وتعتبر مبادرة "فري نايل" واحدة من المبادرات المعنية بتطوير وسائل مستدامة لتنظيف النيل من المخلفات غير العضوية تأسست في نهاية 2018، وفي عام 2019، بدأت العمل مع الصيادين لتنظيف المياه، ومع تفشي فيروس كورنا زادت مخاطر التجمعات العامة فقامت المنظمة بتخصيص مزيد من الموارد لتعزيز شراكتها مع الصيادين.
وأطلقت المنظمة مبادرتها لإعادة التدوير في عام 2020، ويقع مقرها الرئيسي في جزيرة القرصاية، التي يعيش أغلب سكناها على الزراعة والصيد وهو ما يتأثر بشكل كبير بسبب تلوث النيل بإلقاء المخلفات الصلبة فيه.
وتشير تقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن نفايات البلاستيك تستغرق ما بين 20 عاما و500 سنة لتتحلل، وحتى في ذلك الحين لا تختفي تماما، لكن فقط يصغر حجمها، وهو ما يكون له تأثير كبير على الحياة السمكية.
العمل في المبادرة
"سبوتنيك" زارت الجزيرة وتفقدت مقر المبادرة ورصدت تأثيرها على النيل والسكان وخاصة السيدات اللاتي يعملن حاليا ضمن المبادرة في إعادة تدوير أكياس البلاستيك.
ينقسم الموقع الذي زارته "سبوتنيك"، وهو عبارة عن مبنى من طابقين، إلى أكثر من قسم الأول يتم فيه فرز زجاجات البلاستيك التي أوردها الصيادون إلى المبادرة؛ حيث يتم كبس زجاجات المياه البلاستيكية الشفافة لتنقل بعد ذلك إلى مصنع خارج الجزيرة لإعادة تدويرها، وبحسب مدير مشروع الصيادين في "فري نايل"، هاني فوزي، يعتبر البلاستيك الأبيض هو الأفضل حيث يتعدد استخدامه بعد ذلك، ويشير إلى أنهم في المشروع كذلك يعيدون تدوير أغطية زجاجات المياه حيث يتم كبسها على ماكينه خاصة بذلك لتنتج ألواحا تشبه الرخام ويمكن بالفعل أن تكون بديلا له في بعض الاستخدامات.
أما في القسم الثاني من المبادرة فيتم فيها تدريب السيدات من الجزيرة على إعادة تدوير أكياس البلاستيك، وإنتاج منتجات مختلفة كحقائب اليد للسيدات وأغطية بلاستيكية لعلب الغداء، وحافظات أقلام، وأكياس نقود، وحافظات أدوات المكياج، وحقائب الحواسب المحمولة، وأكياس التسوق، بالإضافة إلى منتجات الكروشيه، والستائر الملونة.
سيدات الجزيرة
حوالي الساعة العاشرة صباحا، اتجهت نحو 10 سيدات إلى مقر المبادرة لبدء العمل الذي يصل لنحو 8 ساعات. من داخل المقر، بدا أنهن سعداء بما يقومون به.
في الداخل، جلست سيدتان تستخدمان مكواة لتثبيت الأكياس فوق بعضها بعد تنظيفها، يمكن أن يتكون من 4 طبقات من الأكياس أو 6 حسب المطلوب، وبعد تمرير المكواة عليه يتم تثبيت الأكياس وتكون سميكة وأكثر صلابة يسهل تشكيلها وإعادة استخدامها.
ثم تنقل هذه الأكياس إلى الغرفة المجاورة التي وجدنا فيها 4 سيدات بأعمار مختلفة يجلسن حول منضدة ويطرزن على الأكياس المطبقة، وكل واحده منهن ترسم شكلا بالخيط متفق عليه، أحيانا يكون اسم شركة تطلب أكياس عليها اسمها وشعارها، أو يتم رسم شكلا فنيا من وحي السيدة العاملة، وبعده يتم تقفيل المنتج ليتم بعد ذلك عرضه على صفحة خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي لبيعه للجمهور.
وأثناء جولتنا داخل المقر اطلعنا على منتجات مدون عليها اسم السيدة التي عملت عليها والمدة التي استغرقتها في تنفيذه، وأكدت النساء العاملات في المشروع على سعادتهن بالعمل الذي غير حياتهن.
أحلام بتوسعة المشروع
ولا توجد في الجزيرة أي خدمات حيث لا مدرسة ولا مستشفى ولا حتى صيدلية، ويضطر السكان إلى العبور عبر قارب متهالك إلى الجهة المقابلة (شارع البحر الأعظم) للحصول على الخدمات التي يحتجونها. وكذلك غالبية النساء في الجزيرة هم ربات منازل أو يعملن في مهن خارج الجزيرة.
خارج مقر مبادرة "فري نايل" وفي أحد شواع الجزيرة التقت "سبوتنيك" عدد من السيدات اللاتى يريدن العمل داخل المبادرة، وأكدوا أنها ساهمت في تغيير حياة الكثير من النساء في الجزيرة.
تقول هبة (أم أحمد) إنها تتمنى العمل في المبادرة لأنه لا يوجد عمل في الجزيرة خاصة مع الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد مؤخرا، لكنها تشتكي أن العمل في المبادرة لازال محدودا حتى الآن.
وهو أيضا ما قالته سهير من سكان الجزيرة، وترى أن العمل في المبادرة يمكن أن يساعدها ماديا خاصة وأن زوجها كان يعمل في الزراعة إلا أن أجره حاليا لم يعد كافيا لتغطية مصاريف المنزل، وتأمل سهير أن يتم توسيع العمل في المشروع ويضم عدد أكبر من السيدات لأنه سيكون مصدر رزق للنساء في الجزيرة.
أكبر من مجرد عمل
في تصريحات سابقة قالت نيفين جامع وزيرة الصناعة والتجارة، إن حجم المخلفات بمصر تبلغ 90 مليون طن سنويًا، منها 26 مليون طن مخلفات صلبة، يمثل البلاستيك منها 6٪، لافته إلى أن حجم استهلاك مصر من الأكياس البلاستيك سنويا يبلغ 12 مليار كيس، مشددة على أن مضاعفة أعمال إعادة تدوير المخلفات مهم جدا للقضاء على هذه المشكلة.
بينما قال المهندس أحمد نبيل رئيس قطاع التنمية المستدامة، إن حجم استهلاك مصر من الزجاجات البلاستيك يقدر بنحو 13 مليار زجاجة سنويا، و"هذا العدد إذا ألقى فى النيل فإنه كفيل بتغطية النهر بالكامل"، وتابع أنه لهذا فنحن نحاول إعادة التدوير للحفاظ على البيئة ومنع التعدى على النيل والحياة بصفة عامة.
ويرى القائمون على المبادرة أن تشجيع المجتمعات المحلية القريبة من النيل على جمع المخلفات فيه فائدة للجميع فهو حماية وحفاظ على النيل وفي نفس الوقت مصدر رزق للصيادين العاملين في ذلك.
وتشجع المبادرة الصيادين على جمع المخلفات الصلبة وتسلميها منهم والعمل على إعادة تدويرها بالتعاون مع شركات أخرى.