بداية يقول حكم أمهز، المحلل السياسي الإيراني، إن الربط السككي بين العراق وإيران هو جزء من مشروع استراتيجي كبير تقوم به الجمهورية الإيرانية مع حلفائها والدول المجاورة، من أجل عزل الممرات الاقتصادية لبضائع تلك الدول سواء كانت روسيا أو غيرها، عن الممرات التي يمكن أن تتعرض فيها للعقوبات الأمريكية، لذا فإن عملية الربط تأتي ضمن الإجراءات الاستثنائية التي تقوم بها هذه الدول.
شرق - غرب
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن هذا الممر السككي الذي يمكن أن نسميه "شرق-غرب" يمر في إيران ثم العراق فسوريا، ليصل إلى ميناء اللاذقية الموجود شرق البحر الأبيض المتوسط، ومن هنا يمكن أن تتجه البضائع إلى أوروبا وأفريقيا وغيرها من الدول والفرع الآخر يتجه إلى دمشق، عمليا هذا الممر يحمي البضائع سواء كانت عراقية أو إيرانية أو غيرها من التعرض للعقوبات الأمريكية، كما أن المشروع ينمي العلاقات الاقتصادية الإيرانية والعراقية والسورية ويوفر تكاليف كبيرة في الممرات والجمارك.
30 مليار
وأشار أمهز إلى أن أرباح هذا المشروع تقدر بنحو 30 مليار دولار سنويا إذا ما اكتمل، وقد بدأت العراق بالفعل عملية التنفيذ ويحتاج الأمر إلى عامين تقريبا، وهذا المشروع متفق عليه بين إيران وسوريا والعراق منذ أكثر من 10 أعوام، كما أُطلق أيضا على هذا المشروع "شمال - جنوب"، حيث يربط روسيا بالمحيط الهندي عند ميناء تشابهار الإيراني، هذا الممر يوفر 45 في المئة من التكلفة و35 في المئة من الوقت، كما يساعد البضائع الروسية على السير في ممرات لا تصل إليها العقوبات الأمريكية على روسيا.
المحور الجديد
وقال المحلل السياسي إن ممر شمال - جنوب، وشرق - غرب يعزل اقتصاديا المحور العالمي الجديد القائم على الصين وروسيا وإيران والدول المتحالفة معهم اقتصاديا، وبالتالي يتم تأكيد نظرية أن مركز الاقتصاد العالمي بدأ ينتقل من الغرب إلى الشرق، وهو ما سيحقق مزايا كبيرة جدا على كل المستويات.
وحول إمكانية عرقلة أمريكا لهذا المشروع، يقول المحلل السياسي إن الولايات المتحدة الأمريكية دائما ما تعرقل مثل هذه المشروعات، لكن العراق في تلك الفترة يحاول الاستفادة من الظروف الدولية والضعف الأمريكي، وهناك أمر آخر يمكن أن يعرقل المشروع متمثلا في التواجد الأمريكي في سوريا.
فكرة المشروع
من جانبه، يقول عمر الحلبوسي، الخبير الاقتصادي العراقي، إنه تعود بدايات فكرة مشروع الربط السككي بين العراق وإيران ومن ثم الوصول إلى سوريا إلى أكثر من 10 أعوام، ففي عام 2018 صرح مدير السكك الإيرانية أن إيران ستشرع ببناء خط سككي يربط الخليج العربي في البحر الأبيض المتوسط، و في عام 2019 وقع العراق اتفاقية الربط السككي مع إيران عندما زار الرئيس الإيراني، حسن روحاني، العراق، وفي عام 2021 أعلن الكاظمي أن العراق وصل لمراحل متقدمة في التفاوض مع إيران بشأن الربط السككي.
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن عملية الربط السككي مع إيران تعد بمثابة الإعدام لميناء الفاو الكبير، كون الربط السككي مع إيران لا فائدة اقتصادية منه، فضلا عن تضرر الاقتصاد العراقي والتسبب في بطالة عدد كبير من العاملين، يضاف لذلك أن المرحلة الأولى من الربط السككي سوف يتكفل العراق بتمويلها والتي تبلغ 148 مليون دولار، وهو ما يعني تكبيد الاقتصاد العراقي عبء كبير فضلًا عن زيادة العجز بالموازنة التي لم تستطع الحكومة حتى الآن تنفيذها.
وأكد الحلبوسي أنه لا جدوى اقتصادية للعراق من الربط السككي مع إيران والذي سيجعل العراق منطقة ترانزيت للبضائع الإيرانية والصينية، في الوقت نفسه توقف ميناء الفاو الكبير وخسارة العراق لأهم نافذة بحرية اقتصادية له.
صراع سياسي
وأوضح الحلبوسي أن إيران تسعى من خلال الربط السككي مع العراق لمواصلة خط السكك وصولًا إلى البحر الأبيض المتوسط، ليكون بمثابة نافذة إيران على أوروبا وهو ما لن يحقق أي مكاسب سياسية للعراق، بل قد يدخله في صراعات سياسية كبيرة، خصوصًا أن الولايات المتحدة الأمريكية قررت إغلاق الحدود البرية بين العراق وسوريا ومراقبتها بشكل كامل لقطع طريق الإمداد البري الممتد من طهران مرورا بالعراق وصولًا إلى سوريا ولبنان، والذي استخدمته إيران والفصائل الموالية لها للتهريب ونقل الأشخاص، ما يعني أن العراق سيدخل في صراع سياسي مع أمريكا وحلفائها رافضين للربط السككي مع إيران.
وأشار الحلبوسي إلى أن التحذيرات التي صدرت من بعض الجهات كانت بسبب عدم استفادة العراق من هذا المشروع، وأنه سيتكبد خسائر اقتصادية كبيرة ومتراكمة، علما بأن تكلفة المشروع الكلية تبلغ 21 مليار دولار، و أن الاقتصاد الإيراني غير قادر على تحمل التكلفة، و أن الترجيحات أن الحكومة العراقية ستقوم بتمويله في وقت يعاني العراق من تراجع اقتصادي كبير ينذر بالانهيار.
كان المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، قد قال في الأول من سبتمبر/أيلول الجاري، في بيان صحفي، إن "مشروع الربط السككي مع إيران من مشاريع النقل المهمة في المنطقة، وسيسهم أيضًا، بشكل فعال، في نقل المسافرين والزائرين من بلدان وسط آسيا باتجاه العراق"، مضيفا أن "هذا المشروع مقدمة لمشاريع نقل استراتيجية ستربط بين العراق ودول الجوار، تعمل الحكومة على تنفيذها بعدما بقيت لسنوات طويلة في إطار النقاش والبحث دون أن تدخل حيز التنفيذ".
وكان رزاق محيبس، وزير النقل العراقي، قد أعلن، في 6 نيسان/ أبريل الماضي، عن اتفاق بلاده مع الجانب الإيراني على مشروع الربط السككي لنقل المسافرين عبر خط سكك الحديد شلامجة - البصرة، مشددا على أهمية الربط السككي بين البلدين لـ "نقل المسافرين، لا سيما في أيام الزيارات الدينية".
ولفتت وزارة النقل العراقية أن الاتفاق المبرم مع الجانب الإيراني بشأن مشروع الربط السككي، ينص على أن يتحمل العراق مسؤولية إنشاء الخط السككي والمحطات والمواقع، في حين يتكفل الجانب الإيراني بإنشاء الجسر الملاحي على شط العرب وإزالة الألغام على طول 16 كيلومترًا ضمن المشروع.