وبحسب بيانات أعلن عنها المعهد الوطني للإحصاء (مؤسسة رسمية)، فإن أنقرة تسهم بنحو 3.9 مليار دينار (نحو 1.2 مليار دولار) من مجموع العجز في الميزان التجاري، الذي تعمق إلى مستوى 25.2 مليار دينار (نحو 8.1 مليار دولار) في 2022.
وقالت وزارة التجارة وتنمية الصادرات التونسية، في بيان حصلت "سبوتنيك" على نسخة منه، إن "الحد من تفاقم عجز الميزان التجاري مع تركيا، سيكون من خلال توسيع القائمة السلبية للمنتجات غير المعنية بالمعايير التفاضلية، مع التركيز على المنتجات التي لها مثيل يتم تصنيعه محليا، وعلى القطاعات التي تمر بصعوبات، نتيجة تكثف الواردات ذات المنشأ التركي".
وتأتي هذه الخطوة استجابة لمطالب متكررة أطلقها اقتصاديون ومنظمات وطنية لمراجعة هذه الاتفاقية، التي يرون أنها "مجحفة" وأضرّت بالإنتاج التونسي المحلي واستنزفت احتياطي البلاد من العملة الصعبة.
غزو تركي للسوق التونسية
ويؤكد الخبير الاقتصادي، عز الدين سعيدان، أن العجز في الميزان التجاري مع تركيا تجاوز مستوى 4 مليار دينار (نحو 1.2 مليار دولار) طيلة سنة 2022، مشيرا إلى أن تونس لم تكن تسجل أي عجز مع أنقرة سنة 2010.
وأضاف لـ "سبوتنيك": "اتفاقية التبادل الحر مع تركيا تعود إلى ما قبل الثورة، ولكن تمت مراجعتها سنة 2013، في حكومة علي العريض، بطريقة غير عادلة وتصب في مصلحة البضائع التركية على حساب الاقتصاد التونسي".
ويرى سعيدان أن هذه المراجعة أنتجت تفاقما مستمرا في عجز الميزان التجاري مع أنقرة، مشيرا إلى أن المؤسسات التركية المصدّرة قد غزت السوق التونسية مثلما غزت السوق الليبية وأقصت بذلك العديد من المؤسسات التونسية التي كانت تصدر للسوق الليبية، خاصة على مستوى المنتوجات الغذائية.
وتابع: "بهذا الشكل، عوقبت تونس اقتصاديا مرتين، وقد بلغ الأمر حد شراء بعض العلامات التونسية من طرف مؤسسات تركية كانت تصنّع المنتوج في أنقرة وتبيعه في ليبيا على أنه صناعة تركية".
وقال سعيدان إن اتفاقية التبادل الحر هي اتفاقية "غير متكافئة" لأنها تخدم مصالح دولة على حساب أخرى، مضيفا أن مراجعة هذه الاتفاقية "قرار جيد رغم كونه جاء متأخرا".
وأوضح أن المراجعة ستكون في اتجاه مزيد من فتح السوق التركية للبضائع التونسية والحد من توريد المواد التركية ذات الطابع الاستهلاكي والتي تأتي لمنافسة المنتوج التونسي مباشرة.
وأضاف: "المؤسسات التونسية وخاصة الصغرى والمتوسطة لا تمتلك القدرة على مجابهة التوريد التركي الذي يتمتع بامتيازات، لذلك فإن الوقت قد حان لتعديل الكفة".
الأولوية للصناعات التونسية
وفي تصريح لـ "سبوتنيك"، قال الخبير في الاقتصاد والمالية، ماهر بالحاج، إن مراجعة اتفاقية التبادل الحر مع تركيا أصبحت مسألة حتمية، معتبرا أن هذه الاتفاقية "غير منصفة".
وشدد بالحاج على أن "النسيج الاقتصادي والصناعي التونسي دفع طيلة 19 سنة فاتورة باهظة جراء العمل بها"، مشيرا إلى أن المراجعة يجب أن تكون منصفة للصناعيين التونسيين.
وأضاف: "يجب على السلطات التونسية أن تتوقف عن توريد المنتجات التركية التي لها مثيل في تونس وأن تعطي الأولوية لصانعيها".
في المقابل، يشدد بالحاج على أن الحد من العجز في الميزان التجاري مع تركيا لا يتوقف عند حدود مراجعة هذه الاتفاقية، بل يتطلب أيضا العمل على تقوية النسيج الاقتصادي المحلي ودعم المصنعين التونسيين خاصة في المجالين الصناعي والغذائي.
فيما يرى أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية، رضا الشكندالي، أن مراجعة اتفاقية التبادل الحر مع تركيا يجب أن تتوسع من المبادلات التجارية إلى مزيد الاستثمار في تونس، بغاية إنشاء مؤسسات مصدرة تسهم في دفع التصدير بشكل يفضي إلى التقليص في مستوى العجز التجاري ويتحول إلى فائض كما هو الشأن مع بعض البلدان الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا.
غايات أوروبية خلف القرار
وفي تصريح لـ "سبوتنيك"، قالت المحللة في الشأن الاقتصادي، جنات بن عبد الله، إن "تداعيات هذه الاتفاقية كشفت عن كثافة توريد تونس للمنتوجات والسلع التركية بما أثر على التوازن التجاري بين البلدين وجعل الميزان التجاري لصالح تركيا".
وأشارت إلى أن عدم وجود تأشيرة للدخول إلى الأراضي التركية شجع التونسيين على التوجه إلى السوق التركية، مشددة على أن "تونس مطالبة في المقابل بتقوية قدرة منتوجاتها التنافسية ودفع التصدير".
وبيّنت جنات بن عبد الله، أن مراجعة هذه الاتفاقية في اتجاه تقليص التوريد لن يكون بشكل فوري، فتونس مطالبة بإعلام المنظمة العالمية للتجارة وتقديم دراسة مفصلة للسوق التونسية تكشف فيها أن الاقتصاد التونسي تضرر من الواردات التركية.
ولا تستبعد بن عبد الله وجود أطراف أوروبية تعمل على تحويل وجهة هذا القرار والاستفادة منه، من خلال غلق الأسواق التونسية أمام تركيا والاستحواذ عليها لنفسها.
وفي 25 نوفمبر/ تشرين الأول 2004، وقّعت تونس مع تركيا اتفاقية للتبادل الحر تسمح بإعفاء جميع المنتجات الصناعية من الرسوم الجمركية، وتفسح المجال في بند من بنودها لكل طرف بالترفيع التدريجي في المعاليم الجمركية لتعديل الميزان التجاري.