الديون المتفاقمة... شبح يلاحق الدولة التونسية ويزيد مشاكلها الاقتصادية

يمثل سداد الديون التي حل موعد قضائها امتحانا صعبا للحكومة التونسية، في ظل شح السيولة المالية وعدم ضفرها باتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي.
Sputnik
وتسابق الحكومة الزمن من أجل سداد ديون عاجلة بقيمة 15.7 مليار دينار، تتوزع بين ديون داخلية وخارجية، ستشهد ذروتها خلال الأشهر المقبلة، إضافة إلى 5.3 مليار دينار من الفوائد، وهو ما يرفع الديون المستوجب دفعها لهذا العام إلى 21 مليار دينار (6.73 مليار دولار).
وتعاني تونس من تركة ثقيلة من الديون، تؤكد وزارة المالية أنها ستصل إلى 124.5 مليار دينار (40.8 مليار دولار) بحلول نهاية سنة 2023، تستحوذ الديون الخارجية على 63.9% منها.
عام السيناريوهات الصعبة في تونس... هل تتجه إلى نادي باريس
تعويل مفرط على الاقتراض الداخلي
وفي تصريح لـ "سبوتنيك"، قال الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي، إن انسداد أفق التمويل الخارجي قاد الحكومة التونسية إلى التعويل المفرط على الاقتراض الداخلي، محذرا من انعكاسات ذلك على صلابة النظام البنكي.
وأضاف: "البنوك التونسية تُقرض حاليا الدولة بصفر مخاطر وبنسبة فائدة عالية، وحينما تجد الدولة صعوبة في سداد هذه الديون ستكون النتيجة انهيار النظام البنكي، وهو ما سيقود الحرفاء إلى سحب أموالهم من البنوك".
وأشار الشكندالي إلى أن المعطيات التي نشرها البنك المركزي التونسي مقلقة للغاية، حيث تبيّن ارتفاع حجم سداد خدمة أصل الدين من 9.8 مليار دينار سنة 2022، إلى 15.7 مليار دينار سنة 2023، أي بفارق 6 مليارات دينار عن السنة الماضية.
بعد أن رفض رئيسها الانصياع لإملاءات صندوق النقد... ما هي خيارات تونس التمويلية
حلول ترقيعية
بدوره، يرى الخبير الاقتصادي معز حديدان، في حديث لـ "سبوتنيك"، أن الدولة التونسية تتعامل مع التزاماتها المالية بما فيها الديون الداخلية والأجور شهرا بشهر، وأحيانا أسبوعا بأسبوع، مشيرا إلى أن الحلول التي تعتمدها الدولة للسداد "ترقيعية ولا تحل الأزمة".
وقال: "تصارع الحكومة من أجل إيجاد التمويلات اللازمة، إما عن طريق البنوك التي وقع استنزاف إمكانياتها، وإما عن طريق القرض الرقاعي الذي تمكنت من خلاله من تعبئة 700 مليون دينار كقسط أول، في انتظار تعبئة 700 مليون دينار خلال القسط الثاني الذي يقع تجميعه حاليا".
ولفت حديدان إلى أن الحكومة مطالبة عاجلا بسداد 5 خطوط تمويلية بقيمة 2800 مليون دينار (حوالي 903 مليون دولار)، منها 953 مليون دينار حدد موعد آجالها في 13 أبريل/ نيسان الماضي، ومنها 438 مليون دينار سيتوجب سدادها في 15 يونيو/ حزيران المقبل.
تونس... حجم الدين الخارجي يصل إلى 34 مليار دولار
الديون الخارجية... إشكال أكبر
ويرى حديدان أن الإشكال الأكبر يتمثل في الديون الخارجية التي سيحين موعد سدادها قريبا، منها 500 مليون دينار تتعلق بقرض رقاعي بضمان ياباني في أغسطس/ آب 2023، و1.6 مليار دينار لصندوق النقد الدولي في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بالإضافة إلى أقساط أخرى تتوزع على 401 مليون دينار في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، و306 ملايين دينار في ديسمبر/ كانون الأول 2023.
وأوضح حديدان أن سداد الديون الخارجية أصعب من الديون الداخلية، على اعتبار أن الدولة ستكون في حاجة إلى توفير موارد مالية من العملة الصعبة، والواقع أن احتياط تونس من العملة الصعبة لا يتجاوز 94 يوم توريد، أي ما يقارب 7 مليار دولار.
وأضاف: "إذا تخلفت تونس عن سداد هذه الديون، ستعلن الدولة أنها في وضعية مالية حرجة، وهو ما سيفقد ثقة المزودين العالميين في تونس ويدفعهم إلى الامتناع عن تزويدها بالمواد الأولية، وهو ما قد يفضي إلى أزمة اجتماعية".
ويشير حديدان إلى وجود ضبابية كبيرة في تعامل الدولة مع هذه الديون، مشددا على أن الحكومة ستكون في وضع صعب إذا لم تتمكن من توفير التمويلات اللازمة للسداد ولمواصلة التزود بالمواد الأولية وخاصة الحبوب، في ظل تراجع الإنتاج الداخلي من هذه المادة.
بعد أن رفض رئيسها الانصياع لإملاءات صندوق النقد... ما هي خيارات تونس التمويلية
ترحيل للأزمة
ويعتقد الخبير المالي بسام النيفر، في تعليق لـ "سبوتنيك"، أن الحكومة التونسية ستكون قادرة على سداد ديونها الداخلية على الأقل، ولكن الضريبة ستكون غالية.
وأوضح: "ما تفعله الحكومة حاليا ليس سوى ترحيلا للأزمة إلى السنوات المقبلة، فهي تقوم بعملية مبادلة للسندات القديمة مقابل الحصول على رقاع خزينة جديدة سيتم خلاصها ابتداءً من سنة 2028، إلى حدود سنة 2032 بنسبة فائدة أعلى".
وأشار النيفر إلى أن هذه الحلول ليست ناجعة، فهي من ناحية أولى تُرحّل المشكلة إلى سنوات مقبلة، وتساهم من ناحية ثانية في تفاقم الدين الداخلي.
وفيما يخص خلاص الديون الخارجية، قال النيفر إن الحكومة ستواجه صعوبة في السداد، مشيرا إلى أن الإشكال سيتفاقم أكثر في العام المقبل. حيث يؤكد أن تونس ستكون مطالبة سنة 2024 بخلاص 3.6 مليار دولار من الديون الخارجية بالعملة الصعبة، وهي أعلى قيمة تدفعها منذ الاستقلال.
وتابع: "الرصيد الذي تملكه تونس حاليا من العملة الصعبة قد يسمح لها بالصمود إلى حين نهاية سنة 2023، ولكن هامش التحرك في السنة المقبلة سيتقلص، لذلك يتوجب عليها عاجلا وليس آجلا توفير التمويلات الخارجية".
مناقشة