ضغوط أوروبية وموجات هجرة متزايدة.. ما خيارات تونس لمواجهة الأزمة؟

يعقد وزيرا الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان، ونظيرته الألمانية نانسي فيسر، خلال زيارة دبرت بشكل عاجل، لقاءات مع مسؤولين بالعاصمة تونس اليوم الأحد وغدا الاثنين، لمناقشة ملف الهجرة غير الشرعية.
Sputnik
وتأتي الزيارة بعد تأجيل زيارة المفوض الأوروبي لشؤون التوسع والجوار أوليفر فاريلي، والتي كانت مقررة يوم الجمعة 16 يونيو/ حزيران.
وتتعلق المباحثات بملف الهجرة غير الشرعية، خاصة مع تباين الرؤى حول آلية معالجة الأزمة، وهو ما تجلى في خطاب الرئيس التونسي قيس سعيد أكثر من مرة، إذ أشار أكثر من مرة إلى أن بلاده لا يمكن أن تؤدي دور الشرطي لأوروبا في مواجهة موجات الهجرة.

في 11 يونيو/ حزيران قدم زعماء من الاتحاد الأوروبي، اقتراحا يقضي بـ"تعزيز الشراكة" مع تونس عبر برنامج يشمل مساعدة مالية طويلة الأمد تبلغ قيمته 900 مليون يورو مدعوما بمساعدة إضافية بقيمة 150 مليون يتم ضخها في الميزانية، غير أن بعض البنود يبدو أن تونس لم توافق عليها، وهو ما دفع بالمسؤولين الأوروبيين لتكثيف الزيارات لتونس.

مقترحات أوروبا
ويتضمن المقترح زيادة الاستثمار في تونس، بما فيها قطاعات الطاقات المتجددة وتوسيع برنامج تبادل الطلاب "إيراسموس"، والقطاع الرقمي، ومكافحة "الأعمال المشينة" للهجرة غير الشرعية، وفق الخبراء.
وتضمن البيان المشترك الصادر عن تونس والاتحاد الأوروبي في 11 يونيو/ حزيران ما نصه "بخصوص عملنا المشترك بشأن الهجرة، فإن مكافحة الهجرة غير النظامية من وإلى تونس وتفادي الخسائر البشرية في البحر هي أولويتنا المشتركة، بما في ذلك مكافحة المهربين والمتاجرين بالبشر وتعزيز التصرف في الحدود والتسجيل وإعادة القبول في كنف الاحترام الكامل لحقوق الإنسان".
وهي الفقرة التي أثارت مخاوف الشارع التونسي من احتمالية قبول السلطات بتوطين المهاجرين في تونس، رغم تأكيد الرئاسة أكثر من مرة عدم الرضوخ لذلك.
ويرى بعض الخبراء أن تونس لن ترضخ للإملاءات الغربية، لكنها في النهاية يمكن أن تقبل بمقاربة تحقق رؤيتها، خاصة في ظل الأزمة الحالية، وذلك من أجل عدم الانفجار الداخلي المتوقع حال إغلاق الأبواب تماما أمام الهجرة الشرعية أمام التونسيين، وكذلك غير الشرعية.
قيس سعيد: تونس لن تكون حارسا لحدود أوروبا أو مكانا لتوطين المهاجرين
وقال غازي معلي المحلل الاستراتيجي التونسي تعليقا على زيارة الوزيرين اليوم إلى تونس، إن بلاده شهدت زيارات متعددة الفترة الأخيرة، حيث زارت رئيسة المفوضية الأوروبية ورئيسة الوزراء الإيطالية ونظيرتها الهولندية، تونس وقدمت الأولى مشروع اتفاق يتعلق بكيفية مواجهة الهجرة غير الشرعية.
وأضح أن المشروع الذي قدم تضمن بعض البنود التي لم يقبل بها الجانب التونسي، في حين أن الأطراف الأوروبية الأخرى أرادت المشاركة في آلية معالجة الملف مع تونس عبر مقاربة مغايرة ربما عن الرؤية الإيطالية.
ولفت إلى أنه "كان من المقرر أن يزور تونس الجمعة الماضية، المفوض الأوروبي لشؤون التوسع والجوار أوليفر فاريلي، غير أنها تأجلت وعوضت بشكل سريع بزيارة الوزيرين".
وتابع "هذه الزيارات المتعددة تؤكد أن الأطراف الأوروبية ترغب جميعها في مناقشة آليات معالجة الملف مع تونس".
ملفات عالقة
وفق الخبير التونسي، "فإن ألمانيا وفرنسا تريد تذكير تونس بالملفات العالقة الأخرى، المرتبة بالجوانب السياسية والاعتقالات وملف الحريات، حسب الرؤية الأوروبية، والتي تستخدمها أوراق ضغط على الجانب التونسي في النقاش حول ملف الهجرة غير الشرعية، والاتفاق المرتقب عرضه على اجتماع الاتحاد الأوروبي في 30 يونيو الجاري".
هل تسعى أوروبا لتحويل تونس إلى منطقة عازلة في وجه المهاجرين غير الشرعيين؟
وحذر معلي من اقتصار مقاربة الحل على الجوانب الأمنية، خاصة أن غلق الباب أمام عمليات الهجرة الشرعية وغير الشرعية دون تنمية وفرص عمل يؤدي إلى انفجار داخلي.

