وفق مصادر تونسية، فإن عمليات الترحيل تشمل نحو 7 آلاف مهاجر يقيمون بطريقة غير شرعية على الأراضي التونسية من أصل 21 ألف من دول أفريقيا جنوب الصحراء، وأن الترتيبات لترحيلهم تتم مع سفاراتهم.
وشهدت مدينة صفاقس الساحلية توترات واشتباكات بين الشرطة والأهالي، بعد مقتل المواطن التونسي نزار العمري، قبل أيام، طعنًا على يد مهاجرين غير نظاميين من دول أفريقيا جنوب الصحراء.
وفق المصادر التونسية، فإن الأوضاع عادت لطبيعتها في المدن التي شهدت توترات، غير أن السلطات التونسية، تعمل على ترحيل الآلاف من المهاجرين خلال الوقت الراهن.
واعتقلت الشرطة، وسط الاضطرابات التي حدثت في وقت متأخر من يوم الثلاثاء، بعضا من المهاجرين ورحلتهم حتى الحدود الليبية التي تبعد ما يزيد عن 300 كيلومتر.
أزمة مركبة
وفق خبراء لـ"سبوتنيك"، فإن الأعداد الكبيرة للمهاجرين غير النظاميين باتت تمثل أزمة أمنية للبلاد، خاصة في ظل تجمعاتهم في أماكن بشكل كبير، مما يشكل تحديات أمنية، إثر الجرائم التي يرتكبونها، والأعمال غير المشروعة التي يعملون فيها من تهريب واتجار بالمواد المخدرة وغيرها من المخالفات.
وتعيش تونس منذ فترة أزمة متفاقمة، بسبب أعداد المهاجرين الذين يأتون عبر حدوها مع ليبيا أو الجزائر، وفق الخبراء.
عودة الأوضاع لطبيعتها
قالت الدكتورة بدرة قعلول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية، إن الأوضاع في مدينة صفاقس عادت إلى طبيعتها بعد التوترات التي وقعت إثر حادثة طعن مواطن تونسي على يد أحد المهاجرين.
وأضافت في حديثها على "سبوتنيك"، أن نحو 79 شخصا من المهاجرين و4 توانسة جرى إيقافهم الأيام الماضية، خاصة أن القانون التونسي يجرم إيواء المهاجرين غير الشرعيين بطريقة غير نظامية.
ولفتت قعلول إلى أن تطبيق القانون يشمل كل من تعاون أو سهل دخول المهاجرين غير النظاميين بطريقة غير شرعية، سواء من مواطنين أو أمنيين أوكلت لهم مهمة حراسة الحدود.
ترحيل المهاجرين
وفق رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية، فإن السلطات التونسية رحلت نحو 1200 من المهاجرين غير النظاميين من دول جنوب الصحراء، عبر الحدود، كما يتم العمل على ترحيل نحو 3 آلاف خلال الأيام المقبلة، لافتة إلى أن الأمر ينطبق على المهاجرين الذين دخلوا بطريقة غير نظامية، ولا يمتلكون أية وثائق.
أرقام مخيفة
ولفتت قعلول إلى أن نحو 21 ألف من دول جنوب الصحراء، حسب تقرير صدر في مارس/ آذار 2023، يوجدون على الأراضي التونسية، منهم نحو 7 آلاف من الطلبة وأصحاب المشروعات ويتمتعون بظروف ملائمة نظرا لحصولهم على الإقامة، والجزء الثاني من طالبي اللجوء السياسي ويبلغون نحو 6 آلاف من طالبي اللجوء، وتتعامل معهم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
وأوضحت أن الأعداد المتبقية (8 آلاف) هم من المهاجرين غير النظاميين، منهم من تجاوزت تأشيرته الفترة القانونية، ومنهم من عبر الحدود بطريقة غير شرعية.
وبشأن عمليات الترحيل، لفتت إلى أن السلطات تقوم بعملية الترحيل في ظروف تتوافق مع حقوق الإنسان، في ظل مطالب شعبية ورسمية بضرورة ترحيل كل من يقيمون بطريقة غير شرعية ولا يخضعون للآليات القانونية للإقامة في تونس.
تأكيدات رسمية
وفي أكثر من تصريح له، أكد الرئيس التونسي قيس سعيد أن بلاده لن تكون شرطيا لأوروبا، كما أنه لا يمكن توطين المهاجرين في تونس.
