أجرت "سبوتنيك" مقابلات مع شباب مقبلين على الزواج وباحثين اجتماعيين حول تقاليد وتكاليف الزواج في مصر وعلاقتها بتراجع نسب الزواج بين الشباب.
نسب الزواج بين المصريين منذ 2009
ورصد تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تسلسلا زمنيا لمعدلات الزواج بين الشباب المصريين، خلال الفترة من 2009 حتى 2021.
ويقارن التقرير بين عدد الشباب المصري الذين يتزوجون سنويا مقابل كل ألف نسمة من السكان.
وبحسب التقرير، فإن المعدل في 2009، كان أقل من 10 حالات زواج لكل ألف نسمة.
وخلال الفترة من 2010 حتى 2012، أصبح المعدل أكثر من 11 حالة زواج لكل ألف نسمة.
في 2013، تراجع معدل الزواج لأقل من 11 حالة زواج لكل ألف نسمة، ثم ارتفع لـ 11 حالة في 2014.
وفي 2015 و2016، تراجع معدل الزواج ليصبح بين 10 و11 حالة زواج لكل ألف نسمة.
من 2017 حتى 2019، استمر تراجع نسب الزواج بين المصريين لتتراوح بين 9 و10 حالات زواج لكل ألف نسمة.
وفي عام 2020، انخفض معدل الزواج في مصر لأقل من 9 حالات سنويا لكل ألف نسمة واستمر التراجع في 2021.
كيف تسهم الدولة في تيسير الزواج؟
تقول الباحثة الاجتماعية انتصار بدر: "الحقيقة أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تعامل بشكل ذكي جدا مع البنوك لحل مشكلة الشقق السكنية لمحدودي ومتوسطي الدخل، فبعد توقفت هذه البنوك عن التعامل مع الشركات العقارية الكبيرة، وجهها الرئيس ناحية الاستثمار في مساكن الاسكان الاجتماعي، وهو خطة نابعة من إدراكه لمشكلة الإسكان رهيبة في مصر".
وتابعت لـ "سبوتنيك": "كان السيسي مدركا للإقبال غير العادي على شقق الإسكان الاجتماعي، وهو ماتم، فهو يقدم شقق إسكان ليست رخيصة، لكنها بالتقسيط، فتخيل أنك بمقدم 25 ألف جنيه، تحصل على شقة بقسط شهري يتراوح بين 500 جنيه إلى 2000 جنيه.
مبادرة فحص المقبلين على الزواج
ومن جهة أخرى، أطلقت الحكومة المصرية في مطلع العام الجاري مبادرة رئاسية لفحص المقبلين على الزواج، التي تتضمن إجراء حزمة من الفحوصات الطبية للتأكد من خلو الزوجين من الأمراض، التي يمكن أن تؤثر على صحتهم في المستقبل، حسبما ذكر موقع "الهيئة العامة للاستعلامات" المصرية.
ويقول مصطفى مستقيم، خطيب بالأوقاف واستشاري أحوال شخصية: "يجب أن نستوعب أن الزواج رمز للعفة، ولو كان أحد يستطيع أن يستغني عن الزواج لاستغنى عنه الرسل والأنبياء، لكنه من حسنة الدنيا أن نوفق في اختيار المرأة الصالحة، وإذا كان الشاب يسعى لذلك فينبغي أن تذلل أمامه الطرق قدر المستطاع".
وتابع: "اليوم نرى الشاب مع كثرة أعباء الزواج، لا يستطيع أن يتزوج إلا إذا ابتغى نفقا في الأرض أو سلما في السماء".
كُلفة الزواج
يقول فارس أنور، شاب مقبل على الزواج: "أصبح الأمر صعب جدا بالنسبة لكل شاب في سني، ليس لديه شقة سكنية، وهناك أيضا أثاث ومفروشات وتكلفة حفل الزفاف، وكذلك المصوغات الذهبية… الموضوع صعب جدا، وإذا قمنا بحساب ميزانية الزواج سنجدها تتعدى النصف مليون جنيه".
أما الشاب أحمد مصطفى، وهو أحد المقبلين على الزواج أيضا، فيقول: "المجتمع المصري يقوم بأشياء معقدة في الزواج، مثل جلسة الاتفاق على المفروشات والأثاث، لكن الأصح هو أن يشتري كل من الطرفين ما يستطيع وفقا لإمكانياته"، مضيفا: "الأمر تحول لعملية بيع وشراء، ولهذا فالشباب ينتظرون سنوات طويلة لتجهيز شقة الزوجية وتكاليف الزواج".
ويضيف: "إذا كنت تملك شقة سكنية أو ستسكن في شقة بنظام الإيجار الجديد، فنصف ما تبقى من تكلفة سيخصص للأثاث".
