في ظل الكوارث البيئية... مسن تونسي يحول شارعا بأكمله إلى حديقة ممتدة.. فيديو وصور

"من لم يحرّكه الربيع وأزهاره، والعود وأوتاره، فهو فاسد المزاج ليس له علاج"... على هذه القاعدة سطّر التونسي منصف بسباس حياته التي كرّسها للدفاع عن البيئة وحماية الطبيعة.
Sputnik
بسباس الذي بلغ من العمر 80 عاما، دأب على زراعة النباتات وغراسة الأشجار دون كلل أو ملل في أي مكان ينتقل إليه، فهي الأكسجين الذي يمنحه الحياة، كما يقول لـ"سبوتنيك".
ومستعينًا بإصراره وبشغفه بالغراسة، تمكّن بسباس من تحويل مساحة شاسعة كانت في السابق مكبا للنفايات إلى منطقة خضراء ممتدة أطلق عليها لاحقا اسم "حديقة ميموزا".
وتحولت هذه الحديقة إلى فضاء مميز، يجلب انتباه العابرين من طريق المنار (سط العاصمة)، بألوانها الخضراء التي باتت عملة نادرة الوجود في الأوساط الحضرية المكتظة بالبنايات.

شغف منذ الطفولة

كبُر بسباس بين عائلة مُحبّة للطبيعة وأم تهوى النباتات ورث عنها تقنيات الغراسة وإطلاعه على أسرار العالم الأخضر. وحينما أسس منزله ترك فيه بصمته الخاصة، فأحاطه بالنباتات والأشجار من كل جانب، وحرص أن تكون شرفة بيته زاخرة بالأزهار. حتّى أنه حصل على جائزة أحسن شرفة في المدينة، حسب قوله.
1 / 9
مسن تونسي يحوّل شارعا بأكمله إلى حديقة ممتدة
2 / 9
مسن تونسي يحوّل شارعا بأكمله إلى حديقة ممتدة
3 / 9
مسن تونسي يحوّل شارعا بأكمله إلى حديقة ممتدة
4 / 9
مسن تونسي يحوّل شارعا بأكمله إلى حديقة ممتدة
5 / 9
مسن تونسي يحوّل شارعا بأكمله إلى حديقة ممتدة
6 / 9
مسن تونسي يحوّل شارعا بأكمله إلى حديقة ممتدة
7 / 9
مسن تونسي يحوّل شارعا بأكمله إلى حديقة ممتدة
8 / 9
مسن تونسي يحوّل شارعا بأكمله إلى حديقة ممتدة
9 / 9
مسن تونسي يحوّل شارعا بأكمله إلى حديقة ممتدة
وأضاف متحدثا لـ "سبوتنيك": "مثلما كانت الجدران الأسمنتية تعلو لتشكّل منزلي، كنت أغرس الأشجار وأشاهدها تنمو مع هذه الجدران. وبعد 4 سنوات أصبح لي بيت مميز وارف الضلال".
لم تتسع حديقة بيته لغراسة المزيد، فانطلق بسباس في رحلة تشجير امتدت على مساحة هكتار بأكمله، وأخذت منه مشقة 30 عاما من العمل المتواصل. لكن الأمر استحق كل ذلك الجهد، فقد نجح في النهاية في تأثيث حديقة عملاقة شبيهة بلوحة فنية خضراء.
ولم تكن هذه المهمة سهلة بالنسبة لبسباس الذي أخذ على عاتقه تهيئة المنطقة التي تفصل بين حيه والطريق الرئيسية السريعة، رغم أن المنطقة لم تكن ملكا له وإنما هي منطقة بلدية.
يقول: "لم تكن المنطقة مهيأة للزراعة، إذ كانت وكرا للفئران والحشرات ومكبا يلقي فيه المواطنون النفايات وفواضل البناء.. لقد بدأ الأمر بمتر واحد وها أن اللون الأخضر يغطي حاليا هكتارا بأكمله".
وتؤوي حديقة "ميموزا" حاليا أكثر من 500 شجرة وما يزيد عن 200 نبتة وتشكيلات مختلفة من الصبار والتين الشوكي وزهور الأكاسيا وغيرها من النباتات المبهجة. ويحرص بسباس أن تكون الحديقة مؤثثة بمختلف أنواع النباتات، لذلك يجتهد في اقتناء النباتات النادرة من الخارج.
تونس تصنف رسميا تحت خط الفقر المائي
ولم يكن اختيار اسم "حديقة ميموزا" اعتباطيا، إذ يؤكد بسباس أن هذه التسمية تعود لأشجار الميموزا التي تزهر أواخر الشتاء ويتهادى المحبون بأزهارها الصفراء ذات الرائحة الطيبة في عيد الحب.

