وقال الرئيس السوري، بشار الأسد، في حوار متلفز، ردا على عودة العلاقات مع بعض العاصم العربية وإن كانت شكلية أم لا، إن هذا الأمر "يعتمد على طبيعة العلاقات العربية – العربية"، وأوضح أنها لم تتغير بالعمق.
وأوضح أن هناك بداية وعي لحجم المخاطر التي تؤثر على الدول العربية، لكنها لم تصل إلى مرحلة وضع الحلول، وطالما لا يوجد حلول للمشاكل فإذا العلاقة ستبقى شكلية.
وتحدث الرئيس الأسد كذلك عن الجامعة العربية، مشيرا إلى أنها لم تتحول إلى مؤسسة بالمعنى الحقيقي.
ثورة العلاقات الدولية
اعتبر الخبير السياسي والاستراتيجي السوري، الدكتور أسامة دنورة، أن "الرئيس الأسد تحدث عن شكلية العلاقات العربية المستمرة منذ تشكل وعيه السياسي، أي قبل 4 عقود، فيما لم يضف أي جديد فيما يتعلق بالعلاقات العربية – العربية، والعربية – السورية، إذ ينطبق هذا الأمر على أي علاقة بين بلدين عربيين، وفي إطار جامعة الدول العربية".
وبحسب حديثه لـ"سبوتنيك"، فقد
"حاول الأسد في حديثه ألا يرفع التوقعات، وألا يتنبأ بشيء أو بنتائج لم يجد أن مقدماتها حاصلة بالنسبة للعمل العربي المشترك، بالتالي لم يصف معطى جيد ضمن إطار العلاقات العربية السورية، إنما تحدث عن استمرار ظاهرة قديمة بحاجة إلى تغيير، إذ تحدث عن مرحلتين؛ الأولى وعي المخاطر التي تحيط بالدول العربية والأمن القومي العربي، وهذا الوعي هو طبعا أساس لوضع الحلول، وقال إن هناك بداية لوعي هذه المخاطر، لكن لم ينتقل لمرحلة وضع الحلول بعد".
ويرى دنورة أن "استهداف الدول العربية تدحرج من دولة لأخرى بفواصل منتظمة وغير منتظمة، فاليوم هناك مشروع لإنتاج الفوضى في السودان، وهذا يعني إذا كان هناك وعي – كما لمسها الأسد من خلال الاتصالات التي عقدها مع القادة العرب وخلال القمة العربية - فهذا الوعي لم يصل إلى مرحلة إنتاج الحلول، والدليل استمرار الأزمات".
وأوضح أن "هناك مسافة تفصلنا عن تفعيل العمل العربي المشترك ليكون منتجا للحلول، كما تحدث الرئيس السوري، وعدم الإنتاج يعني أن الساحة سوف تبقى مفتوحة للتدخل الأجنبي، بل أكثر من ذلك سوف يكون هناك استدراج وطلب للتدخل الأجنبي عندما يعجز الوضع الإقليمي في أي منطقة بالعالم عن إنتاج الحلول، سيكون هناك تدخل دولي ليحل محل العجز الإقليمي".
وأكد أن "ما أضافه الأسد عن العلاقات العربية، وأنها لم تصل للبُعد المؤسساتي سواء الثنائية أو على مستوى العمل الجماعي العربي، أمر واقع، في الوقت الذي تم الحديث عن الكثير من المبادرات العربية الجمعية، والمشاريع على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فيما كانت نسبة التطبيق ضعيفة ولم تتجاوز الشكليات ولم تصل للنتائج، وهناك مقارنة شائعة حاضرة عن الاتحاد الأوروبي الذي تشكلت الجامعة العربية قبله، فيما تجاوزها على مستوى الاقتصاد والعملة الموحدة وتأشيرات السفر بأشواط كبيرة، تظهر أن العمل العربي المشترك كما وصفه الأسد لا ينتج في البعد المؤسسي أي شيء يُذكر".
في السياق العام – والكلام لا يزال على لسان دنورة - "نتحدث عن خطاب أراد به الأسد أن يوصف تاريخ العمل العربي المشترك أكثر من كونه أراد أن يعطي ويمنح توصيفا للوضع الحالي في العلاقات السورية العربية؛ الأسد يعرف جيدا أن هناك خيبات أمل عربية تجاه المنظومة العربية، ولم يرد أن يمنح نافذة جديدة من الفرص، لا يوجد مقدمات أنها ستنتج حلولا بعد".
وفيما يتعلق ببطء المسار الذي شهد تحسنا بين سوريا والدول العربية، قال إن
"هذا المسار قطع مسافة هامة بعودة سوريا لجامعة الدولة العربية، لكن علينا معرفة أن هناك تأثيرات خارجية لا يمكن تجاوزها، وهذا جزء من تشخيص المشكلة التي تحدث عنها الأسد، وهذا التأثير الخارجي على الدول العربية يدفعها في العديد من الأحيان أن تتجاهل مصالح دولها وشعوبها، فهناك الكثير من السياسات التي تنتج عن الضغوط الغربية والهيمنة على الدول العربية، بالتالي نجد أن المصلحة الغربية مقدمة على العربية".