كيف تؤثر المغالاة في تكاليف الزواج على المجتمع؟
يقول فتحي كامل، صانع أثاث: "الشاب المقبل على الزواج يكون لديه دخل بسيط، وأمام ذلك مطلوب منه شبكة ومصوغات ذهبية ومهر وشقة وأثاث وحفل زفاف، والفستان والكوافير والبدلة، وكل هذه الأمور تمثل كابوسا للعريس، يجعله يعزف عن الزواج".
وتابع: "المغالاة في تكاليف الزواج سيكون سبب في زيادة نسبة العنوسة، وارتفاع نسب الجريمة والانحراف والتحرش، وسلوكيات وظواهر اجتماعية سلبية كثيرة تظهر بالمجتمع لأن الشاب رد فعله الطبيعي سيكون بالسلب حين يجد نفسه عاجزا عن الشكل الطبيعي للحياة".
تكاليف الأثاث الباهظة
وأوضح صانع الأثاث المصري: "بعض الأسرة لديها عشق وحب للأخشاب الطبيعية في صناعة الأثاث الخاص بفتياتهم أثناء الزواج، ولا يوافقون على الأخشاب الصناعية، والحقيقة أن هذه السلوكيات في الزواج هو مجرد نوع من المغالاة".
وتابع: "بحكم خبرتي في هذا المجال، فأنا أؤكد أن الشكل واحد تقريبا ومعظم الأسر لا تستطيع التفرقة بين الأثاث المصنوع من خشب طبيعي وخشب صناعي، والفارق في الخامة والمتانة ليس كبيرا للدرجة، لكن فارق التكلفة على الشاب المقبل على الزواج كبير جدا، ولذلك أرى أنه نوع من أنواع الإرهاق المادي غير المنطقي على الشباب".
أزمة السكن
وحول أزمة السكن قال الشاب كريم محمد: "جميع الشباب يرغبون في أن يكون له شقة خاصة، وجميعنا نحلم باليوم الذي لا يطرق فيه مالك العقار بابنا لتحصيل إيجار الشقة التي أسكنها وأسرتي، بل إني أحلم ألا يطرق محصلي فواتير الكهرباء والمياه والغاز بابي.
وتابع: "لكن ظروف الشباب لا تسمح بذلك، وبما أني مقبل على الزواج، فأبحث الآن عن شقة، وحين تحدثت مع سمسار العقارات سألني عن حالتي المادية، فأجبت أنني مثل كل الشباب".
ويعلق ابراهيم عيسى، سمسار عقارات: "أكبر مشكلة تواجه الشاب الذي يتحدث إلى للبحث عن شقة، أنه حين يسأل عن شقة سكنية فيجد الأسعار مرتفعة جدا فيصدم، سواء كان يبحث عن شقة تمليك أو شقة بنظام الإيجار مفتوح المدة، فيلجأ في النهاية للبحث عن شقة بنظام الإيجار الجديد قصير المدة، وبالطبع معظم الأسر لا توافق على تزويج فتياتها لشباب يسكنون شقق سكنية بنظام الإيجار الجديد قصير المدة، إلا من يبحث عن شاب ذو خلق ودين للزواج من ابنته على أي حال".
لكن كريم محمد يرى أنه "حتى إن استطاع الشاب أن يحصل على شقة بنظام الإيجار متوح المدة، فلا تزال أمامه عقبات كبيرة، بدءا من تجهيز الشقة، فحتى إذا كان ذلك بأرخص الأسعار والتجهيزات، فإن التكلفة تصل لـ 100 ألف جنيه، وهو مبلغ يجلعك تفكر هل أفتح مشروعا جديدا أم أخسرهم في شقة سكنية".
ويضيف: "إذا قمت بعمل مشروع وانتظرت نجاحه سيبلغ عمرك 99 عاما قبل أن تتمكن من الزواج".
المشغولات الذهبية مشكلة أخرى
وحول مشكلة تكاليف المصوغات الذهبية في مصر، تقول الباحثة الاجتماعية انتصار بدر: "في الصعيد مشكلة المصوغات الذهبية هي عقبة كبيرة جدا، فالسكن والأثاث ليس عقبة لأن معظم المتزوجين يسكنون في بيت أهل العريس، لكن الأسر تطلب مصوغات ذهبية بكميات كبيرة جدا.
وعلق محمد أمين، مسؤول مبيعات بشركة مصوغات ذهبية: "شركات الذهب اتجهت لصناعة مصوغات ذهبية خفيفة الوزن، تناسب ظروف الشباب، فهي خفيفة وفي نفس الوقت تصميمها ضخم.
