خبراء: مطالبة السوداني بخروج التحالف الدولي من العراق "بعيدة عن الواقع"

لقيت التصريحات المتكررة من رئيس الحكومة العراقية، طوال الأيام الماضية، حول عدم احتياج بلاده لأي قوات أجنبية على أراضية (التحالف الدولي لمحاربة داعش) انتقادات داخلية، نظرا للظروف الأمنية والسلاح المنفلت والأوضاع على الحدود مع دول الجوار.
Sputnik
يعني ذلك أن تلك التصريحات قد لا تستند لأي واقع حقيقي، ما يضعها في باب الأحلام والآمال التي يصعب وربما يستحيل تحقيقها في الوقت الراهن، لكن ما مدى جدية تصريحات محمد شياع السوداني، رئيس الحكومة العراقية، بعدم احتياج بلاده لأي قوات أجنبية في ظل الوضع الاقتصادي والأمني والمحاصصات الطائفية الحالية؟
السوداني: العراق لا يحتاج لقوات من التحالف الدولي وأجهزتنا الأمنية قادرة على ردع الإرهاب
بداية، يقول عبد الملك الحسيني، المحلل السياسي العراقي، إن ما جاء في كلام رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، حول العلاقة القادمة مع التحالف الدولي وعدم حاجة العراق لقوات قتالية، له عدة اتجاهات أحدهما مرتبط بأجندة سياسية بمعزل تام عن الواقع، والاتجاه الآخر يتعلق بجاهزية القوات الأمنية والعسكرية ووحدة القرار الأمني.

توجهات مختلفة

وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن الحديث عن قوات التحالف مرتبط بأجندة سياسية، وهي بمعزل تام عن الواقع ولاتمثل إرادة معظم القوى السياسية في العراق، ولا يتوافق مع توجهاتها في هذا الإطار كالمكون السني مثلًا، الذي يعتقد بأن العراق مازال بحاجة إلى دعم ومساندة التحالف الدولي، على الأقل في المرحلة الحالية.
وتابع الحسيني، أما المكون الكردي فله خصوصيته وقواته الخاصة في الإقليم، وهناك حالة من الاستقرار الأمني والاقتصادي والسياسي يعيشها الإقليم، ولديه رغبة في بقاء قوات التحالف الدولي التي ساهمت بشكل كبير في حماية الإقليم في عهد النظام السابق.

القرار الأمني

وأوضح المحلل السياسي أن الاتجاه الثاني المتعلق بالموضوع له ثلاثة محاور رئيسية، أولها يتمثل في جاهزية القوات الأمنية العراقية، وقدرتها على المناورة وبسط نفوذها على كامل الأرض العراقية، بما فيها من حدود مشتركة مع دول الجوار، وهذا الأمر يحتاج إلى تقييم دقيق تحت إشراف خبراء محليين ودوليين ومناورات عسكرية مخطط لها بشكل احترافي، ثم بعد ذلك يمكن معرفة الجاهزية من عدمها.
التحالف الدولي يعلن تعرض مروحية تابعة له لحادث شمالي العراق دون سقوط ضحايا
يضاف إلى ذلك نقطة مهمة تتعلق بتطبيق المادة التاسعة من الدستور، التي تنص على تحقيق التوازن في الأجهزة الأمنية، وهذا ما لم يتحقق، حيث أن الغالبية العظمى من منتسبي وضباط الأجهزة الأمنية تتبع لمكون واحد.
وأشار الحسيني إلى أن هناك محورا آخر يتعلق بوحدة القرار الأمني، أي أن كامل التشكيلات الأمنية والفصائل الحاملة للسلاح والموجودة على الأرض العراقية تتبع لقرار القائد العام للقوات المسلحة فقط، ولا تمارس نشاطاتها وتحركاتها بشكل مستقل أو خارج نطاق الدولة.
واستطرد الحسيني، قائلا: "هناك محور آخر لا يقل أهمية عن المحاور السابقة، إن لم نقل أنه يمثل الأساس في تحديد قدرات العراق العسكرية وعدم حاجته لدعم التحالف الدولي، فهو يتكون من عدة عوامل مجتمعة تمثل الداعم الرئيسي لمرحلة نزع فتيل التوتر وتعزيز التنمية وتشمل الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني، فهذه الثلاثية تمثل القواعد الحقيقية التي يرتكز عليها بناء الدولة القوية والتي تمتلك سيادة وقرارًا يمثل إرادتها المستقلة".

