تفاصيل مخطط واشنطن لدمج تنظيمات إرهابية تحت مسمى "جيش سوريا الحرة".. ما أهدافه في المنطقة؟
مع رفضها لقرار عودة سوريا إلى الجامعة العربية في السابع من مايو/ أيار الجاري، بدأت واشنطن بتحريك أدواتها الإرهابية في الداخل السوري، لإجهاض المسعى العربي تجاه دعم استقرار سوريا، وزعزعة الأوضاع في المنطقة مجددا.
Sputnikبالأمس الأربعاء، قال وزير
الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن "هناك معلومات تفيد بأن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت في إنشاء ما يسمى بـ"جيش سوريا الحرة" بمشاركة "داعش" (منظمة إرهابية محظورة في روسيا) من أجل زعزعة استقرار الوضع في هذا البلد".
وأضاف لافروف: "بحسب معلوماتنا بدأ الأمريكيون في تشكيل ما يسمى بـ "جيش سوريا الحرة" في محيط الرقة السورية بمشاركة ممثلين عن العشائر العربية المحلية ومسلحي "داعش" (منظمة إرهابية محظورة في روسيا) ومنظمات إرهابية أخرى".
وقال لافروف خلال اجتماع مع وزراء خارجية إيران
وسوريا وتركيا: "الهدف واضح وهو استخدام هؤلاء المسلحين ضد السلطات الشرعية في سوريا لزعزعة استقرار الأوضاع في البلاد".
في ديسمبر/ كانون الثاني 2016، قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، إن بحوزته أدلة على أن قوات التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن تقدم دعما لجماعات "إرهابية" في سوريا، منها تنظيم "داعش" والجماعات المسلحة الكردية.
وقال حينها "الأمر واضح جدا، واضح تماما"، لافتا إلى أن تركيا قادرة على تقديم الدليل بالصور والفيديو".
وقالت الولايات المتحدة الأحد الماضي، في معرض انتقادها قرار عودة سوريا لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية، إن دمشق لا تستحق هذه الخطوة، كما شككت في رغبة الرئيس السوري بشار الأسد في حل الأزمة في سوريا.
خبراء عسكريون، أوضحوا لـ"سبوتنيك"، أن التحركات العربية الساعية لتصفير قضايا المنطقة، تتم خارج الإرادة الأمريكية، وهو ما أغضبها لدرجة كبيرة، دفعتها إلى العمل على إدارة الصراع وإشعاله في المنطقة مرة أخرى عبر أدواتها الإرهابية.
وفق الخبراء، فإن زيارات مبعوث الخارجية الأمريكية نيكولاس غرينجر لشمال شرق سوريا منذ أشهر وحتى وقت قريب، واللقاءات المكثفة التي أجراها مع أطراف عسكرية وسياسية وعشائرية عربية من محافظتي الرقة والحسكة وخاصة عشائر شمر والبكارة وجبور وطي، هدفت لتشكيل مجلس عشائري في منطقة الجزيرة السورية، لكنها سعت أخيرا لدمج عناصر "داعش" وجبهة "النصرة" (تنظيمان إرهابيان) في الجسم الجديد.
كما تسعى واشنطن لإجهاض التقارب التركي مع سوريا وكذلك العربي مع إيران عبر خلط الأوراق مجددا في المنطقة.
وسعت واشنطن لإقناع الفصائل في المنطقة هناك لتشكيل الجسم الجديد على أن تقدم له الدعم المالي والتسليح، وأن يكون ارتباطه المباشر مع قوات الاحتلال الأمريكي هناك.
حول التحركات الأمريكية بإنشاء ما يسمى ""جيش سوريا الحرة"، يقول الخبير الاستراتيجي العميد تركي الحسن، إن ما استجد في المنطقة التي يطلق عليها "الجزيرة"، وتقع تحت سيطرة الاحتلال الأمريكي، والدرع الواقع لها المشكل من قوات "قسد"، هو محاولة تجديد المخطط القديم الأمريكي عبر تشكيل ما يسمى بـ"جيش سوريا الحرة"، بدلا من القول بأنها قوات "داعش"، أو "جبهة انصرة"، وهي جماعات إرهابية محظورة في روسيا والعديد من دول العالم".
