الرياض، التي سبق أن أعلنت موقفها من التطبيع مع تل أبيب، تربط هذا الملف بضرورة حل القضية الفلسطينية، وتقديم تنازلات إسرائيلية من شأنها إقامة دولة فلسطينية مستقلة، استنادا إلى مبادرة السلام العربية وحل الدولتين.
ويرى مراقبون أن الانقسام والتضارب بين مكونات الحكومة الإسرائيلية، ووجود وزراء متطرفين، على غرار سموتريتش وبن غفير، يجعل من الصعب الوصول لصيغة توافقية تقود إلى تطبيع العلاقات، لا سيما وأن المبادئ السعودية واضحة في هذا الصدد.
وأفاد مسؤول في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمس الأحد، بأن السعودية أوقفت المباحثات مع الجانب الأمريكي والخاصة بالتطبيع مع إسرائيل.
ونقل الموقع الإلكتروني "إيلاف"، عن المسؤول الإسرائيلي، أن الحكومة الإسرائيلية الحالية التي تضم بعض أقطاب اليمين المتشدد في البلاد، مثل إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي، وبتسلئيل سموتريتش، وزير المالية، يعارضون أي خطوة تجاه الفلسطينيين.
موقف إيجابي
اعتبر واصل أبو يوسف، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أن انسحاب المملكة العربية السعودية من مفاوضات تطبيع العلاقات مع إسرائيل بوساطة الولايات المتحدة الأمريكية، يثبت تمسكها بالحقوق الفلسطينية وبمبادرة السلام العربية التي أطلقتها، وكان من المفترض تبنيها عربيا ومن قبل المجتمع الدولي، ليكون هناك دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967، وحل بعض القضايا الأخرى.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، فإن الموقف السعودي الإيجابي يصب في صالح الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، ويقف أمام تلك الدول التي ذهبت إلى مربع التطبيع دون أن يكون هناك أي ثمن تجنيه من وراء هذه الخطوة، أو فائدة تعود على القضية الفلسطينية جراء التطبيع.
وقال إن توقف المباحثات يأتي في ظل عدم رغبة الاحتلال الإسرائيلي وحكومة نتنياهو في تقديم أي تنازلات لفلسطين، خاصة أن ما تقوم به على أرض الواقع ومضيها قدمًا في سياسة الضم والاستيطان وحسم الصراع عبر القوة العسكرية المسلحة، يؤكد أنها تقف ضد إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وضد مبادرة السلام العربية.
وفيما يتعلق بتداعيات هذا الانسحاب، يرى أبو يوسف أن توقف المباحثات بين السعودية وإسرائيل عبر الوسيط الأمريكي ستدفع إدارة واشنطن للضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات، حيث أن المصالح الأمريكية في المنطقة العربية والشرق الأوسط موجودة بقوة، وكذلك باعتبار أن المملكة السعودية لاعب أساسي ودولة مهمة في هذه المنطقة.
مبدأ سعودي
بدوره، اعتبر سعد عبد الله الحامد، المحلل السياسي السعودي، أن موقف المملكة من عملية التطبيع مع إسرائيل ينطلق من المبادرة العربية للسلام، ومبدأ حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية، حيث أعلنت الكثير من القيادات السعودية أن أي تطبيع لا بد وأن ينطلق من هذه النقاط، لا سيما إقامة الدولة والحل العادل للقضية.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، فقد أعلنت حكومة بنيامين نتنياهو مؤخرا، أن بإمكانها تقديم مقترحات أو تنازلات للفلسطينيين في سبيل التطبيع مع المملكة، حيث تعيش إسرائيل في عزلة بعد عودة العلاقات ما بين الرياض وطهران والتحولات الداخلية في السعودية، والدور الذي تلعبه المملكة على المستوى السياسي والاقتصادي، حيث تعلم تل أبيب أن إقامة علاقات مع الرياض مكسب كبير.
ويرى عبد الله الحامد أن حكومة نتنياهو غير مستعدة في الوقت الراهن لتقديم هذه التنازلات، وهو ما يتضح من حجم التصعيد ضد الفلسطينيين والتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، وتصريحات الوزير الإسرائيلي سموتريتش، بعدم عقد أي اتفاق أو مصالحة مع فلسطين، وهو ما يصطدم مع مبدأ السعودية الذي يرتكز على ضرورة أن يعتمد أي تطبيع مع إسرائيل على حل القضية الفلسطينية.
