وأعلنت واشنطن قبل أيام،على لسان سفيرها في تونس، جوي هود، أنها خصصت 25 ألف طن من القمح الصلب بهدف "مساعدة
الشعب التونسي على مواجهة نقص الإمدادات من هذه المادة" الناجم عن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
وقال هود إن الغاية من هذه المساعدات هي "ضمان توفر القمح للأسر التونسية التي هي في أمس الحاجة إلى هذه المادة. وخاصة أن القمح هو المكون الأساسي للعديد من الأطباق التونسية".
وأثارت هذه التصريحات حفيظة أطياف تونسية اعتبرتها محاولة لإحراج بلادهم التي تمر بظروف اقتصادية ومالية صعبة، فيما تشير قراءات لآخرين إلى وجود غايات سياسية من القمح الأمريكي، وهي منع تقارب تونس مع روسيا والصين.
وتتزامن التصريحات الأمريكية مع تصريحات أوروبية تصب في نفس الجانب، وآخرها وزير الخارجية الإيطالي الذي قال صراحة: "دعونا لا نترك تونس في أيدي روسيا والصين".
ويقول الناشط السياسي كريم الأطرش لـ"سبوتنيك": "بعد تأكيد روسيا لمساعدتها للدول الأفريقية بكميات من القمح... الولايات المتحدة الأمريكية تهرول خوفا من فقدان نفوذها في أفريقيا".
إبعاد تونس عن الحلف الروسي الأوكراني
وفي تعليق لـ "سبوتنيك"، قال رئيس المكتب السياسي لحراك 25 جويلية (يوليو) محمود بن مبروك، إن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى من خلال حمولة القمح إلى التقرب من السلطات التونسية وإظهار أن أمريكا لا تسمح بأن تنهار تونس اقتصاديا.
وصرح سفير جنوب أفريقيا لدى المجموعة، أنيل سوكلال، أمس الأربعاء، بأن كتلة الدول الناشئة التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا ستجتمع في كيب تاون في الفترة من 2 إلى 3 يونيو/ حزيران لمناقشة "توسيع مجموعة البريكس والطرق التي يمكن أن يحدث بها ذلك"، مؤكدا أن 13 دولة تقدمت رسميا بطلب للانضمام و6 دول أخرى تقدمت بشكل غير رسمي.
ويرى بن مبروك أن معسكر الغرب ممثلا في الولايات المتحدة و
الاتحاد الأوروبي يخشى من التمركز الروسي الصيني، وهو ما دفع أمريكا من ناحية إلى تقديم مساعدات لتونس، وأوروبا من ناحية أخرى إلى التصريح بأنها ستدعم تونس وستعمل على مساعدتها من أجل تجنب الأزمة المالية، على لسان وزير الخارجية الإيطالي، أنطونيو تاياني.
وقال بن مبروك:"صحيح أن مصلحة تونس تقتضي المحافظة على علاقاتها التقليدية ولكن بتحفظ، لأن تونس لا يمكن أن تبقى رهينة إملاءات الغرب، وهي تسعى إلى الانفتاح على أسواق جديدة وتحالفات جديدة مستغلة موقعها الاستراتيجي الذي يسمح لها بأن تكون بوابة لأفريقيا".
رد مباشر على المساعدات الروسية
بدوره، يرى المحلل السياسي، بالحسن اليحياوي، في تصريح لـ "سبوتنيك"، أن المبادرة الأمريكية لم تكن حبا في تونس، وإنما هي رد مباشر على وعد قطعته روسيا
بإعطاء القمح للبلدان التي تضررت من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
وتابع: "الخطوة الأمريكية تندرج في إطار سعي واشنطن إلى جمع أكبر عدد ممكن من الحلفاء خاصة من دول الجنوب التي لها فيها مصالح اقتصادية وعسكرية، من بينها تونس".
وأوضح: "لقد أصبحت تونس مطالبة بإيجاد التفاف من الشركاء الدوليين لدعم ملفها مع صندوق النقد الدولي، وهي ورقة سبق وأن لوّحت بها الولايات المتحدة على أساس أنها يمكن أن تكون عاملا مساعدا أو معطلا لوصول تونس إلى اتفاق مع الصندوق".
وبين اليحياوي أن النظام السياسي الحالي الذي يقوده
الرئيس التونسي قيس سعيد، وعودة المؤسسة البرلمانية إلى العمل يهددان ديمومة هذه الاتفاقيات والمصالح الأمريكية، مشيرا إلى أن كل ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية اليوم هو نوع من "الغزل".
ولفت إلى أن المسألة لا تتعلق بتونس فقط، وإنما بكل التكتلات الموجودة في العالم، على اعتبار أن شحنات القمح لم تزود بها تونس فقط بل وزعت تقريبا على كل الدول التي تستورد هذه المادة من أوكرانيا وروسيا، وهي تهدف بهذه الخطوة إلى الضغط على روسيا في علاقة بشحنات القمح التي طالبت موسكو بأن تتعاون مع الاتحاد الأوروبي لتصديرها إلى بلدان الجنوب.