ما أهداف وسر توقيت المحاولات الأمريكية لترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل؟

في خطوة وصفها المراقبون بـ "الفخ"، تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل، بعد نجاح ترسيم الحدود البحرية.
Sputnik
وقال خبراء إن الحدود البرية مع فلسطين سبق ترسيمها، ومثبتة لدى الأمم المتحدة، فيما تحاول واشنطن الضغط لتحقيق مصالح إسرائيل، كمدخل لإنهاء قضية احتلال بعض الأراضي اللبنانية، ودفع عملية ترسيم الحدود بين بيروت ودمشق.
وتحدث آموس هوكستاين، المنسق الرئاسي الأمريكي لأمن الطاقة والبنى التحتية الدولية إلى استعداده للتوسط بين لبنان وإسرائيل لحل النزاع بينهما على الحدود البرية في الجنوب، مشدداً على حرص إدارة بلاده على الاستقرار في هذه المنطقة.
إعلام: إسرائيل تستعد للتصعيد في عدة ساحات
وقال هوكستاين إن "بعد نجاح الوساطة التي قام بها لإنجاز الحدود البحرية، هو في صدد تقويم مدى استعداد الأطراف المعنية لإطلاق هذا المسار، ودراسة جدوى إجراء هذه الوساطة في الوقت الراهن، توصّلاً لحلّ النقاط الخلافية الحدودية المتبقية في الجنوب".
فخ أمريكي
اعتبر داوود رمال، المحلل السياسي اللبناني، أن الحديث عن ترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل ليس جديدًا، وهو سابق لمفاوضات ترسيم الحدود البحرية، إذ كانت هناك اجتماعات تعقد في الناقورة للجنة الثلاثية التي كانت تبحث نقاط تحفظ عليها لبنان على طول الخط الحدود أو ما سمي بالخط الأزرق.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، تحفظ لبنان على 13 نقطة تم التفاهم حول 6 منها، وبقى 7 نقاط، لكن النقاط التي تم الاتفاق حولها لم تثبت بشكل نهائي، وكانت شفهية، حتى جاءت عملية ترسيم الحدود البحرية التي أخذت الاهتمام، ثم عاد الآن الحديث عن الحدود البرية.
ويرى رمال أن لا حاجة لترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل، باعتبارها مرسمة منذ العام 1923م، ومثبتة في الأمم المتحدة، لكن الحاجة الآن لتحديد هذه الحدود مجددًا، حيث حرصت إسرائيل على قضم ملايين الأمتار بشكل دوري، وعملية القضم الكبرى في العام 1967، عندما احتلت مزارع شبعا اللبنانية واعتبرتها أراضي سورية.
ويعتقد أن الحديث الأمريكي حول الترسيم له هدف أساسي حيث يتقاطع ويتماهى مع الهدف الإسرائيلي في محاولة إنهاء ملف الحدود مع لبنان بشكل نهائي، ضمن سياسة القضم التي تعتمد على الوصول إلى هذه المرحلة للقول إن كل الأراضي اللبنانية أصبحت غير محتلة، وتحت السيادة اللبنانية، وبالتالي لا حاجة لسلاح المقاومة، وهي عملية سحب الأوراق من يد لبنان.
حسن نصرالله: أي خطأ في التقدير من قبل إسرائيل سيقابل برد فعل حازم
وأوضح أن محاولة فرض هذه الوقائع ينتبه لها لبنان على المستويين الرسمي والشعبي، حيث هناك محاولة لنقل المشكلة من كونها اعتداء إسرائيليا إلى خلاف لبناني سوري، على قاعدة مزارع شبعا التي تحتاج إلى ترسيم بين بيروت ودمشق، لا سيما في ظل احتلال إسرائيل الكامل لهضبة الجولان السورية.
ويرى أن لبنان ينتبه جيدًا للفخ الأمريكي، لا سيما في ظل التعهدات التي سبقت عملية ترسيم الحدود البحرية والتي لم تكن في صالح لبنان، حيث فقد عمليا 1430 كم من مساحته بين الخط 23 والخط 29، الذي كان يطالب به يومًا، حيث كانت الوعود برفع الحصار على لبنان، خاصة المالي والاقتصادي، وكذلك الانفتاح السياسي الذي لم ينفذ، بل على العكس زادت الضغوط على لبنان، وازداد انهيار سعر صرف العملة بعد الترسيم.