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن "قوات قسد تعمل بإمرة الجانب الأمريكي وتحمي القوات الأمريكية من الضربات التي توجه لها، كما أنها نافرة عن البيئة التي تتواجد فيها وتسطير على محافظات لا تتواجد فيها قسد، حيث لا يشكل الأكراد في محافظة الرقة سوى نحو 5%، ما يعني أن ما يسمى بـ"قسد" هي قوات احتلال إضافية".
تابع الخبير الاستراتيجي" تعود فكرة تأسيس مكون عربي تحت مسمى عشائر أو "جيش سوريا الحرة" للعام 2016، وكان الأمر مسار بحث بين دول عربية والجانب الأمريكي بحيث تكون هناك قوات من البيئة العشائرية العربية، من محافظتي دير الزور والرقة، لتوكل لها مهمة قوات بديلة لقسد، ويصل تعدادها لنحو 1000 عنصر يشكل النواة الأولى".
ولفت إلى أن الجانب الأمريكي يحاول إعادة إحياء الفكرة ولكن من خلال عناصر إرهابية، جرى إخراجهم منذ نحو عام ونصف على دفعات من سجون قسد وتم تدريبهم ونقلهم إلى الداخل العراقي، وباتجاه البادية السورية.
وشدد على أن القوات العشائرية التي يتحدثون عنها لتشكيل ما يسمى بـ"جيش سوريا الحرة"، تضم ما يسمى بفصيل "ثوار الرقة"، الذي انضم كليا إلى "النصرة" ومن ثم "داعش" في فترة سابقة"، وأوقفت العديد من عناصره في السجون الواقعة تحت سلطة الاحتلال الأمريكي.
فتور العلاقات الأمريكية- العربية
منذ نحو أكثر من عام يخيم الفتور على العلاقات العربية-الأمريكية، حيث تسعى الأخيرة لإدارة الصراع في المنطقة ضمن مخططها لتفتيتها وإضعافها، فيما جاءت التحركات العربية الأخيرة مغايرة، تلاقيا مع دول الشرق التي أسست لتعدد الأقطاب في العالم وفي مقدمتها روسيا والصين، الأمر الذي أزعج واشنطن بدرجة كبيرة.
يقول الخبير الاستراتيجي السوري، إن التوجه العربي نحو تبريد الملفات وحلها وتصفيرها، وهو تحرك خارج الإرادة الأمريكية، ما دفع الأخيرة لإبقاء الوضع على ما هو عليه ومنع الاستقرار في سوريا، إذ إنها تقف ضد عودة سوريا للجامعة العربية.
عدم رغبة واشنطن في عودة سوريا للجامعة،وسعيها لإدارة الصراع في المنطقة، دفعها نحو اتخاذ خطوات ضد التحرك العربي، والتي تمثلت في العودة لدعم جماعات إرهابية في ليبيا بشكل أكبر يسمح لها بالقيام بعمليات بهدف زعزعة الاستقرار.
في هذا الإطار يقول العميد محمد عيسى الخبير
العسكري السوري، إن الولايات المتحدة الأمريكية تحرك قواتها الإرهابية بين الحين والآخر، والتي تنشط في المنطقة الممتدة بين "التنف" وحتى الطريق الذي يربط دمشق بدير الزور، حيث جرت استهدافات كثيرة لقوات الجيش على هذا الطريق.
يوضح عيسى في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن الإدارة الأمريكية تحاول تصدير ما يسمى بـ"الجسم الجديد" على أنه الشرعي، بينما تسمي القوات المسلحة السورية بـ"ميليشيات الأسد"، في إطار سعيها لتزييف الحقائق وتضليل الرأي العام.