وشدد سعيد على ضرورة حل الأزمة مع الدول الأوروبية، بمقاربات أخرى إلى جانب المعالجة الأمنية.
وأعلن النائب عن جهة صفاقس وعضو مؤسس لكتلة "الأحرار" في مجلس النواب التونسي، معز برك الله، أمس الأربعاء، ترحيل نحو 1200 مهاجر غير شرعي من دول أفريقيا جنوب الصحراء منذ أول أيام عيد الأضحى.
أزمة معقدة
من ناحيته، قال العميد مختار بن نصر الخبير الأمني التونسي، إن وجود مجموعات كبيرة من الأفارقة القادمين في إطار الهجرة غير النظامية إلى تونس، وفي بعض المدن مثل صفاقس، أصبح "مشكلا عويصا" يستدعي حلولا عاجلة، بالاشتراك مع الدول التي المعنية بالملف.
في حديثه مع "سبوتنيك"، يوضح بن نصر أن "قرار السلطات التونسية بترحيل البعض منهم خص من لا يحملون تصاريح أو وثائق دخول إلى البلاد، بعد الاعتداءات المتكررة لبعض الأفارقة على تونسيين، واعتداء تونسيين أيضا على بعض الأفارقة".
جهود أمنية
ولفت إلى أن عمليات التصدي للعصابات التي تشتغل في تهريب هؤلاء المهاجرين نحو تونس مستمرة رغم وجود الأعداد الكبيرة بالبلاد.
على المستوى الحكومي، يقول الخبير إن" مجهودات للبحث على حلول جذرية مع بعض الشركاء الأوروبيين والأفارقة، تقوم بها الحكومة التونسية، مع التأكيد على رفض توطينهم، أو أن تصبح تونس حارسا لأوروبا".
وفق بن نصر، ترى تونس أن "معالجة الأزمة عبر الحلول متعددة الأبعاد، الاجتماعية والتنموية والاقتصادية، وعدم اقتصارها على الحل الأمني فقط".
واعتبر أن ملف الهجرة غير النظامية يشكل تحديا حقيقيا للجهات الأمنية التونسية، والتي باتت مطالبة باتخاذ إجراءات حازمة وعاجلة، لايقاف عمليات التسلل إلى تونس، عبر الحدود، والبحث عن حلول جذرية للأزمة مع كل الشركاء الدوليين.
إرباك المجتمع التونسي
في الإطار ذاته، قال الخبير الأمني العميد علي الزمرديني، إن تونس تعيش أزمة حقيقية بشأن تواجد المهاجرين غير النظاميين في العديد من المدن بصورة كبيرة.
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن "الأفعال الإجرامية" التي يقومون بها أربكت المجتمع التونسي، وهي ناتجة عن العديد من الأخطاء السياسية للأطراف التي قادت البلاد منذ الانتفاضة الشعبية في 2011، خاصة الإجراءات المتخذة ضمن إطار مفاهيم المنظمات الحقوقية التي تبناها الرئيس الأسبق منصف المرزوقي، الذي أزال مفهوم التأشيرة لفائدة بعض الدول في جنوب الصحراء، بينما شددها على دول عربية أخرى.
ولفت الزمرديني إلى أن التراكمات منذ فترة المرزوقي مع تقلبات الوضع، دفعت نحو أزمة راهنة، تتمثل أوجهها في بعض الجرائم التي يرتكبها المهاجرون نتيجة العديد من العوامل.
مواجهات مع الأهالي
ولفت إلى أن الأوضاع التي فرضها هؤلاء المهاجرون غير النظاميين في بعض المناطق دفعت الأهالي إلى مواجهات معهم، أدت إلى مقتل الشاب التونسي، كما دفعت السلطة إلى ترحيل اللاجئين بطريقة أو أخرى، من خلال التنسيق مع سفاراتهم، أو الترحيل الإجباري.
ويرى الزمرديني أن بعض مقاربات الحل تتمثل في تسوية أوضاع المهاجرين غير النظاميين قانونيا، في ظل ضرورة التحرك مع الدول الجارة ومنها ليبيا والجزائر، حيث تدخل الأعداد الكبيرة عبر الحدود المشتركة.
وكانت السلطات التونسية أعلنت الثلاثاء الماضي مقتل تونسي من مواليد 1981، طعنا بآلة حادّة، مساء الاثنين بمنطقة ساقية الدائر، وذلك بعد تجدد أعمال شغب وعنف بين مواطنين ومهاجرين أفارقة من دول جنوب الصحراء.