واستيقظ العالم، صباح الأربعاء الماضي 14 يونيو/ حزيران، على غرق مركب كان يحمل على متنه نحو 750 شخصا، قبالة شبه جزيرة بيلوبونيز اليونانية، وقال مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إن نحو 500 شخص لا يزالون في عداد المفقودين، بينما تم العثور على جثث نحو 78 مهاجرا، وقالت السلطات اليونانية إنه تم إنقاذ 104 مهاجر، وتتضاءل الآمال في العثور على المزيد من الناجين.
ورغم تكرار هذه المآسي، إلا أن الكثير من الشباب خاصة في دول العالم الثالث يسعون إلى الهجرة بأي طريقة حتى لو كانت مخاطرها كبيرة.
ارتفاع نسبة المهاجرين
في أبريل/نيسان الماضي، أفادت وكالة أمن الحدود التابعة للاتحاد الأوروبي "فرونتكس" بارتفاع الهجرة غير الشرعية إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 26% على أساس سنوي.
وسجلت وكالة "فرونتكس" 54 ألف حالة عبور غير شرعية عبر طرق مختلفة من حدود الدول التي تنتمي إلى الاتحاد الأوروبي، في الربع الأول من هذا العام، مما يمثل زيادة بنسبة 26% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022.
وأضافت الوكالة أن طريق وسط البحر المتوسط هو الأكثر استخداما في الربع الأول من العام، حيث سجلت نحو 28 ألف حالة عبور غير قانونية للحدود، أي ثلاثة أضعاف ما كان عليه الوضع في العام السابق.
وأفادت بيانات إيطالية بأن أكثر من 24 ألف مهاجر غير قانوني وصلوا إلى السواحل الإيطالية قادمين من تونس منذ مطلع العام حتى 2 مايو/ أيار الماضي، بمعدل 200 شخص يوميا وبزيادة تفوق نسبة الألف في المئة عن نفس الفترة من العام الماضي.
وبرزت ظاهرة الهجرة غير الشرعية منذ نهاية التسعينيات وبدأت تشكل تهديدا خطيرا على دول المصدر، ودول العبور، ودول الاستقبال أيضا.
أسباب الهجرة غير الشرعية
"لا يزال آلاف المهاجرين يموتون كل عام سعياً وراء ما نسعى إليه جميعاً، الفرص والكرامة والحياة الأفضل. يجب أن نفعل المزيد لمنع الخسائر في الأرواح كضرورة إنسانية والتزام أخلاقي وقانوني"، هذا ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، خلال كلمته أمام المنتدى الدولي الأول لاستعراض الهجرة والذي عقد في المقر الدائم في نيويورك، ملخصا الأسباب التي تدفع البشر إلى الهجرة بشكل عام، والهجرة غير القانونية (غير الشرعية) بشكل خاص.
وبحسب الدراسات التي أجريت على الأسباب التي تدفع الشباب إلى الهجرة غير الشرعية، تم رصد العديد من الأسباب التي تتعلق أغلبها بالظروف الصعبة التي تعيشها الدول المصدرة للمهاجرين، سواء كانت هذه الظروف سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو دينية.
وأكدت معظم الدراسات أن دوافع الهجرة تتلخص في عوامل الطرد في البلد الأصلي وعوامل الجذب في البلد المستقبل.
وبحسب دراسة بعنوان "إشكالية الهجرة غير الشرعية.. دراسة تحليلية نقدية في المفاهيم والأسباب والحلول"، تختلف الأسباب التي تدفع الأفراد إلى الهجرة غير الشرعية، ومن بينها الأزمات الاقتصادية سواء المحلية أو الدولية والتي تؤدي إلى نزوح أعداد كبيرة من الأفراد والجماعات للانتقال من بلدانهم إلى بلدان أخرى تتيح لهم فرص العمل والصحة والسكن والتعليم.
وكذلك تؤدي الأزمات السياسية والأيديولوجية للطبقات المختلفة في الدولة الواحدة مما يؤدي إلى تهميش طبقة على حساب طبقة أخرى سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، وبالتالي تصبح الإقامة في هذه الدولة صعبا وعليه يقرر الأفراد الهجرة.
وتؤدي أيضا الحروب والصراعات الأهلية والعنف الذي تتعرض له الأقليات الدينية والعنصرية، إلى الهروب من هذا الواقع إلى أماكن بها بعض الأمان.
وهناك أسباب أخرى مثل الأمراض والأوبئة والفقر المدقع من الأسباب الرئيسية وراء الهجرة، وكذلك انتشار البطالة وتدني القدرة الشرائية للفرد الذي لم يجد أمامه سوى أن يغامر بحياته بطرق مشروعة وغير مشروعة ليحقق نوعا من الاستقرار والأمن.
وحول هذا الموضوع، قال أستاذ علم الاجتماع السياسي الدكتور سعيد صادق إن "الهجرة غير الشرعية ظاهرة اقتصادية واجتماعية وسياسية ضربت البلدان بسبب الفقر وعدم الاستقرار السياسي، فضلا عن عوامل الجذب في الدول الغنية التي يتوجهون إليها، والشهادات الإيجابية لمن خاضوا التجربة".