ويعتقد أسامة دنورة أن "هذا الأمر حققت فيه بعض الدول خرقا لا يُستهان به، إن كانت المملكة السعودية أو الإمارات، على طريق تنويع خياراتها الاستراتيجية والسياسية، وهذا الأمر لا تتضح نتائجه ما بين يوم وليلة، بل بحاجة لتكريس وجهد طويل ليحقق النتائج المرجوة، ويعتمد على المستقبل وما يمكن طرحه من بدائل عربية لتجاوز الضغوط الخارجية، فعملية تنويع خيارات الدول العربية على المستوى العالمي انتقالية وبحاجة لوقت طويل".
ولفت إلى أن "هناك مخاضا يمر به العالم ككل، ودول العالم الثالث تحديدا، فيما يتعلق بتنويع خياراتها على مستوى الاقتصاد والخروج من هيمنة العملة الواحدة، وعلى مستوى أن تكون هناك شراكات استراتيجية وتحالفات تخرج عن النطاق التقليدي، وهذا الأمر بحاجة إلى زمن حتى يتبلور وينتقل لحيّز التفعيل، ولا يمكن الحديث عن رفع لمستوى التوقعات أو خفضها في الوقت الحاضر، بيد أن الوضع الذي يمر به العالم والدول العربية في خياراتها الاستراتيجية فريد، والنهايات مفتوحة على أكثر من احتمال، وهناك معركة سياسية لكي يتم إنجاز هذا التحول".
بشكل عام، بحسب دنورة، "هناك نبض جديد في العلاقات الدولية وزوال تدريجي لمشهد الأحادية القطبية نحو التعددية، وكون هذا المشهد جديدا لا يمكن أن يقاس بسهولة على أحداث ماضية أو أن تعرف نتائجه سلفا، مواجهة متعددة الأبعاد وثورة في منظومة العلاقات الدولية من القديم المتوارث إلى الجديد وهو بحاجة إلى جهد ووقت".
طي صفحة الماضي
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي السوري، عمر رحمون، أن "حديث الرئيس بشار الأسد يعكس دلالة واضحة بأن سوريا فتحت صفحة جديدة مع الدول العربية، وطوت أحداث الماضي، حيث لفت إلى عدم توجيه اللوم في خطابه بقمة جدة لأي من العواصم العربية المجاورة وغير المجاورة".
وبحسب حديثه لـ"سبوتنيك"، فإن "حديث الرئيس السوري عن العلاقات العربية الشكلية، يقصد به العلاقات العربية – العربية منذ تأسيس هذه الدول وحتى اليوم"، مؤكدا أن "الأسد ركّز على ضرورة النظر للمستقبل، وتطلعاته لعلاقات راسخة مع الدول العربية".
ويرى أن "حديث الأسد عكس بشكل واضح النظرة السورية لعلاقاتها مع الدول العربية، إذ لم تكن يوما حاقدة على أي منها، ولم تشارك في ضرر لها، بل ولم توجه اللوم للدول التي وقفت في وجه دمشق في الماضي".
وأوضح أن "الرئيس السوري كشف جوهر السياسة التي تعتمد عليها دمشق في علاقاتها مع الدول العربية، إذ تحرص سوريا دائما على الانفتاح على هذه الدول، وطي صفحة الماضي، والتطلع لعلاقات أفضل لدمشق وباقي العواصم العربية على حد السواء".
قلق عربي
اعتبر الأمين العام لمركز الفارابي للدراسات، الدكتور مختار غباشي، أن" تصريحات الرئيس الأسد تؤكد أن دولا عربية لا تزال قلقة بشدة من ارتباط سوريا استراتيجيا مع إيران، وتغلغلها في الشأن السوري، ودورها الكبير داخل هذه الساحة العربية".
وبحسب حديثه لـ"سبوتنيك": "هذه المسألة كانت محط اعتراض وتوضيح من قبل الدول العربية التي تحفظت أو كانت ترفض عودة دمشق لمقعدها داخل جامعة الدول العربية، حيث طلبت هذه الدول وطلبت توضيحًا من قبل سوريا حول هذه النقطة".
وأكد أنه "بسبب خلافات الدول العربية حول هذا الأمر، تركت الجامعة العربية في قراراها التي اتخذته بعودة دمشق لمقعدها بالجامعى آليات هذه العودة والتعامل لكل دولة عربية على حدا، وعليها أن تحدد إلى أي درجة تريد أن تصل".
ويعتقد مختار غباشي أن "العلاقات السورية مع الدول العربية ستبقى الكثير منها شكلية، على الرغم من أن كثيرا من هذه الدول تريد العودة بشكل كامل لسوريا، بيد أن مسألة إيران والعلاقات الاستراتيجية مع دمشق تقلق العالم العربي".
يذكر أنه في شهر مايو/ أيار الماضي، وافق مجلس جامعة الدول العربية، خلال اجتماع استثنائي لوزراء الخاجية، على استئناف مشاركة وفود سوريا في اجتماعات مجلس الجامعة، وسمح ذلك بعودة سوريا إلى الجامعة بعد نحو 12 عام من تعليق عضويتها على خلفية الأحداث التي شهدتها البلاد.