الرسالة مفادها بأن قضية الهجرة غير الشرعية يجب أن تناقش مع جميع الأطراف الأوروبية.

محاولة إقناع تونس
فيما قال العميد مختار بن نصر الخبير الأمني التونسي، إن الزيارة تهدف لإقناع تونس بالقيام بحرس حدود للاتحاد الأوروبي، وربما يقدمون اقتراحات بشأن التعاون الأمني، بينما الرؤية التونسية مختلفة تماما وتري الحل في توطين مواطني البلدان المعنية في بلدانهم، بتوفير تنمية اقتصادية واجتماعية واستثمار.
تونس اقترحت عقد مؤتمر تحضره كل البلدان الأفريقية والأوروبية المعنية بملف الهجرة والبحث بشكل مسؤول وتشاركي، في إطار حلول عملية تأخذ في الاعتبار مصالح الجميع.
ويشير الخبير الأمني إلى أن المؤتمر قد يعقد في إيطاليا، في حين أن الزيارة، جاءت لتؤكد الانشغال الأوروبي بالمسألة الخطيرة والسعي لإيجاد حلول أمنية عاجلة أولا، إلى حين ضبط الاقتراحات متعددة الأبعاد، التي يمكن أن تتولد عن المؤتمر المرتقب.
مواقف تونسية ثابتة
من ناحيته قال عبد القادر ساكري، الباحث والخبير السياسي التونسي، إن الزيارة ترتبط بالانعطافة القوية التي قام بها الرئيس قيس سعيد، برفضه الإملاءات الأوروبية وقواعد اللعبة المفروضة من قبل الغرب منذ 2011، التي سعت لتكون تونس شرطي المنطقة في وجه موجات الهجرة غير الشرعية.
تونس رفضت كل المحاولات خاصة منذ وصول الرئيس قيس سعيد للحكم، الذي شدد على ضرورة إيجاد سياسة جديدة للهجرة.
ولفت إلى أن "الرئيس قيس سعيد أكد لرئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني قبل أسبوع موقف تونس من قضية الهجرة غير الشرعية، وكذلك بشأن بعض القضايا الأخرى، وهو ما دفع بالوزيرين لزيارة تونس".

تونس ترفض أي إملاءات غربية بشأن معالجة أزمة الهجرة غير الشرعية، إذ تسعى تونس لشراكة استراتيجية لمعالجة الأزمة، دون أن تصبح مخيما للاجئين من الدول الأفريقية.

البنك الدولي يعلن ضخ نصف مليار دولار سنويا في تونس حتى عام 2027
وفق ساكري فإن الوزيرين ربما يقدمان بعض العروض للرئيس قيس سعيد، أو يناقشان مع الرئيس آليات معالجة الأزمة عبر مقاربة متفق عليها.
أوراق تونسية
ويشير ساكري إلى أن تونس لديها الكثير من الأوراق في قضية الهجرة غير الشرعية، كما أن رفضها لإملاءات وشروط صندوق النقد تدخل في نفس الإطار، الأمر الذي دفع بالمسؤولين الأوروبيين إلى زيارة تونس للبحث عن تقارب وتوافقات وتحقيق مكاسب مع الرئيس قيس سعيد.
مناقشة