ويتمثل المشهد الإنساني في النقص الكارثي للأدوية والمواد الغذائية وانعدام الأمن، وسط عجز تام من جانب المنظمات الإغاثية في الداخل والخارج من الوصول إلى المواطنين المحاصرين في منازلهم.
خلال السطور التالية رصدت "سبوتنيك"، جانبا من الوضع الإنساني والصحي في السودان بعد مرور ما يقارب 45 يوما على بدء الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.
ظروف قاسية
بداية تقول "عطور"، منسق تجمع منظمات المجتمع السودانية، ولاية شمال كردفان (الأبيض)، إن الولاية تعيش ظروف إنسانية وأمنية قاسية جراء النزاع المسلح بين الدعم السريع والجيش السوداني، والذي نتج عنه المئات ما بين قتيل وجريح وآلاف النازحين.
وتابعت في حديثها لـ"سبوتنيك"، الآن نحن محاصرين من كل الجهات ونعيش أوضاعا إنسانية قاسية، حيث تعاني المدينة من شح في المياه والكهرباء والمواد الغذائية والأدوية الضرورية، علاوة على نقص المستلزمات والطواقم الطبية، ولا يستطيع المريض أو الجريح تلقي أي إسعافات أولية.
معايير آمنة
أما إشراقة حمدين، الناطق الرسمي باسم مجموعة منظمات المجتمع المدني السوداني، تطالب في حديثها لـ "سبوتنيك"، بوضع معايير آمنة في الهدنة الثانية لتوصيل المساعدات الإنسانية للمواطنين العزل في المحليات والولايات، محذرة من وضع إنساني وصحي كارثي إذا استمر الحال على ما هو عليه، فلم نلاحظ تحسن خلال الأيام السبعة الماضية من الهدنة، المستشفيات جميعها تكاد تكون خارج نطاق الخدمة في الأحياء المكتظة بالسكان.
بدوره ناشد أيوب عبد الرحمن كرتون، مستشار تجمع منظمات المجتمع المدني السوداني، في حديثه لـ"سبوتنيك"، كل الدول والمنظمات الخيرية على التنسيق مع الحكومة السودانية ومنظمات المجتمع المدني السوداني للتدخل الإنساني وتوفير المساعدات الضرورية للمواطنين المتضررين، وتحديد منطقة عازلة لتأمين المواطنين العزل، سوف تعمل المنظمات مع شركائها ودوائرها المحلية والإقليمية والدولية لتعزيز آلية الحماية وتوفير الخدمات الإنسانية.
نداء إنساني
وفي السياق ذاته يقول عادل عبد الباقي، رئيس المبادرة الوطنية لحل الأزمة السودانية، إن الأوضاع الإنسانية تتفاقم وتزايدت نسب من لا يستطيعون الحصول على الدواء والعلاج والغذاء بصورة مرعبة.
وتابع في حديثه لـ"سبوتنيك"، إن "منظمات المجتمع المدني أطلقت نداءات عاجلة لكل العالم بأن المواطنين يفتقدون لكل مقومات الحياة، حيث لا يجد أصحاب الأمراض المزمنة الدواء أو الاستشارات الطبية، علاوة على أن بعض الحالات لا يمكن علاجها خارج المستشفيات مثل مرضى الغسيل الكلوي، الأمر أصبح بالغ القسوة، متمنيا من كل الأطراف التجاوب مع النداءات الإنسانية والابتعاد عن المرافق الحيوية وعلى رأسها المستشفيات وفتح ممرات آمنة.
أما سماح خميس، عضو اللجنة الطبية للمنظمات الأهلية بالسودان، فيحذر في تصريحه لـ"سبوتنيك"، من انهيار كامل للوضع الصحي في الخرطوم في حال استمرار الأوضاع دون التقيد بالهدنة في المرة الثانية كما حدث في الهدنة الأولى التي لم تكن سوى حبر على الورق، علاوة على أن تأخر تقدير المساعدات الإنسانية ستكون نتيجته كارثية بكل المقاييس، مشيرا إلى أن المتطوعين في المستشفيات يعانون من عدم الأمن ونقص حاد في المعدات والمستلزمات الطبية.
انتهاكات خطيرة
وأشار خميس إلى أن "بعض مناطق النزاعات تشهد انتهاكات إنسانية غير مسبوقة على النساء والأطفال في الخرطوم وولايات دارفور من اغتصاب وتجنيد قسري للأطفال، حيث ازدادت نسبة الحوامل من القاصرات والنساء بعد الحرب في دارفور ووصلت 56 في المئة مقارنة بالسنة 2021 التي كانت 48 في المئة، هذا بالإضافة إلى عدم توفر الدواء لكبار السن والذي أصبح مهدد كبير للمرافق الصحية داخل ولاية الخرطوم، الأمر الذي أحدث زيادة كبيرة في أعداد الوفيات بين الكبار.
وكان القائد العام للقوات المسلحة السودانية، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، قد صرح، اليوم الثلاثاء، أن الجيش السوداني لم يستخدم بعد كامل قوته المميتة، لكنه سيضطر لاستخدامها إذا لم تنصع قوات الدعم السريع أو تستجيب لصوت العقل.
وشدد على أن "القوات المسلحة ستظل مستعدة للقتال حتى تحقيق النصر، وأن المتمردين لن يستطيعوا أن ينالوا من هذه البلاد، مؤكداً أن النصر قريب لا محالة"، وفقا لبيان من القوات المسلحة السودانية. ودعا البرهان إلى "عدم الالتفاف إلى ما يبثه إعلام الميليشيا المتمردة"، ساخرًا من ادعاءاتهم بأن حربهم هذه ضد الكيزان، وتساءل: "أين الكيزان بين هؤلاء الجنود؟".
وجاءت تصريحات البرهان خلال "تفقده القوات المرابطة ببعض المواقع، وأشاد خلال زيارته بوقفة الشعب السوداني بكامله خلف جيشه بالرغم من المعاناة التي يعيشها منذ ما يقارب الشهرين". ولفت عبد الفتاح البرهان إلى أن "كافة المناطق والفرق لا تزال محتفظة بكامل قواتها، بعد أن بسطت سيطرتها على جميع أنحاء البلاد".
وعن تمديد هدنة وقف إطلاق النار، قال البرهان إنه "تمت الموافقة عليها بغرض تسهيل انسياب الخدمات للمواطنين الذين أنهكتهم تعديات المتمردين وقد نهبوا ممتلكاتهم وانتهكوا حرماتهم وعذبوهم وقتلوهم دون وازع أو ضمير". واتفق الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، مساء أمس الاثنين، على تمديد وقف إطلاق النار لمدة 5 أيام.
وقال المكتب الأمريكي للشؤون الأفريقية، في بيان له، إن "التمديد سيتيح الوقت لمزيد من المساعدات الإنسانية واستعادة الخدمات الأساسية ومناقشة احتمال التمديد لفترة أطول".
وأشار البيان إلى أن "الولايات المتحدة الأمريكية والسعودية رحبتا باتفاق الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على تمديد اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 20 مايو/ أيار 2023 لمدة خمسة أيام".
وتتواصل منذ 15 أبريل/ نيسان الماضي، اشتباكات عنيفة وواسعة النطاق، بين قوات الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع، في مناطق متفرقة من السودان، تركزت معظمها في العاصمة الخرطوم، مخلفة المئات من القتلى والجرحى بين المدنيين، في حين لا يوجد إحصاء رسمي عن ضحايا العسكريين من طرفي النزاع العسكري.