ويعتقد الحامد أن إيفاد المملكة سفيرا سعوديًا في القدس، واستضافة الوفود الفلسطينية خلال الشهر الماضي، والتأكيد خلال اللقاءات على عدم التخلي عن القضية الفلسطينية، يؤكد أن الرياض غير مستعدة للتخلي عن موقفها العلني الرافض للتطبيع مع إسرائيل في ظل غياب حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية باعتبارها المنطلق الأساسي لأي علاقات مع إسرائيل.
واعتبر المحلل السياسي السعودي أن هذه الأسباب قد تكون هي الدوافع وراء تعليق الوساطة التي تسعى من خلالها الولايات المتحدة الأمريكية لتطبيع العلاقات ما بين السعودية وإسرائيل، لا سيما في ظل حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة اليمينية، وما تقوم به من تصعيد ضد الفلسطينيين، مستبعدا أن يكون هناك رغبة سعودية للتطبيع في ظل وجود هذه الحكومة.
وفيما يتعلق بتداعيات هذه الخطوة، قال عبد الله الحامد إن الرياض ليست في حاجة إلى إقامة علاقات مع إسرائيل إذا لم يقُم الإسرائيليون بتقديم تنازلات للفلسطينيين وإيجاد حل جذري لإقامة دولة فلسطينية، نافيا أن يكون هناك أي تداعيات على المملكة من هذا الانسحاب.
وقال الحامد إن الرغبة الأمريكية الشديدة في إنهاء هذا الملف تعود إلى قرب الانتخابات الأمريكية، إذ يريد الرئيس الأمريكي جو بايدن، حشد أكبر وزيادة حضوره عبر هذه الورقة، وكذلك من باب المنافسة مع الصين، بعد أن نجحت بكين في تطبيع العلاقات ما بين الرياض وطهران، حيث تريد واشنطن أن تطلع بدور أكبر في هذا الملف، لما له من فوائد متعددة، خاصة فيما يتعلق بتخفيف عزلة إسرائيل.
وقال نتنياهو، الأربعاء الماضي، إن السلام مع السعودية سيغير وجه منطقة الشرق الأوسط والعالم بأسره، حيث نقلت صحيفة "يسرائيل هايوم"، عن رئيس الوزراء الإسرائيلي، أنه رغم التهديدات التي تمثلها إيران لبلاده، فإن هناك فرصة جيدة لإسرائيل ممثلة في التوصل للمزيد من اتفاقات السلام مع بعض الدول العربية.
وأكد نتنياهو أنه يعمل مع الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة جو بايدن، على توسيع دائرة السلام في منطقة الشرق الأوسط، بشكل يغير المنطقة والعالم كله، ما يعني تمهيد الطريق لتحويل تلك المنطقة برمتها إلى ممر ضخم للبنية التحتية الحيوية.
وقال وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين، خلال مؤتمر صحفي جمعه بنظيرته الألمانية، أنالينا بيربوك: "على الرغم من أنني أرى أن هذا ممكن جدا، إلا أن هذا الأمر، في كل الأحوال، غير مضمون"، منوّها إلى أن "التوصل إلى اتفاق تطبيع بين السعودية وإسرائيل من شأنه أن ينطوي على بعض التنازلات للفلسطينيين من قبل إسرائيل، وقد يجعل المنطقة "حرفيا" أفضل".
وأوضح وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، في وقت سابق خلال مقابلة مع وسائل إعلام غربية، أن التطبيع مع إسرائيل فوائده هائلة للمنطقة على جميع الأصعدة وتحديدا الأمنية منها، مضيفا أن "إبرام أي صفقة حول تطبيع العلاقات مع إسرائيل، يعتمد على موضوع التقدم في عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين".
وقال: "هناك صفقة تطبيع مطروحة على الطاولة، منذ عام 2002 وتسمى مبادرة السلام العربية، وحتى قبل ذلك كانت لدى السعودية المبادرة الأولى التي قدمتها المملكة في عام 1982، والتي طرحت آفاق التطبيع الكامل والتام مع إسرائيل مقابل تسوية عادلة للقضية الفلسطينية".
وشدد وزير الخارجية السعودي على أنه "لا يمكن أن ينجح التطبيع في المنطقة إلا إذا عالجنا القضية الفلسطينية، وإذا تمكنا من إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود العام 1967، وهذا يمنح الفلسطينيين الكرامة ويمنحهم حقوقهم".