هل هناك علاقة بين قرار حل قوات الدعم السريع والعقوبات الأمريكية وجولات البرهان خارج السودان؟
تسارعت الأحداث المتعلقة بالحرب في السودان، خلال الساعات الماضية، ما بين عقوبات أمريكية وقرار البرهان بحل قوات الدعم السريع، بعد ما يقارب 5 أشهر من بداية الحرب بين القوات المسلحة والدعم السريع، وهو ما يعني أنه في الأيام المقبلة قد يتعقد المشهد بصورة كبيرة من الناحية السياسية والعسكرية، ما يشير إلى تلاشي آمال وقف قريب للحرب في السودان.
Sputnikفلماذا تأخر قرار قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان،
بحل قوات الدعم السريع، ومدى ارتباطة بالعقوبات الأمريكية والجولات الخارجية للبرهان؟
بداية، يقول الحقوقي السوداني، عامر حسبو، إن "قرار رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق عبد الفتاح البرهان، رسميا حل ميليشيات الدعم السريع وإلغاء قانون اعتمادها في عام 2017، لا يعدو أن يكون قرارا سياسيا لا يؤثر في مجريات الأحداث و الحرب القائمة، منذ منتصف نيسان/ أبريل الماضي".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن "قوات الدعم السريع أنشئت باعتراف رسمي من حكومة البشير السابقة عام 2013، وكانت تقاتل في صف القوات المسلحة آنذاك خاصة في دارفور و جبال النوبة، و أجاز البرلمان قانون عام 2017، إذ انتقلت تبعيتها بموجبه إلى القوات المسلحة تحت مسمى قانون الدعم السريع (قوات عسكرية قومية التكوين وتتقيد بالمبادئ العامة للقوات السودانية)، وساهمت هذه القوات، في وقت سابق، في تأمين الحدود من التهريب والاتجار بالبشر، فضلا عن أن قائد قوات الدعم السريع هو نائب رئيس مجلس السيادة بحكم الدستور".
الوضع القانوني لقوات الدعم السريع بحسب الدستور والقانون، هو الذي حدّد نظرة المجتمع الدولي والإقليمي للصراع الحالي بين الدعم السريع والجيش، وأنه صراع بين فصيلين داخل القوات المسلحة، أي هو صراع داخلي.
وأوضح الحقوقي السوداني: "بناءً على المعطيات السابقة، يمكن القول إن القرار الذي أصدره رئيس مجلس السيادة بحل الدعم السريع قرار كيدي سياسي، لن يؤثر في مجريات الأحداث، ولن يغيّر من هزيمة الدعم السريع، بل سوف يدفع قائد الدعم السريع، حميدتي، إلى أن يخطو بخطوة مماثلة في التصعيد، بسحب اعترافه من الجيش السوداني وتنفيذ رؤية الدعم السريع بالحل السياسي، الذي طرحه وقدمه الأسبوع الماضي، وإن لم يلب ذلك الطرح من قبل الأطراف العسكرية أو السياسية فالمعادلة القادمة سوف تكون التفتيت والتخريب والانفصالات بحجم الوطن السودان".
من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي السوداني، عثمان ميرغني، إن "قرار حل قوات الدعم السريع من جانب رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان مرتبط بالقرار الأمريكي الصادر بعقوبات ضد قائد ثاني قوات الدعم السريع، عبد الرحيم دقلو (حميدتي)، لأن العقوبات سوف تشمل قوات الدعم السريع باعتبارها واحدة من الجهات المرتبطة بهم، وقصد القرار الذي أصدره البرهان بحل قوات الدعم السريع إلى قطع الصلة بين القرار الأمريكي وكثير من الأصول التي يملكها الدعم السريع مباشرة داخل السودان وخارج السودان".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك":
هناك بعض الدول خارج السودان سجلت الأصول والممتلكات والأموال باسم قوات الدعم السريع، فهي محاولة لقطع الصلة القانونية بين القرار الأمريكي وبين هذه الأصول، في محاولة لتقليل انعكاسات القرار على الأموال التي يمكن أن تكون تحت قبضة أو تحت يد الحكومة السودانية.