وأضاف صادق في حديث مع "راديو سبوتنيك": "تستغل عصابات التهريب هذه الفرصة لبيع الحلم والوهم للشباب الذي يعاني من عدم وجود فرص عمل، ومن غياب أي مستقبل في الأفق، وتظل دائما دوافع الهجرة أقوى من أي محاولات لمنعها".
خطورة على الجميع
وتمثل الهجرة غير الشرعية خطورة على جميع أطرافها بداية من المهاجر الذي تكون رحلته محفوفة بالمخاطر والتعامل مع عصابات التهريب التي لا يهمها سلامته، وحتى مع وصولهم إلى الدول المستقبله يتم استغلالهم من أصحاب الأعمال كونهم موجودين بشكل غير شرعي ومهدددين بالترحيل دائما ولذلك يقبلون العمل في ظروف سيئة وبأجور أقل من الأجور المنصوص عليها في هذه الدول.
وهناك مشكلة أيضا للدول المصدرة للمهاجرين والتي تضرر من هجرة مواطنيها ما يكون له تأثير كبير عليها نتيجة لفقدان القوة البشرية، خاصة مع تطور نمط الهجرة غير الشرعية المعاصرة من هجرة فئة الذكور القادرين على العمل إلى هجرة فئة النساء والأطفال أيضا.
وعادة ما تتسبب هذه الهجرات إلى توتر العلاقات السياسية بين دول العبور ودول المصدر ودول الاستقبال، وتحمل التكاليف الأمنية الباهظة.
مسؤولية الغرب عن الهجرة
تشير الكثير من الدراسات إلى أنه من بين الأسباب التي أدت إلى الهجرة غير الشرعية هي الحروب والصراعات والتدخل الأجنبي في أجزاء كثيرة من القارة الأفريقية منذ أواخر الثمانينات، والذي أدى إلى عدم الاستقرار السياسي في المنطقة بكاملها، مما تسبب في تدهور الأوضاع في كافة جوانب الحياة للمواطن الأفريقي الذي قرر المغامرة بطرق مشروعة وغير مشروعة ليترك بلده بحثا عن الاستقرار والأمن.
وتؤكد الدراسات أنه في العقود الأخيرة لوحظ زيادة الهجرة غير الشرعية في أفريقيا مثلا بسبب الاضطرابات السياسية الداخلية المتزايدة، والنزاعات الخطيرة، وسوء التفاهم الناشىء بين الدول الأفريقية المجاورة بسبب الحدود والثروات الطبيعية، والتي يعود جزء مهم من هذه الاضطرابات والنزاعات إلى مخلفات الاستعمار الأوروبي.
وقال المحلل السياسي والاستراتيجي الدكتور علاء الأصفري، في حديث مع "راديو سبوتنيك" إن "الولايات المتحدة مسؤولة عن تدمير المقدرات الاقتصادية للعديد من البلدان بسياساتها التوسعية، وعندما خلقت التنظيمات الإرهابية ثم احتلت أقسام من البلاد بزعم مكافحة هؤلاء الإرهابيين كانت تدبر حينها مؤامرة رخيصة للسيطرة على موارد هذه البلدان".
وتابع الأصفري: "يشمل ذلك الدمار الذي لحق بالعراق وأفغانستان والحصار الاقتصادي لسوريا، ومحاولات السيطرة على خيراتها بأشكال مختلفة، وكل الإجراءات القسرية التي وصلت بعدد من يقعون تحت خط الفقر في سوريا إلى 92 في المئة".
الضحايا بالآلاف
في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلنت المنظمة الدولية للهجرة وفاة أكثر من 50 ألف شخص في جميع أنحاء العالم خلال رحلات الهجرة منذ أن بدأ مشروع المهاجرين المفقودين التابع للمنظمة الدولية للهجرة في توثيق الوفيات في عام 2014.
وأشار التقرير الأممي إلى أنه هناك أكثر من 30 ألف شخص في سجلات مشروع المهاجرين المفقودين هم من جنسيات غير معروفة، مما يشير إلى أن أكثر من 60% من الذين يموتون على طرق الهجرة لا يزالون مجهولي الهوية.
وأوضح التقرير أن من بين المهاجرين المفقودين الذين أمكن تحديد جنسياتهم، كان أكثر من 9,000 من الدول الأفريقية، وأكثر من 6,500 من آسيا و3,000 من الأمريكتين.
وبحسب التقرير، وقع أكثر من نصف حالات الوفيات الفردية التي تم توثيقها (50 ألف حالة وفاة) على الطرق المؤدية إلى أوروبا وداخلها، حيث أودت طرق البحر الأبيض المتوسط بحياة 25,104 شخصا على الأقل.
ولفت إلى أن الطرق الأوروبية تشكل أيضا أكبر عدد ونسبة من الأشخاص المفقودين والمفترض أنهم لقوا حتفهم، حيث تم تسجيل ما لا يقل عن 16,032 مفقودا في البحر ولم يتم العثور على رفاتهم مطلقا.