وجاء إعلان هارون هروبه من السجن ليطرح الكثير من الأسئلة حول هوية الرجل ولماذا وضع في السجن؟ وما هي التهم الموجهة إليه؟ وما هي علاقته بعمر البشير؟ وإلى أي فريق ينحاز في المعركة الدائرة في البلاد؟
يعد أحمد هارون واحدا من أخطر رجال نظام البشير، بل هو واحد من أربعة مسؤولين في نظام البشير أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمر توقيف بحقهم، بينهم البشير نفسه ووزير دفاعه الفريق عبد الرحيم محمد حسين، وعلي كوشيب أحد قادة ميليشيا الجنجويد، ووجهت لهم المحكمة تهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية في إقليم دارفور ما بين عامي 2003 و2007.
ولد هارون في مدينة الأبيض، عام 1965، وينتمي لقبيلة عربية من شمال كردفان، وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في السودان، وفي أثناء دراسته الثانوية التحق بتنظيم الاتجاه الإسلامي، واستمر في العمل التنظيمي عند التحاقه بالدراسة الجامعية، حيث درس القانون في جامعة القاهرة وتخرج فيها عام 1987.
وعاد هارون إلى السودان وعمل قاضيا لفترة قصيرة قبل أن يتم تعيينه وزيرا للشؤون الاجتماعية في ولاية جنوب كردفان، وفي هذه الفترة كان أحد أبرز العناصر في الحركة الإسلامية السودانية، التي دبرت وساعدت عمر البشير في الانقلاب العسكري عام 1989 الذي جاء بالبشير رئيسا للبلاد.
وفي هذه الأثناء تم تعيين هارون في منصب منسق عام للشرطة الشعبية، وهي قوة شبه عسكرية تتبع وزارة الداخلية، واستعان بها نظام البشير في قمع المظاهرات والحركات السياسية.
وفي عام 2003، عين هارون وزير دولة في وزارة الداخلية، ومسؤولا عن مكتب دارفور الأمني بعد تصاعد الأحداث في إقليم دارفور، وخلال الفترة التي تولى فيها هارون هذه المهام شهدت دارفور كوارث إنسانية وصفت بأنه لم يحدث مثلها من قبل، وبسبب هذه الفترة وجهت له اتهامات المحكمة الجنائية ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية في إقليم دارفور، من خلال تجنيد وتسليح مسلحي الجنجويد وارتكاب انتهاكات واسعة في الإقليم المنكوب الذي شهد مقتل نحو 300 ألف شخص ونزوح 2.5 مليون من ديارهم، وبشكل محدد وجهت له المحكمة 42 تهمة تشمل القتل والاغتصاب والتعذيب والاضطهاد والنهب.
وبعد توقيع اتفاق "سلام نيفاشا" الذي أنهى أطول حرب أهلية بين شمال وجنوب السودان عام 2005، اُعفي هارون من منصبه كوزير دولة في الداخلية، وتم تعينه في سبتمير/أيلول 2005، في منصب وزير الدولة في وزارة الشؤون الإنسانية، ضمن الحكومة التي شُكلت بموجب اتفاق السلام الشامل.
وفي مايو/أيار 2007، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمرا بالقبض على أحمد هارون مع أحد قادة ميليشيا الجنجويد في السودان علي كوشيب، الذي سلم نفسه للمحكمة الجنائية الدولية في جمهورية أفريقيا الوسطى ويحاكم حاليا في لاهاي، في اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وقبل هذا التاريخ بأيام (27 أبريل/نيسان) كان هارون يعالج في الأردن، وفور علمه بالمذكرة التي قدم الأرجنتيني لويس مورينو أوكامبو المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية ويطالب فيها قضاة محكمة لاهاي لاستصدار مذكرة اعتقال دولية للقبض عليه بتهمة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، أسرع هارون إلى مطار علياء الدولي في الأردن وغادر المملكة إلى السودان.
وظل نظام البشير لسنوات يرفض الاستجابة لقرارات الجنائية الدولية ويتهم المحكمة بـ"المسيسة".
وعيّن هارون أيضا واليا على ولاية جنوب كردفان، ومن بعدها عيّن واليا على ولاية شمال كردفان، وتشير وسائل إعلام سودانية إلى أنه خلال تولي هارون منصبه كوالي لشمال كردفان حدث خلاف كبير بينه وبين قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، (حميدتي) عندما خرجت مظاهرات في الإقليم تطالب بطرد قوات الدعم السريع وهو ما استجاب له هارون وتصاعد الخلاف بين هارون وحميدتي على أثر ذلك لدرجة أن صرح حميدتي في تصريحات تلفزيونية بأن أحمد هارون "جاب لينا السمعة البطالة"، واتهمه إلى جانب مجموعة في الحكومة السودانية بالتآمر عليه والسعى لتشويه سمعة قواته، وأكد أن "هارون محله السجن وليس الولاية"، وفي هذه الأزمة تدخّل البشير بنفسه وقتها للصلح بينهما.
إلا أن هذا الصلح فيما يبدو لم يكن كاملا، حيث انحاز في الأزمة الأخيرة إلى الجيش السوداني في مواجهة الدعم السريع وحميدتي، ودعا هارون السودانيين لمساندة القوات المسلحة وأشار إلى استعداده والمسؤولين الآخرين للمثول أمام القضاء.
وبسبب قربه من البشير ودوره في قمع المظاهرات والاحتجاجات أثناء تصاعد المظاهرات الرافضة لنظام البشير، اختاره البشير في عام 2019، في منصب مساعد للرئيس ونائبا له في حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وكان أحد القادة الذين تم القبض عليهم بعد الإطاحة بنظام البشير، وتم إيداعه في سجن كوبر.
وأعلنت الحكومة الانتقالية وقتها فتح النيابة العامة تحقيقا في جرائم المسؤولين في نظام البشير ضمن مسار تفاوضي لإحلال السلام في دارفور، إلا أن هارون أكد أنه بالنسبة له المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية أفضل من المثول أمام محكمة محلية، وأصدر في يونيو/حزيران 2021 من محبسه بيانا أكد فيه أن "سلطة بهذا الأداء القانوني البائس لن تكون قادرة أو راغبة في إقامة العدل، ففي ظل أجواء الفصل والتشريد للقضاة والمستشارين بشكل مستمر والتلويح المستمر بأن هناك كشفا آخر قيد الصدور لا يمكن أن تتحقق معها عدالة (…) لهذه الأسباب ولأسباب أخرى فأعلن وبكل ثقة أن من الأفضل لي أن تقدم قضيتي، إن كان هناك ثمة قضية تستحق التقديم، لمحكمة الجنايات الدولية".
وحتى الآن تطالب الجنائية الدولية بتسليم البشير وباقي المسؤولين عن جرائم دارفور إليها ليحاكموا على الجرائم التي ارتكبوها ضد الإنسانية.