يفصل باب شرقي، كما الأبواب الأخرى، القلب التاريخي للعاصمة السورية عن محيطها الذي بني خلال بضعة مئات السنين الأخيرة.
والحال كذلك، يبدو باب شرقي وكأنه باب سحري يتوسط عالمين مختلفين، فمن زحمة المدينة خارجا، يدلف المرء إلى جنّة من الأزقة التاريخية المشبعة بورش المهن التراثية والفنادق القديمة.
في عام 1879، وفي هذه المنطقة المفعمة بالتاريخ، صُنعت أول آلة عود ببصمة سورية في ورشة صغيرة للحرفي، عبده النحات، في حي القيميرية الممتد خلف باب شرقي، وصولا إلى وسط العاصمة دمشق.
بعد النحات، امتلك سر المهنة العديد من الصنّاع ويتوارثونها، للحفاظ على آلة أصبحت تتصدر آلات العزف، وتكون بمثابة هويتهم الحرفية في صناعة الأعواد الموسيقية، اسمها العود ونسبتها الدمشقي، ويُطلق على أمهر صنّاعها بشيخ الكار.
يقول أنطون طويل، شيخ كار صناعة العود الدمشقي، في حديث خاص لـ "سبوتنيك"، إن أجمل لحظة في حياته حينما صنع أول آلة عود عام 1979، وفقاً لكل الشروط والمعايير الخاصة بصناعة الأعواد، مع بصمة الحرفي الدمشقي.
أنطون طويل.. خليل العود الدمشقي وصانع أنغامه الشرقية
© Sputnik . Hani Almahasneh
رحلة عمر مع العود
لطالما روت أصابع أنطون طويل حكاية حب خالص جمعتها مع أخشاب صمّاء، لا تلبث أن تتحول إلى آلة مفعمة بالكبرياء والحنين، بعد إشباعها بجرعات من عشق الموسيقا الشرقية، على مدى الأعوام الستين من حياته.
عايش "طويل" ( 63 عاما) آلة العود منذ صغره، وشبّ على تعلم مراحلها وقواعدها على يدي والده ضمن ورشة صغيرة، داخل أسوار "منزلهم العربي" بحي المشارقة، ضمن دمشق القديمة، فامتلك السر وحافظ عليه، وصان الحرفة، حتى استحق لقب شيخ الكار.
امهتن إبراهيم، والد أنطون، صناعة الأعواد منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي، ليرث أنطون عن أبيه هذه الصناعة، ويورث ابنته ماري أيضاً هذا الكار.
يضيف طويل، أن السنين والتي تمتد لعقود قضاها في صناعة هذه الآلة، ليست بذكريات عابرة، مؤكداً أن فكرة التوقف عن العمل، ليست مطروحة لديه بالمطلق، رغم تغير الحال، وانخفاض الطلب على الأعواد الموسيقية الأصلية، ولجوء البعض للأعواد التجارية في وقتنا الحالي.
أنطون طويل.. خليل العود الدمشقي وصانع أنغامه الشرقية
© Sputnik . Hani Almahasneh
العود.. تراث دمشق
تمنى شيخ كار صناعة العود الدمشقي، أنطون طويل، الاستمرارية في صناعة هذه الآلة، والتي تعد جزءاً من التراث الدمشقي، ولا تختلف عن أيٍ من معالمها، إذ جعل صنّاعه هذه الآلة تتميز عن غيرها من الآلات في باقي البلدان.
ولم يخفِ طويل قلقه من اندثار الأعواد الدمشقية الأصلية، في وقت يلجأ كثيرون إلى تصنيع الآلات التجارية لانخفاض الجهد والوقت في تحضيرها وأسعارها الأقل، واستخدام مواد تقل جودةً بالطبع عن المواد الأساسية، مقارنة بالأصلية والتي تُصنّع على يدي شيوخ الكار أو ممتهنون مهنيين، من خلال استخدام أفضل أنواع الأخشاب (الجوز والمشمش الشامي).
أنطون طويل.. خليل العود الدمشقي وصانع أنغامه الشرقية
© Sputnik . Hani Almahasneh
في قائمة اليونسكو
وفي مطلع شهر ديسمبر/ كانون الأول 2022 الماضي، أدرجت منظمة اليونيسكو، صناعة العود السوري والعزف عليه على قائمتها للتراث الإنساني وأعطت شرحًا عن صناعته ونغماته.
ويقول أنطون طويل أنّ إدراج صناعة الأعواد والعزف عليها على قائمة "اليونيسكو"، هو أمر حق للسوريين وصنّاع هذه الآلة، لأنها حرفة يدوية تراثية لها وزنها في تاريخ المنطقة، لافتاً إلى الموسيقى الشرقية بشكل عام، كان الملحنون العرب فيها يبنون لحن الأغنية عليه"، مشيراً إلى أن الآلة كانت "ستّاتيّة" (خاصة بالنساء) في البداية، حيث انتشر العود في أوساط السيدات في الحفلات والمناسبات.
فن صناعة العود
وعن طرق الصناعة وميزاتها في سوريا ودول الجوار، يوضح أنطوان طويل أنّ "الطرق متشابهة، وما زال الصُنّاع اليدويون، يتبعون ذات الطرق في انحناء الخشب أو طلائه.
وأردف طويل أنّ "دخول الكهرباء والآلة إلى سوريا في بداية القرن الماضي خفضتا الجهد والوقت اللازمين، وتدخل الآلة عموماً في المراحل الأولية في صناعة العود، لكنَّ المراحل الأخرى ظلّت يدوية".