وتتعالى التحذيرات من أن تصاعد الأوضاع بصورة أكبر سوف يضاعف الخسائر بصورة ربما يصعب تعويضها.
ما هي الخسائر المبدئية التي تكبدها السودان منذ اندلاع الصراع وكيف يمكن أن تتعايش البلاد حال استمرار التصعيد في مناطق المواجهات وامتدادها لمناطق أخرى؟
القطاع الزراعي
يقول محمد الناير، الخبير الاقتصادي السوداني، إن غالبية الإنتاج الزراعي في البلاد يعمل بصورة شبه طبيعية، حيث أن العاصمة الخرطوم والتي يدور بها الصراع لا تشكل سوى 5 في المئة من قاعدة الإنتاج الزراعي، وهناك 16 ولاية مستقرة في البلاد باستثناء الخرطوم وغرب دارفور.
وأضاف الناير في حديثه لـ"سبوتنيك": "رغم استقرار الغالبية العظمى من الولايات واستمرار الإنتاج الزراعي، إلا أن هناك بكل تأكيد عقبات تواجه القطاع الزراعي تأثرا بالوضع السياسي والعسكري الجاري، فقد تأثرت عملية تسويق الإنتاج الزراعي نظرا لأن الخرطوم والتي هى المستهلك الأكبر أصبحت خارج السوق، الأمر الذي دفع المزارعين إلى عرض سلعهم في ولايات أخرى بسعر أقل، ما تسبب في خسائر كبيرة للقطاع خلال الفترة الأخيرة".
وقال الناير: "هناك عقبات أخرى تواجه المزارعين خلال الفترة القادمة، تتمثل في عملية تجهيز الأرض للزراعة وما يتطلب من مواد بترولية للآلات وماكينات الري، علاوة على توفير البذور والسماد وغيرها من مدخلات الإنتاج".
وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن مرافق التصدير في شرق البلاد "بورتسودان" والتي يتم تصدير الإنتاج الزراعي والحيواني عن طريقها لم تتأثر كثيرا، حيث يعتمد السودان بصورة كبيرة على تصدير الماشية ويحتل مرتبة عالمية متقدمة، وتقدر ثروته بنحو 110 مليون رأس ويسهم بنسبة كبيرة في الدخل القومي للبلاد، وتتركز نسبة 97 في المئة من الثروة الحيوانية تقريبا في الولايات الأخرى بعيدا عن الخرطوم، ولذلك فهي لم تتراجع "إنتاجيا" بسبب الاقتتال، لكن تتأثر بكون العاصمة "أكبر سوق استهلاكي".
وقدر الناير خسائر قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية بمليار دولار، مرجعا ذلك إلى الجوانب الاستهلاكية والتسويقية وليس الإنتاجية.
من الأكثر تضررا؟
وحول مدى تأثر القطاع الصناعي بالحرب الدائرة، يقول الناير إن القطاع الصناعي كان يعاني من العديد من التعقيدات، قبل الحرب، على رأسها إشكالية الطاقة والقوى المحركة وارتفاع تكلفة الإنتاج، حيث لا تتوفر الطاقة الكهربائية اللازمة لتدوير عجلة الإنتاج بصورة كاملة، علاوة على نقص المواد الخام لبعض المنتجات، أضف إلى ما سبق عمليات الدمار بعد الحرب التي لحقت بالقطاع نتيجة النهب والسلب والتخريب، لذا يعد القطاع الصناعي الأكثر تضررا من الحرب، وقد تصل خسائره إلى 3 مليار دولار.
وأوضح الناير أنه لا يمكن تحديد الخسائر بشكل دقيق إلا بعد توقف العمليات العسكرية وإجراء إحصاء شامل وحصر دقيق لكل القطاعات التي تأثرت بالحرب سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، مشيرا إلى أن السودان يصدر بما يقارب خمسة مليارات من المعادن نصفها من الذهب، وبعد توقف مطار الخرطوم يمكن التصدير عبر موانئ الشرق في البحر الأحمر، حيث أن عمليات إنتاج الذهب لم تتأثر لأنها بعيدة عن الصراع.
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن الصمغ العربي هو أحد القطاعات المتضررة نتيجة للحرب، نظرا لتركز إنتاجه في الخرطوم ودارفور حيث المعارك الضارية، ويؤكد على أن السودان لم يحسن استخدام الصمغ العربي بشكل كبير رغم عدم وجود مثيلا له في العالم من حيث الخصائص، فالعائد منه ما بين 150 إلى 200 مليون دولار، ويفترض أن يكون الرقم بمليارات الدولارات.
خسائر تقدر بـ 15 مليار دولار
من جانبه، يقول أبوبكر الديب، الباحث المصري في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي، أنه وفقا للحصر غير الرسمي حتى الآن يمكن تقدير حجم الخسائر التي تكبدها الاقتصاد السوداني جراء الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع بما لا يقل عن 15 مليار دولار.
وأضاف الديب في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن "السودان ينزف والصراع يقترب من اللاعودة والوضع الإنساني يزداد قسوة مع استمرار الحرب بين طرفي النزاع في البلاد، وأن الأمم المتحدة والمنظمات المانحة تكافح لإيصال الإمدادات الغذائية للمتضررين وما أكثرهم، رغم أن السودان من أغنى الدول العربية والأفريقية من حيث ثروته الزراعية والحيوانية والمعدنية، فضلا عن أنه أكبر بلد في العالم إنتاجا للصمغ العربي".
الغذاء العالمي
وأشار الديب، إلى أن تصاعد الحرب بين الجيش والدعم السريع من شأنه أن يدفع الناتج المحلي الإجمالي للتراجع، فضلا عن تعطل عمل برنامج الغذاء العالمي، والإضرار بملايين السودانيين، بعد أن كانت توقعات صندوق النقد الدولي للنمو الاقتصادي تشير إلى نسبة 1.2 في المئة، وفي حال استمرار التصعيد المسلح ، فإن مؤسسات التمويل الدولية لن تفرج عن أي مساعدات، فضلا عن انهيار البنية التحتية للدولة، وشلل كافة المرافق وتوقف برامج الدعم الإنساني مع الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات مما يهدد بأزمة جوع كبيرة.
وتوقع الباحث في الاقتصاد السياسي، أن يؤدي الصراع العسكري الدائر حاليا بالسودان إلى أزمة اقتصادية طاحنة بالسودان قد تمتد آثارها إلى 7 دول مجاورة و13 دولة قريبة منها، بعدد سكان لا يقل عن 750 مليون نسمة، على رأسها ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا وأريتريا.
وأعلن بيان سعودي أمريكي مشترك، السبت الماضي، أن ممثلي القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع قد اتفقوا على وقف لإطلاق النار في أنحاء السودان لمدة 72 ساعة، اعتبارا من الساعة السادسة من صباح يوم الأحد 18 يونيو/ حزيران بتوقيت الخرطوم.
وتدور منذ 15 نيسان/ أبريل الماضي، اشتباكات عنيفة وواسعة النطاق، بين قوات الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع، في مناطق متفرقة من السودان، تركزت معظمها في العاصمة الخرطوم، مخلفة المئات من القتلى والجرحى بين المدنيين، في حين لا يوجد إحصاء رسمي عن ضحايا العسكريين من طرفي النزاع العسكري.