطراف الانقسام، وخاصة حركة "حماس".
وأكد شعث أن الانقسام صنيعة إقليمية ودولية يتم تنفيذها بأيادي فلسطينية، وهذا يعني أنه لن تتحقق هذه المصالحة، لطالما لا يزال البعض مرتهنا بإرادة القوى الدولية والخارجية.
وطالب شعث العشائر الفلسطينية القائدة لهذه المبادرة بالتواصل بأطراف الانقسام المعنية بهذه الخطوة، والتحرك ميدانيًا من أجل حشد كافة الفعاليات الوطنية والشعبية لتنفيذ المصالحة، وألا تتوقف عند مجرد الإعلان عنها، والإشادة بها.
وأشار إلى أن الحراك والمصالحات الإقليمية والعربية، والتطورات الجديدة التي تشهدها المنطقة برمتها، تدفع إلى ضرورة عقد مصالحة فلسطينية، عبر استثمار هذه الظروف والتطورات لفتح آفاق جديدة لتنفيذ خطوة عملية تحقق المصالحة والاتفاقيات السابقة بشأنها، وتنهي الانقسام الفلسطيني لتعم الوحدة الوطنية.
استراتيجية موحدة
بدوره، اعتبر الدكتور حسام الدجني، الأكاديمي والمحلل السياسي الفلسطيني، أن أي مبادرة تصب في صالح إنهاء الانقسام القائم بين الفصائل الفلسطينية المختلفة، وتجاوز هذه المعضلة في ظل التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية، مرحب بها.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، مع وصول بنيامين نتنياهو وغلاة اليمين المتطرف إيتمار بن غفير و بتسلئيل سموتريتش وأرييه درعي إلى سدة الحكم في دولة الاحتلال الإسرائيلي، بات هناك حاجة إلى أن يفكر الفلسطينيون بشكل كبير من أجل تجاوز مرحلة الانقسام وتوحيد الصفوف.
وأكد أن المصالحة مطلوبة في الوقت الراهن على قاعدة بناء استراتيجية وطنية موحدة تكون قادرة على مواجهة التحديات الصعبة التي تواجه القضية الفلسطينية، والانطلاق بالمشروع الوطني نحو الخلاص والانعتاق من الاحتلال الإسرائيلي.
مصالح شخصية
في السياق، ثمن مصطفى الصواف، المحلل السياسي الفلسطيني المقيم في قطاع غزة، مبادرة المصالحة التي تقدمت بها العشائر الفلسطينية، ومدى حرصها على الوحدة الوطنية، باعتبارها من أبناء الوطن الفلسطينيين الذين يعانون من الانقسام، وهي تعبر بشكل حقيقي عن حرص المواطن على وحدة الصف الفلسطيني.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، يأمل الجميع أن تجد هذه المساعي الطيبة استجابة ممن يقف عقبة أمام تحقيق وحدة المصالحة الحقيقية، لكنه استبعد أن تجد هذه الدعوة استجابة لدى فريق الرئيس محمود عباس، والذي يريد مصالحة ووحدة وفق رؤيته ورؤية أوسلو، على حد قوله.
وتابع الصواف: "سواء المبادرة العشائرية أو الجزائرية كلها تصب في مصلحة فلسطين، لكن عباس وفريقه لا يزالون متمسكون بأوسلو ومصالحهم الشخصية، التي تتناقض مع مصلحة الشعب ومشروعه الوطني في إقامة دولته على كامل ترابه الوطني عبر المقاومة الفلسطينية كطريق للوصول إلى حقوقه، وليس الاعتراف بالكيان الإسرائيلي وإقرار وجوده على الأراضي الفلسطينية".
واعتبر أن المبادرة التي قدمتها العشائر وكل المبادرات تنطلق من تحقيق المصلحة الفلسطينية، وليست الأولى من الداخل الفلسطيني، لكن المشكلة ليست في المبادرات ولكن في فريق أوسلو الذي لا يرى فيها ما يحقق مصالحه فيرفضها، أو يضع الشروط التي تفشلها كما حدث في الجزائر، وفقا لقوله.
وفي 13 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وقع 14 فصيلا فلسطينيا، على "إعلان الجزائر" في دولة الجزائر، للم الشمل وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، بمشاركة 70 سفيرا من سفراء الدول دائمة العضوية في الأمم المتحدة، والممثل المقيم الدائم للأمم المتحدة في الجزائر، برفقة ممثل الاتحاد الأفريقي.
وينص "إعلان الجزائر" على انتخاب أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني في الداخل والخارج بنظام التمثيل النسبي الكامل خلال عام من توقيع الإعلان، وتوحيد المؤسسات الفلسطينية وتفعيل آليات الأمناء العامين للفصائل لمتابعة إنهاء الانقسام، وتكريس مبدأ الشراكة السياسية بين مختلف القوى الوطنية الفلسطينية وضرورة اتخاذ الخطوات العملية لتحقيق المصالحة.
كما ينص "إعلان الجزائر" على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس خلال عام من توقيعه.