القانون الذي يحد بشكل كبير من قدرة المحكمة على التدخل في قرارات الحكومة حتى إذا اعتبرتها غير معقولة ولا منطقية، تنعقد المحكمة العليا بكامل هيئتها لأول مرة على الإطلاق، للنظر في طعون مقدمة ضده، باعتباره أبرز قوانين خطة "إصلاح القضاء" المثيرة للجدل والتي تصفها المعارضة بالانقلاب.
وأكد مراقبون أن قرار المحكمة على اختلافه قد يشعل الساحة الإسرائيلية، ويؤدي إلى صدام قوي وحرب مفتوحة بين المواطنين، سواء جاء بإلغاء خطة الإصلاحات، أو أيدها، في ظل الانقسام العمودي بالمجتمع الإسرائيلي، وذلك بعد أن دفعت التعديلات عشرات الآلاف من الإسرائيليين للتظاهر.
واعتبر وزير العدل، ياريف ليفين، أحد مهندسي خطة "إصلاح القضاء"، أن جلسة المحكمة الحاسمة اليوم "تشكل ضررا قاتلا للديمقراطية ومكانة الكنيست"، وبحسب قوله، فإن "الشعب هو صاحب السيادة ويتم التعبير عن إرادته في القوانين الأساسية التي يسنها الكنيست (لا تملك إسرائيل دستورا بل قوانين أساسية يسنها الكنيست)".
لحظة تاريخية
اعتبر محمد حسن كنعان، رئيس الحزب القومي العربي، وعضو الكنيست الإسرائيلي السابق، أن نظر محكمة العدل للطعون المقدمة ضد خطة التعديلات القضائية التي قدمتها حكومة نتنياهو تعد لحظة تاريخية، بالنسبة للجهاز القضائي، حيث هذه المرة الأولى لاكتمال محكمة العدل العليا بكامل قوامها المكون من 15 قاضيًا.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، تنظر المحكمة لقضية التعديلات القضائية خاصة قانون غير المعقولية، والذي تم إقراره كقانون أساس في الكنيست الإسرائيلي، مؤكدًا أن إلغاء المحكمة للقانون يخلق حالة فراغ قانوني كبيرة، لكن في حال لم تدخل ستعطي هذه الحكومة الفاشية إمكانية كبيرة بسن قوانين عنصرية في المستقبل، يمكنها أن تقود الجهاز القضائي وتحد من أسس الديمقراطية.
وأوضح أن هناك مخاوف كبيرة في المجتمع العربي الفلسطيني بالداخل الإسرائيلي من هذه التعديلات وزيادتها من بطش هذه الحكومة في المستقبل، مؤكدًا أن التحليلات تقول بأن المحكمة ستدخل من أجل إنقاذ الجهاز القضائي الإسرائيلي، والحفاظ على الديمقراطية المزعومة.
ويرى أنه في حال فشلت المحكمة في إلغاء هذه القوانين سيكون هناك إشكاليات كبيرة، معتبرًا أن أي قرار ستتخذه المحكمة سيحدث زلزالا كبيرا في إسرائيل، سواء على مستوى الحكومة أو الكنيست أو الأوساط الشعبية المختلفة، وتحديدًا في ظل الاحتجاجات الكبيرة التي تجتاح إسرائيل ضد الانقلاب القضائي، الذي يقوده نتنياهو وحكومة اليمين المتطرف في إسرائيل.
سيناريوهات متعددة
من جانبه، اعتبر نبيه عواضة، الباحث اللبناني المتخصص في الشأن الإسرائيلي، أن مناقشة محكمة العدل للطعون المقدمة ضد التعديلات القضائية لحظة تاريخية – كما يصفها الإعلام الإسرائيلي- وربما أكثر من ذلك، إذ ما يمكن أن يصدر عن المحكمة العليا قد يؤسس لمرحلة وحقبة جديدة داخل إسرائيل.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، ما يحدث تبدل هائل في بنية النظام السياسي الإسرائيلي، وقد يؤسس لعدم الاستقرار، فالقرار وإن صدر باتجاه تثبيت قانون الكنيست وتخلت المحكمة عن دورها الرقابي، هو طعن في مبدأ وجود السلطة القضائية كونها سلطة تمنع المخالفات وتجاوز النص أو العرف الدستوري.
وأوضح أن "هذا يفتح الباب أمام هيمنة سياسية وحزبية، وتفلت للسلطة الإجرائية، ما يخلق اضطرابات سياسية، لا يمكن استبعاد أن نكون أمام ديكتاتورية فريدة، لا تمارس هذه المرة ضد الفلسطيني الذي سيدفع الثمن الأكبر بسبب هذا التبدل لجهة الطرد والقتل والقمع والاحتجاز وحسب، بل ضد اليهود أنفسهم الذين يختلفون مع الحكومة، وستطفو مظاهر العنصرية والتفرقة والتشرذم والانقسام العرقي والتعددي على اختلافه".
وقال إنه في حال ألغت المحكمة القانون، سوف يعتبره فريق الحكم إطلاق رصاصة قاتلة على صلب المشروع الحكومي، الذي سيواجه المحكمة وقرارها بقوة، حيث من المتوقع أن تفقده هذه التحركات حكمه، ما ينذر بانقسام أفقي في الشارع، تظاهرات وصدامات، ولا يمكن استبعاد اندلاع مواجهات وحرب أهلية عنيفة".
وأكد أن "المعارضة في هذا السيناريو ستلتف حول قرار المحكمة، فيما يخرج الموالاة لاستعراض قوتها الشعبية كونها تنطلق في طرح أفكارها وخططا من خلفية التمثيل الشعبي، وفي النهاية سيكون الشارع هو الحاسم وكلمته هي الفصل، وذلك قبل الوصول إلى صيغة أخرى من بينها الانتخابات المبكرة، أو الوصول إلى حادث اغتيال ضخم".
ومساء أمس الاثنين، تظاهر عشرات آلاف الإسرائيليين أمام المحكمة العليا في القدس، دعما لها في مواجهة ما سموه "التهديدات المافياوية" من قبل وزراء في الحكومة ضد قضاتها.
يشار إلى أن قانون "الحد من المعقولية"، هو واحد من ضمن 8 مشاريع قوانين ضمن خطة "إصلاح القضاء" التي تقول الحكومة إنها تهدف إلى تحقيق توازن بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، فيما تقول المعارضة إن الحديث يدور عن "انقلاب سلطوي" سيدمر الديمقراطية في إسرائيل.