لم تتوقف المحاولات الأمريكية بعد التي سعت من خلالها لتقسيم سوريا، حيث يقول عيسى "إن هدف واشنطن هو تفتيت سوريا كليا إلى عدة دول منفصلة متحاربة، وبالرغم من فشل المشروع عسكريا، هي تصر على إدارة الصراع على الأقل منعا لقوة عربية كبيرة، في مواجهة إسرائيل".
ووفق لعيسى "ترفض واشنطن التسليم بهزيمة مشاريعها في الشرق الأوسط، وكذلك تراجع نفوذها العالمي بعد الانتصارات الروسية المتلاحقة".
لم تحظ المساعي العربية نحو تصفير قضايا المنطقة برضا الجانب الأمريكي، خاصة أن التوجه العربي في الوقت الراهن يقترب من الشرق أكثر من الغرب، وهو ما يثير جنون واشنطن ويدفعها نحو اتخاذ مثل هذه الخطوات وفق الخبير العسكري السوري.
جريمة أمريكية في حق المنطقة
يقول الخبير الجزائري في الشؤون الأمنية أحمد ميزاب، إن لم الشمل العربي يزعج العديد من الأطراف التي كانت تتغذى على الصراع ومشروع تفتيت المنطقة.
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن الأزمة السورية لم تكن داخلية، بل تحولت إلى محطة من محطات الحرب الباردة بين الأطراف الدولية، وأصبحت خنجرا لاختراق المنطقة العربية، ساهمت في استفحال الظاهرة الإرهابية التي استهدفت جميع دول المنطقة دون إسرائيل.
وأشار إلى أن السعي لتشكيل ما يسمى بـ"جيش سوريا الحرة"، هو خرق لكافة المواثيق والقوانين، وأنه جريمة ترتكب في حق سوريا والمنطقة العربية، حيث تهدف الخطوة لاستنساخها في العديد من الدول العربية، وهو ما تضمنته الدراسات التي هندست لاستهداف المنطقة العربية، بتحويل الجيوش إلى مليشيات أو جيوش منقسمة كما في ليبيا واليمن"، مشددا على أن عودة سوريا هو إجهاض لمشروع كان يستهدف المنطقة العربية ككل، وليست سوريا وحدها".
وتابع: "المواقف العربية الحالية هي رسالة تعني إشهار البطاقة الحمراء في وجه كل من يريد الوصاية، وأن من يريد بناء علاقات يجب أن تكون على مبدأ التعاون والندية دون أي وصاية من أحد".
فيما قال الباحث الجزائري، نبيل كحلوش، إن المواقف الأمريكية كانت مبنية على رؤية احتوائية للشرق الأوسط وأوروبا معا، لذلك فإن التقارب السوري-العربي سيعني تشكيلا لجدار جيوبوليتيكي يمنع الاستقطاب.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك" أن هذا التقارب بالنسبة لبعض الغرب قد يبدو تحالفا ضد "إسرائيل" كعدو مشترك، لافتا إلى أن "تأسيس تنظيم إرهابي جديد بشمال سوريا، يعود إلى أن التقارب بين سوريا وتركيا وإيران يهدد المصالح الغربية التي تقف وراء تنظيم قوات سوريا الديمقراطية من جهة -أي أن التنظيم الجديد هو استنساخ للتنظيم القديم".
من جهة أخرى تسعى واشنطن للمساس بالأمن القومي التركي، ثم جر تركيا للتدخل مجددا في العمق السوري لعشرات الكيلومترات، مجدد تؤمّن حدودها كما فعلت سابقا في عملية (درع الفرات) ما سيؤدي إلى توتر محتمل جديد بينها وبين سوريا، وهو ما يجهض جهود التقارب ويعيد المعضلة الأمنية للواجهة فتفشل بدورها عملية التسوية الرباعية الراهنة (بين روسيا وسوريا وتركيا وإيران)، وفقا لكحلوش.
وتابع "كل ذلك يحمل مؤشرا، مفاده بأن واشنطن وتل أبيب -من خلال مواقفهما- يؤكدان بأن أي تقارب عربي و(لمّ الشمل) بين البلدان، سيعني بأن الإرادة السياسية وصنع القرار سيكون بمعزل عن أجنداتهما".