ما هي الأشياء التي يمكن الاستغناء عنها لتخفيف تكاليف الزواج؟
وأضاف أمين: "أرى أن هناك أشياء كثيرة يمكن الاستغناء عنها في الزواج، فليست هناك ضرورة لشراء 100 فوطة للحمام مثلا، كما أنه ليس هناك ضرورة لشراء كمية كبيرة من الذهب، باستثناء خاتم الزواج الذي نطلق "دبلة الخطوبة" الذي يمثل شيئا أساسيا".
ويضيف كريم محمد: "يمكن أن نستغني عن أشياء كثيرة في تكاليف الزواج، ففي البداية يمكن الاستغناء عن الذهب، باستثناء الدبلة، التي تصل تكلفتها أيضا إلى 7 آلاف جنيه".
وتابع: "بعد الذهب لدينا مصروفات وتكاليف كبيرة، ويجب أيضا أن نلغي فكرة حفل الزفاف، ونكتفي بكتابة عقد القران فقط".
وفي ذات السياق يتحدث صانع الأثاث فتحي كامل، الذي أوضح أن هناك تقاليد خاطئة في عادات الزواج، ومنها، على سبيل المثال، "النيش" وهو قطعة أثاث لحفظ الأطباق والكؤوس، وليس لها أي دور آخر، وتكلف عشرات الآلاف من الجنيهات".
ويتابع: "يجب على الأسر أن تلغي هذه التكاليف، وأن تختصر الأثاث على الأشياء التي نستعملها في حياتنا اليومية، وأن نتنازل عن تلك التكاليف لعدم تأخير الزواج".
ويوافقه في ذلك خطيب الأوقاف مصطفى مستقيم، الذي يؤكد أن هذه القطعة من الأساس ليس لها أي فائدة، ويتسائل: "إذا كانت الأسرة لديها 5 فتيات على سبيل المثال، فكيف ستقوم بتجهيزهم للزواج".
ويضيف: "إذا استغنينا عن التكاليف غير الضرورية سيصبح معظم الشباب متزوجين".
أما محمد أمين، مسؤول مبيعات بشركة مصوغات ذهبية، فقال أن أهم شيء في الزواج هو تحقيق الاستقرار، ومن ناحية السكن يمكن أن نتجه للإيجار المفتوح المدة أو الإيجار المؤقت بمدد طويلة، أما فيما يخص قائمة المنقولات الزوجية، فأنا أرى أن مكونات كبيرة من مكونات قائمة المنقولات توضع فقط للتفاخر، ويمكننا أن نختصر كل تلك المنقولات فيما نحتاجه يوميا فقط، وأن تقتصر شروط الزواج فقط على أن يكون الشاب جيد الخلق.
ويدعم هذه الفكرة قول الباحثة الاجتماعية انتصار بدر، التي توجه نصيحة للأسر تقول فيها إنه يجب على الجميع أن يدركوا أن الزواج حياة، والأهم من تكاليفه هو الوصول للتوافق بين الزوج والزوجة، وأن يكونا قادرين على التفاهم واحترام كل طرف للآخر.
وفي ذات السياق يقول فارس أنور، شاب مقبل على الزواج، إنه لا داعي لحفل الزفاف، ولا داعي لاشتراط وجود شقة تمليك لدى العريس، بينما يقول الشاب أحمد مصطفى، إنه يمكن الاستغناء عن تصميمات الأثاث الضخمة لأنها ستوفر كثيرا عن الشباب.
هل هناك علاقة بين زيادة تكاليف الزواج وارتفاع معدلات الطلاق؟
الباحثة الاجتماعية انتصار بدر، تؤكد أن المشاكل والأزمات المالية التي يواجهها المتزوجون الجدد من أسباب ارتفاع نسب الطلاق بشكل كبير في مصر، لأن الشاب والشابة يتزوجون ويبدأون حياتهم وهم مدينون بمبالغ كبيرة، نتيجة ارتفاع تكاليف الزواج الكبيرة، التي تضطرهم للاستدانة مقابل بدء الحياة الزوجية في وقت مناسب.
وقالت بدر لـ "سبوتنيك": "الحقيقة أن معظم هؤلاء الشباب يصطدمون بمسئوليات الحياة الزوجية، من حيث تكاليف الطعام والشراب وفواتير شهرية وكذلك الإنجاب".
وأضافت: "طاقة الشباب لا تتحمل ذلك، خاصة أن نسبة الباحثين عن العمل كبيرة جدا في مصر، ولا توجد أعمال دائمة بل معظمها أعمال مؤقتة، وبالتالي هناك مشكلات داخل البيوت، ومع قلة خبرة الشباب تصبح نتيجة كل ذلك حدوث الطلاق".