تدويل الأزمة اللبنانية
بدوره اعتبر سركيس أبو زيد، المحلل السياسي اللبناني، أن الحدود بين إسرائيل ولبنان سبق ترسيمها، ولا يوجد أي مشاكل أساسية حول هذا الموضوع، سوى عملية التطبيق، خاصة أن تل أبيب لم تطبق ما تم الاتفاق عليه في الأمم المتحدة مع بيروت.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، هناك إعادة طرح لموضوع الترسيم مرة أخرى، من أجل إجراء تعديلات بسيطة الهدف منها أن يكون ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل مدخلا أساسيا لترسيم الحدود بين لبنان وسوريا.
إسرائيل تحذر من هجوم عسكري وشيك على لبنان "لن تمنعه الأمم المتحدة"
وقال إن هذا هو الهدف الأساسي من فتح هذا الملف، ووضع قوات دولية على الحدود اللبنانية السورية، كمدخل لتدويل الأزمة اللبنانية، معتبرًا أن ما يجري الآن في الأمم المتحدة حول تجديد قوة اليونيفيل والدعوة لترسيم الحدود البرية يصب في هذا الاتجاه.
ويرى أن هناك خطة متكاملة للاستفادة من هذا التوقيت لتمرير هذا المشروع الذي طرح سابقًا، وكانت هناك مساع متعددة لتحقيقه، لكن العقبات كانت كثيرة ولم يكن هناك تجاوب من السلطات اللبنانية الرسمية حول هذا الموضوع.
ويعتقد أن التعديلات التي حصلت حول مهام اليونيفيل وطرح موضوع ترسيم الحدود، ونشر قوات دولية على الحدود اللبنانية السورية تصب جميعها في خانة تدويل الأزمة اللبنانية، وشرعنة القوات الدولية التي تراقب الحدود اللبنانية السورية.
رغبة أمريكية إسرائيلية
في السياق، قال أسامة وهبي، الناشط المدني اللبناني، إن هناك توجها أمريكيا ورغبة إسرائيلية بإنهاء الصراع مع لبنان بشكل نهائي، وإنجاز الترسيم البري بعد الترسيم البحري، والذي كان مشجعًا لواشنطن وتل أبيب، حيث أعطى لإسرائيل أكثر مما تتوقع.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، يأتي الطرح في وقت ذهبي لإسرائيل، حيث يمر لبنان بأزمة فراغ رئاسي، وهناك رغبة لدى الحكومة لإنجاز أي تقدم لتسويق نفسها أمام الشعب اللبناني، حيث يجري اليوم التنقيب في البلوكات اللبنانية عن الغاز، ولا أحد يمكنه الجزم بإمكانية الوصول للثروة النفطية، بينما إسرائيل تنتج الغاز وتصدره.
وقال إن عملية ترسيم الحدود البرية أمر مطلوب إسرائيليا وأمريكيا ولبنانيا، من أجل إخراج هذه المنظومة الفاسدة من أزمتها في بلد شبه مفلس.
لماذا لا يأخذ لبنان تهديدات إسرائيل بالحرب على محمل الجد؟
وأوضح أن مستشار الرئيس الأمريكي الذي يزور لبنان حاليا، والتقى كل المعنيين بهذا الملف مؤشر واضح على التصريحات التي قالها، والتي تؤكد أن في جعبته شيئا ما ليقدمه من أجل التقدم في المفاوضات، وهو يعرف هذا الملف جيدًا، ويعرف كذلك السياسيين اللبنانيين وطريقة الوصول إليهم.
ووصل آموس هوكستين، الأربعاء الماضي، إلى بيروت، حيث التقى رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وتتمحور زيارته حول اتفاق الترسيم الذي جرى التوصل إليه في تشرين الأول/أكتوبر 2022، والتباحث مع المسؤولين اللبنانيين في المجالات ذات الاهتمام المشترك والإقليمي.
وكان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قد قرر، الخميس الماضي، تمديد قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) لمدة عام إضافي آخر، وجاء التصويت النهائي بأغلبية 13 صوتا وامتناع واحد عن التصويت.
مناقشة