وتناقل مواطنون مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لمشهد تبادل إطلاق نار في الجزيرة، قبل أن تصدر وزارة الداخلية بلاغا رسميا تؤكد فيه أن "عون حرس تابع للمركز البحري للحرس الوطني أقدم على قتل زميله باستعمال سلاحه الفردي والاستيلاء على الذخيرة".
وأشارت إلى أن منفذ الهجوم حاول بعد ذلك الوصول إلى محيط معبد الغريبة، وعمد إلى إطلاق النار بصفة عشوائية على الوحدات الأمنية المتمركزة بالمكان، والتي تصدّت له ومنعته من الوصول إلى المعبد، وأردته قتيلا.
وأكدت الداخلية أن هذه العملية أسفرت عن إصابة 6 أعوان أمن بإصابات متفاوتة الخطورة استشهد أحدهم، كما توفي اثنان من الزوار، وأصيب أربعة أشخاص آخرين بجروح متفاوتة، تم نقلهم إلى المستشفى لتلقي العلاج.
ولفتت الداخلية في البلاغ ذاته إلى "أنه تم تطويق المعبد وحوزته، وتأمين جميع المتواجدين داخل المعبد وخارجه"، مشيرة إلى أن الأبحاث متواصلة لمعرفة دواعي هذا الاعتداء الذي وصفته بالغادر والجبان.
وفي توضيح لبلاغ وزارة الداخلية، قالت وزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج إن ضحيتي العملية من الزوار هما تونسي يبلغ من العمر 30 عاما، وفرنسي عمره 42 عاما.
وتحتضن جزيرة جربة موسم الحج اليهودي الذي يقام كل سنة في معبد الغريبة في اليوم الـ33 من عيد الفصح اليهودي، وتسهم هذه التظاهرة في تنشيط الحركة السياحية في البلاد وإضفاء ديناميكية اقتصادية على الجزيرة.
دواعي إرهابية وسياسية
وبينما تهاطلت البيانات المنددة بـ"عملية جربة" من الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية وممثلي الدول الأجنبية، اختلفت القراءات بشأن هذا الهجوم الهمجي، بين من اعتبرها حادثة معزولة، وبين من أكد البعد الإرهابي للحادثة، وبين من ربط العملية بدواعي سياسية، في ظل ما تعيشه البلاد من إيقافات وفتح لقضايا إرهابية خطيرة تورطت فيها قيادات أحزاب سياسية على غرار حركة النهضة.
وفي تعليقه على الهجوم قال المحلل السياسي باسل الترجمان لـ "سبوتنيك"، إن عملية جربة لا تخلو من أبعاد سياسية، مشيرا إلى وجود مؤشرات على إعادة ما يعرف بـ "تحرير المبادرة" والرسائل التي بثتها حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي.
وكان الغنوشي قد تحدث في وقت سابق عن أن إقصاء حركة النهضة والمعارضة عموما سيشعل حربا أهلية، وهي التصريحات التي يقبع من أجلها في السجن حاليا، واعتبر محللون أن هذه التصريحات هي إعلان لما يعرف بـ "تحرير المبادرة"، التي يقصد منها السماح للعناصر المنفردة بالقيام بما تراه مناسبا دون العودة إلى القيادة المركزية للحزب.
ويرى الترجمان أن عملية جربة هي إحدى نتائج الرسائل المشفرة التي بثها الغنوشي قبل إيقافه، وإحدى نتائج التراخي الدولي في التصدي للجماعات الإرهابية، مضيفا "حتى سفارات الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا التي تمتلك جهدا استخباراتيا واستعلاماتيا لم يكن لديها علم بهذا الهجوم أو مؤشر على احتمال وقوع عملية إرهابية".
وحول تداعيات هذا الهجوم على الموسم السياحي، قال الترجمان إن هذه العملية لم تكن الأولى في تونس، حيث شهدت البلاد هجمات إرهابية مسترسلة بعد الثورة كانت لها تداعيات وخيمة على السياحة، على غرار عملية متحف باردو، وهجوم سوسة، ولكن هذه العملية لم تحقق أهدافها وبالتالي لن يكون لها تداعيات كارثية على القطاع.
أي تأثير على السياحة؟
وبعث وزير السياحة التونسي محمد المعز بلحسين رسالة طمئنة من جزيرة جربة، يؤكد فيها أن الجزيرة ستبقى دائما قبلة آمنة للسياح الأجانب، وذلك خلال زيارته إلى الجزيرة.
وأشار إلى أن الرحلات والحجوزات للموسم السياحي مازالت قائمة وأن المراكز السياحية لم تسجل أي عمليات إلغاء، قائلا "ستبقى تونس متماسكة".
وفي تصريح لـ "سبوتنيك"، أكد رئيس جامعة الجنوب الشرقي للنزل جلال الدين الهيشري، أن الهجوم الغادر الذي شهدته جزيرة جربة لن يكون له تأثير على الموسم السياحي.
وأضاف "صحيح أن هذا الهجوم تزامن مع اختتام تظاهرة الغريبة التي حققت نجاحا باهرا هذا العام من حيث التنظيم ومن حيث توافد عدد هام من السياح الأجانب إلى الجزيرة، ولكننا المجهودات الأمنية المبذولة حالت دون وقوع كارثة أكبر".
ولفت إلى أن هذه الحادثة لم تكن الأولى، إذ شهدتها العديد من الدول في العالم، مشددا على أن تونس قادرة على تجاوزها وتأمين موسم سياحي ناجح.
وبين الهيشري أن تونس واجهت أحداثا أصعب بكثير من عملية جربة، وتعافت منها لاحقا وتمكن القطاع السياحي من استرجاع نسقه الطبيعي، وأكد أن الحياة عادت إلى طبيعتها في الجزيرة.
وتعول تونس التي تعاني من أزمة مالية واقتصادية مستعصية كثيرا على نجاح الموسم السياحي الذي يدر عائدات هامة عليها، بفضل ما توفره من العملة الصعبة.
وبحسب معطيات رسمية نشرها البنك المركزي التونسي، تجاوزت العائدات السياحية 1 مليار دينار (نحو 327 مليون دولار) خلال الثلاثية الأولى من 2023، مسجلة بذلك تطورا إيجابيا بنسبة 64% مقارنة بالفترة ذاتها من سنة 2022.
وسجلت تونس في العام الماضي توافد 6.4 مليون سائح بقيمة 4.2 مليار دينار. وهي تطمح هذا العام إلى استعادة النسق العادي للقطاع قبل جائحة كورونا أي قبل سنة 2019 التي شهدت فيها توافد ما يزيد عن 9 ملايين سائح.