يرى مراقبون أن تلك الموازنة التي تعد الأضخم في تاريخ البلاد، قد لا تنجح في إحداث نوع من التنمية الحقيقية في البلاد، نظرا لأن العوامل التي أوصلت البلاد لتلك المرحلة الخطيرة لا تزال باقية، وعلى رأسها الفساد والميليشيات المسلحة، بل إن تلك الموازنة قد تفتح أبوابا جديدة للفساد يصعب السيطرة عليها.
ما هي المكاسب التي تحققت من إقرار الموازنة العراقية وتأثيرها على الأوضاع التنموية في البلاد والعقبات التي قد تعترض تطبيقها؟
بداية، يقول كفاح محمود، الباحث السياسي والخبير في الشؤون الكردية والعراقية: "يأمل الجميع أن يكون إقرار الموازنة الجديدة بداية حقيقية لمرحلة تنموية وإعمارية، خاصة إذا ما أدركنا تقهقرا كبيرا حصل في معظم القطاعات خلال الفترة الماضية".
أمنيات خيالية
وأضاف، في حديثه لـ"سبوتنيك": "نظرا لعدم وجود موازنة خلال السنوات الماضية فقد اختفت الصناعة المحلية، وبسبب أزمة المياه والفساد تكاد تنعدم الزراعة، ناهيك عن وضع مروع منيت به الخدمات الأساسية للمواطن، ولذلك تبقى هذه أمنيات شبه خيالية أمام واقع مؤلم لا يشجع على تطبيق تلك الموازنة".
وتابع محمود: "الفساد هو أحد أهم العقبات أمام تطبيق تلك الموازنة على أرض الواقع، حيث ينتشر في كل مفاصل الدولة، وكذلك هيمنة الميليشيات على معظم واردات الدولة في الموانئ والمطارات ومعابر الحدود، حيث الفساد الهائل المحمي بفصائل مسلحة وميليشيات استطاعت أن تتغول حتى أصبحت دولة داخل دولة".
كردستان والموازنة
وحول مدى تأثر إقليم كردستان والملفات الخلافية بتلك الموازنة، يقول الباحث السياسي العراقي: "إقليم كردستان الذي يعتبر الأكثر ازدهارا ونهوضا، قياسا ببقية محافظات العراق، تم خفض نسبته من الموازنة العامة من 17 في المئة كما كان متفقا عليه في البداية، إلى 12.6 في المئة".
وأشار الخبير في الشؤون الكردية، إلى أنه ورغم موافقة الحزب الأكبر في الإقليم "الحزب الديمقراطي الكردستاني" على الموازنة، إلا أن مسعود بارزاني، رئيس الحزب، شكك في نوايا الحكومة بتطبيق مواد القانون، واتهم الكتل الرئيسية في الإطار التنسيقي بالانقلاب على الاتفاقيات والعهود مع الإقليم في بداية تشكيل حكومة السوداني، كما اتهم أطرافا داخل الإقليم وفي بغداد بمحاولة المساس بكيان الإقليم، حيث نجحت كتلة الحزب الديمقراطي في عدم تمرير إحدى فقرات الموازنة التي يعتبر البعض أنها تمس بالدستور، لكونها تمنح الحكومة الاتحادية التعامل المباشر مع إحدى محافظات الإقليم".
عقبات محتملة
من جانبه، يقول عمر الحلبوسي، الخبير الاقتصادي العراقي: "الحقيقية أن الموازنة العامة التي تم إقرارها لم تبشر بالخير للعراق وشعبه، بل تحمل الكثير من المخاطر التي ستلقي بظلالها على العراق واقتصاده الآخذ بالتدهور".
وأضاف الحلبوسي، في حديثه لـ"سبوتنيك": "تبدأ المخاطر التي تهدد الموازنة منذ إقرارها، على افتراض أن سعر برميل النفط (70) دولارا، على الرغم من أن المعطيات كلها تشير إلى أن أسعار النفط سوف تنحدر في ظل الكثير من المعطيات على الساحة الدولية".
وتابع الخبير الاقتصادي العراقي: "إضافة لما سبق، نجد أن الموازنة الجديدة كرست الاقتصاد الريعي المعتمد على النفط بنسبة 95 في المئة، وهذا يجعل الاقتصاد العراقي مرهون بأسعار النفط، فضلا عن التعيينات الكبيرة التي ستسهم في زيادة الطلب على المواد المختلفة، ما يعني ارتفاع الطلب على الدولار، وهذا سوف يؤدي إلى تراجع في قيمة الدينار العراقي أمام الدولار".
الركود الاقتصادي
وأشار الحلبوسي، إلى أن نسبة التضخم تزداد، وهي زيادة سوف تؤدي إلى حدوث ركود اقتصادي، ويضاف إلى ذلك العجز الكبير في الموازنة، الذي جاء بسبب ارتفاع النفقات الكبيرة من قبل الحكومة، وزيادة نفقات الرئاسات الثلاث والدرجات الخاصة التي فاقمت العجز بالموازنة، مضيفا: "لتغطية العجز فإنه يجب أن تقوم الحكومة بالاقتراض الخارجي والداخلي وهذا سوف يرهن العراق وأجياله القادمة".
ولفت الخبير الاقتصادي العراقي إلى أن الموازنة الجديدة تخلو من المشاريع التنموية والخدمية، التي من شأنها أن توفر الاحتياجات والخدمات الأساسية للمواطنين، مضيفا: "لذلك جاءت الموازنة مخيبة لآمال الشعب العراقي ولا تلبي الطموحات.
سقوط اقتصادي
وحذر عمر الحلبوسي من أن تلك الموازنة ستعرض العراق إلى خطر سقوط اقتصادي مميت، جراء الإهدار في الأموال وتبديد الثروات وعدم استغلال الموارد وتنويع مصادر الإيرادات، كما أن الموازنة أثبتت حجم الخلاف الكبير بين سياسيي كردستان والإطار في ظل تفاقم الصراع الدائم حول تقاسم الموازنة، وصراع المكاسب الذي جعل من الموازنة فريسة يتصارع عليها الموجودون في السلطة، بصورة تقود للتصادم وزيادة الصراعات والخلافات الكبيرة، التي ستؤثر على الشعب العراقي.
ووافق البرلمان العراقي، أمس الاثنين، على ميزانية عام 2023، التي تبلغ قيمتها 198.9 تريليون دينار عراقي (153 مليار دولار).
وتشمل هذه الميزانية إنفاقا قياسيا على رواتب الحكومة المتزايدة، ومشاريع تنموية تهدف إلى تحسين الخدمات وإعادة بناء البنية التحتية.
ووفقا للمشرعين ووثيقة الميزانية، فإنه من المتوقع أن يبلغ عجز الميزانية نحو 64.36 تريليون دينار عراقي، وهو مستوى قياسي مرتفع يفوق أكثر من مرتين عجز الميزانية المسجل في عام 2021.
وفي 13 مارس/ آذار الماضي، أقرت الحكومة العراقية مشروع قانون موازنة للأعوام الثلاث 2023 و2024 و2025 وإحالته إلى البرلمان للمصادقة عليه.