وتابع ميرغني: "قوات الدعم السريع لديها إمبراطورية اقتصادية هائلة تتكون من عقارات وأصول من الذهب وغيرها، علاوة على الشركات داخل وخارج السودان، هذه الأصول بعضها مكتوب باسم قوات الدعم السريع، وخاصة الموجودة في السودان كلها تقريبا مكتوبة باسم قوات الدعم السريع، والقرار الأمريكي الموجّه ضد، عبد الرحيم دقلو، يشمل هذه الأصول باعتبار أنها تتبع للدعم السريع، لكن إذا انتفت الصلة بين هذه الأصول والدعم السريع يصبح القرار الأمريكي لا يشمل هذه الأصول، خاصة الموجودة في داخل السودان".
وأشار المحلل السياسي إلى أن "قرار البرهان قد يكون محاولة فقط لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الامبراطورية المالية التي تتبع للدعم السريع لتعود للدولة، لأن مجرد إلغاء الصفة الاعتبارية للدعم السريع تصبح هذه الممتلكات خاضعة للحكومة السودانية وليس الدعم السريع، باعتبار أن الدعم السريع كان واحدا من واجهات الحكومة".
وحول ما إذا كان القرار الأمريكي يستهدف دعم الحكومة السودانية، يقول ميرغني: "القرار الأمريكي لا يدعم الحكومة هو ليس موجها للحكومة هو موجه ضد قوات الدعم السريع، لكن الحكومة رأت أنه يمكن استغلال تلك الحالة واتخاذ بعض الخطوات حتى تستطيع منع شمول هذه الممتلكات والأصول بالقرار الأمريكي وأن تضع يدها عليها، لأنها أصول وممتلكات لجهة كانت جزءا من الحكومة السودانية، وكأنما هي محاولة للاستحواذ على هذه الممتلكات حتى لا تخضع للقرار الأمريكي لصالح الحكومة السودانية. يعني القرار لم يصدر لصالح الحكومة السودانية".
وتعليقا على ما استند إليه البرهان في قرار الحل، يرى المحلل السياسي أن "البرهان استند على أن مجلس السيادة الآن يعد الجهة التشريعية في البلاد أي بمثابة البرلمان ويمكنه إصدار تشريعات ذات صفة قانونية وفقا للوثيقة الدستورية، لكن في الحقيقة مجلس السيادة الحالي قد انقلب على تلك الوثيقة في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وعلى الحكومة المدنية التي تم تشكيلها بناء على تلك الوثيقة، لذا فإن كل ما يصدر عن المجلس بعد ذلك لا يستند إلى قانون".
ولفت ميرغني إلى أن "قرار حل الدعم السريع ليس له تأثير، لكن التأثير الحقيقي والكبير جدا يأتي من القرار الأمريكي بفرض العقوبات على عبد الرحيم دقلو، حيث أن القرار الأمريكي أطلق رصاصة الرحمة على قوات الدعم السريع بصورة مباشرة وغير مباشرة، الصورة المباشرة أنه شلّ تماما القدرات المالية والاقتصادية التي كانت عن طريقها تستطيع قوات الدعم السريع استيراد الأسلحة والبشر أو الجنود من غرب أفريقيا ودفع رواتب ومصروفات يومية ضخمة جدا، فالآن هناك مشكلة حقيقية لأن القرار الأمريكي لن يشمل ممتلكات عبد الرحيم دقلو فقط، لأن المؤسسات والبنوك سوف تضع محاذير على التعامل مع كل من له شبهة التواصل مع الدعم السريع، وهذا استنتاج من تجربتنا السابقة في فترة الحصار الأمريكي".
بدوره، يقول المحلل السياسي السوداني، وليد علي، إن "البرهان تأخر منذ بداية الحرب في اتخاذ عدد من القرارات بما فيها قرار حل قوات الدعم السريع والذي جاء متأخرا جدا، لكن على ما يبدو أن البرهان كان يحاول تهيئة الأجواء الإقليمية والدولية لتقبل القرار، فخلال الفترة الأولى أو بدايات الحرب كان من الواضح أن الدعم السريع يحوز على بعض التأييد والشرعية من بعض دول الإقليم وكان البعض يتعامل معه على أنه ند للجيش السوداني وله نفس شرعية الجيش، ولا يخفى علينا الدور الأفريقي السلبي للتعامل مع الأزمة".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "يبدو أن الأحداث السياسية تسارعت بعد
زيارة البرهان لمصر، والذي انعكس على السياسة الخارجية للسودان، نظرا لما تتمتع به القاهرة من ثقل إقليمي ودولي ساعد في شرح الأوضاع للعالم، وأعتقد أن أي قرار يصدر من البرهان في الوقت الراهن له ارتباط بتلك الزيارة".