جدار نباتي ضد التلوث

يعي منصف جيّدا الآثار الوخيمة للتغيرات المناخية ومخاطر التلوث على صحة البشر وعلى مستقبل الأجيال القادمة، لذلك يحرص الرجل على مساندة الدولة في إحياء المناطق الخضراء.

يقول: "هذه الحديقة هي جدار نباتي منيع ضد التلوث، فهي تفصل بين الأحياء السكنية والطريق الرئيسية التي تمر منها الآلاف من السيارات يوميا وتصدر كميات هائلة من الغازات السامة التي تضر بصحة المواطنين".

وتابع: "من ناحية تمتص هذه الأشجار غاز ثاني أكسيد الكربون من الهواء وتخزنه داخلها، ومن ناحية أخرى تقي المواطنين من حرارة الشمس بفضل الأشجار الوارفة التي يمتد طول بعضها إلى 6 أمتار".
وإلى جانب البعد البيئي، تحولت حديقة ميموزا إلى مزار للعشرات من المواطنين الذين يقصدونها إما لالتقاط الصور وسط الطبيعة أو لممارسة الرياضة في مكان منعش أو للتنزه بعيدا عن ضوضاء العاصمة.
مجتمع
خبير يحذر من التغيرات المناخية في تونس: لن تكون عابرة وستغير خارطتها الزراعية
ولأن تونس من بين البلدان المهددة بالفقر المائي، يحرص منصف على اختيار الأشجار الأقل استهلاكا للمياه، كما يتخدم تقنية الري "قطرة بقطرة" للتقليص قدر الامكان من الهدر المائي.

حماية البيئة... ثقافة

ينظر الناس بعين الإعجاب إلى حديقة ميموزا وجمالها، ولكن كثيرين منهم ينظرون أيضا بعين الاستغراب إلى هذا الرجل الذي ينفق الكثير من جهده وماله ووقته لبعث الحياة في هذه الحديقة دون أن تدر عليه الدولة ولو بفلس واحد مقابل ذلك.

يقول: "يستغرب البعض ما أقوم به، ويلقون بالمسؤولية على السلطات المحلية في إحداث المناطق الخضراء والعناية بها، ولهؤلاء أريد أن أقول إن حماية البيئة هي مسؤولية الجميع".

ويسعى منصف إلى نشر ثقافة الحفاظ على البيئة وسط محيطه الأسري وحتى المهني. كما يدعو المواطنين إلى تربية أطفالهم على حب الطبيعة ونبذ السلوكيات السيئة التي تضر بالبيئة وأن يشاركوا في حماية المحيط. فهو يعتبر أن حماية البيئة ثقافة تغرس منذ الصغر.
وينشط منصف صلب العديد من الجمعيات البيئية، ويقود مع المئات من محبي الطبيعة حملات لتحسيس المواطنين بضرورة المحافظة على الطبيعة. كما يشارك خبرته في الغراسة داخل مجموعة فيسبوكية، يلتقي بأفرادها 4 مرات في السنة.
مناقشة