تصريح وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، بشأن الانتهاكات التي ارتكبها الدعم السريع والعقوبات التي فرضت بالاسم على نائب قائد القوات عبد الرحيم دقلو، تدل على أن هناك تغيرا كبيرا في الموقف الأمريكي وشرحا للوضع الراهن، وهذا الأمر قد جاء من دولة ذات ثقل سياسي كبير، وهذا الأمر يصب في مصلحة الدولة السودانية.
وأوضح أن "قرار حل الدعم السريع لن يكون له تأثير على الأوضاع العسكرية على المدى القريب، لا يزال الدعم السريع يمتلك العديد من مفاتيح اللعبة بيده، من بينها العلاقات مع بعض الدول الإقليمية التي ترتبط معه بمصالح، لذا أعتقد أن الحرب لن تضع أوزارها خلال فترة قصيرة، لكن سوف تقل مقدرة الدعم السريع بمرور الوقت ولن يكون قادرا على الدخول إلى الولايات التي يجهز حاليا للوصول إليها ومن بينها ولاية الجزيرة التي تعد ثاني ولاية مهمة في البلاد".
ووصفت قوات الدعم السريع، اليوم الخميس، قرار وزارة الخزانة الأمريكية، بفرض عقوبات بحق الفريق عبد الرحيم دقلو، نائب قائد قوات الدعم السريع، بـ"المؤسف والصادم والمجحف".
وقالت قوات الدعم السريع، في بيان لها، إن "هذا القرار
سياسي محض، تم اتخاذه دون تحقيق دقيق وشفاف حول الطرف المتسبب في اندلاع الحرب، وما صاحبها من انتهاكات ارتكبت من أطراف مختلفة".
وأضاف البيان أن "هذا قرار انتقائي لن يساعد في تحقيق هدف من الأهداف الجوهرية التي ينبغي التركيز عليها، وهو التوصل إلى حل سياسي شامل وإجراء عملية عدالة انتقالية شاملة تؤدي إلى إنصاف الضحايا وصناعة وبناء السلام المستدام"، مؤكدًا أن "القرار جانبه الصواب في توصيف ما حدث في غرب دارفور، وفي تحديد الأطراف التي شاركت فيه، وهو صراع قبلي قديم ومتجدد".
وأكدت الدعم السريع أن "القرار الأمريكي تجاهل بانتقائية بائنة الانتهاكات الفظيعة، التي ترتكبها القوات المسلحة السودانية وكتائب النظام البائد الإرهابية على نطاق واسع، بالقصف الجوي والمدفعي واعتقال المدنيين المناهضين للحرب في مختلف أنحاء السودان، وتجويع وتعذيب المعتقلين، وخرق حظر الطيران في دارفور، بالقصف الجوي المستمر على السكان المدنيين في نيالا"، على حد وصفها.
ووصف البيان "اتهام قائد قوات الدعم السريع في ولاية غرب دارفور، اللواء عبد الرحمن جمعة، بالمسؤولية عن قتل والي الولاية وشقيقه، بـ"الخطوة المعيبة"، التي لم تتبع الأسس المعلومة في التحقيق".
وأكد البيان أن "الاتهام تجاهل دعوة قوات الدعم السريع الصريحة والمعلنة بإجراء تحقيق دولي مستقل بشأن الأحداث، التي وقعت في عاصمة ولاية غرب دارفور ومقتل خميس عبد الله أبكر، والي الولاية".
وختمت قوات الدعم السريع بيانها بـ"التأكيد مجددا على أنها ثابتة على موقفها المعلن منذ بداية الحرب، وهو ضرورة إيقافها (الحرب) بمخاطبة أسبابها الجذرية وإجراء عمليات شاملة لتحقيق العدالة في سياق الحل الشامل"، بحسب البيان.
وتتواصل، منذ أكثر من 4 أشهر، اشتباكات عنيفة وواسعة النطاق بين قوات الجيش السوداني
وقوات الدعم السريع، في مناطق متفرقة من السودان، تتمركز معظمها في العاصمة الخرطوم، والتي أسفرت عن المئات من القتلى وإصابة المدنيين.
ولعبت أطراف عربية وأفريقية ودولية دور الوسيط لوقف إطلاق النار في السودان، لكنها فشلت في التوصل إلى وقف القتال بشكل دائم.