الواقع والأمنيات

وأعرب الحسيني عن اعتقاده بأن كلام السوداني حول عدم حاجة العراق إلى مساندة التحالف الدولي لا يتطابق مع ما ذكرناه من محاور واتجاهات كشروط رئيسية من الواجب توفرها لكي يستطيع العراق اتخاذ قراره بنفسه، العراق مازال يعاني من مشاكل داخلية وتدخلات خارجية تجعله غير قادر على اتخاذ قرارات مصيرية تمثل صمام أمان لجميع مكوناته، لذلك كان من المفترض بالسيد السوداني أن يكون كلامه أكثر دقة، فهناك فرق بين التمنيات التي يريدها العراقيون أن تتحقق على أرض الواقع، وبين الواقع نفسه الذي لا يمثل إجماعا وطنيا وفق متطلبات المرحلة الحالية.
رئيس الوزراء العراقي: لم تعد هناك ضرورة لوجود التحالف الدولي الذي تشكل لمواجهة تنظيم داعش
ولفت المحلل السياسي إلى أن حدود العراق لا تزال غير آمنة وتقع تحت رحمة دول الجوار، ومازال القرار الأمني غير موحد و تتجاذبه الإرادات الداخلية والخارجية، ولا ننسى أن هناك سلاح منفلت خارج نطاق الدولة، وأن الانقسام السياسي قد بلغ ذورته في ظل دولة ينخرها الفساد وعاث بها وتركها بلا بوصلة، مع انحدار مرعب في قطاعي التعليم والصحة وارتفاع مستوى البطالة ومعدل الفقر إلى أعلى المستويات، لذلك من الصعب الحديث عن قدرة العراق على حماية نفسه والاستغناء عن دعم التحالف الدولي وهو بلد مفكك من الداخل وظهره مكشوف للخارج.

للاستهلاك المحلي

من جانبه، يقول عبد القادر النايل، عضو الميثاق الوطني العراقي، إن تصريحات السوداني هي للاستهلاك المحلي ودعاية انتخابية لمجالس المحافظات، لأن الشعب العراقي يرفض وجود قوات احتلال على أراضيه، وهذه التصريحات ليست ذات جدوى، لأنها لا تؤثر على تواجد قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، فهي لا تستجيب لأي مطلب من الحكومة أو أي فاعل سياسي من العملية السياسية الحالية، والدليل أن البرلمان صوّت بقرار ملزم بإغلاق القواعد الأمريكية، لكن هذا القرار ضربت به الولايات المتحدة عرض الحائط ولم تحترمه.
وأشار في حديثه لـ"سبوتنيك"، إلى أن الحكومة العراقية وجميع القيادات السياسية تطلب من الولايات المتحدة حمايتهم ودعمهم للاستمرار بحكم العراق، لأنهم يعلمون جيدا أن أي انسحاب سيجعل كلمة الفصل للشعب العراقي، وما يؤخر العراقيين على فرض التغيير المنشود والذي يطالب به من خلال ثورة تشرين التي تحل ذكراها الرابعة اليوم في بغداد، طالبوا بتغير النظام السياسي الذي أسسته الولايات المتحدة وبريطانيا بالتعاون مع إيران، حيث جرى البناء على أسس طائفية ومذهبية بين كتل سياسية دخلت مع الاحتلال الأمريكي، وهذا أصل الخوف للحكومة والقوات الدولية من تأسيس نظام سياسي بديل للحالي.
الغزو الأمريكي للعراق عام 2003
لماذا لم تتعلم الولايات المتحدة من أخطائها في غزو العراق؟
وأشار عضو الميثاق الوطني إلى أن ما تعلق بتنظيم داعش (المحظور في روسيا والعديد من الدول)، فالشعب العراقي قادر على حماية نفسه عندما يجري تأسيس قوات أمنية وعسكرية ذات طابع وطني تخضع لتدريبات حقيقية، لذلك العراقيين لا يصدقون المطالبات الحكومية بإخراج القوات الدولية من العراق، لأن مثل هكذا توجهات تحتاج إلى عمل وليس إلى إطلاق تصريحات في مواقع التواصل الاجتماعي.

الذهاب لمجلس الأمن

ولفت النايل إلى أن الحكومة العراقية لو كانت جادة في التصريحات التي يطلقها السوداني، لاتخذت العديد من الإجراءات الحقيقية على الأرض، من بينها الذهاب إلى مجلس الأمن الدولي بطلب مغادرة هذه القوات، لكن لا توجد جدية من الحكومة الحالية ولا التي سبقتها، علما أن أصوات تشكيلات الإطار التنسيقي التي تضم جماعات مسلحة تظاهرت قرب السفارة الأمريكية (سابقا)، وهددت بضرب القوات الأمريكية، اندثر صوتها الآن وهي تستقبل السفيرة الأمريكية بالابتسامات وتتعهد بالتعاون والمحافظة على المصالح الأمريكية مقابل دعمهم في الحكم في العراق، والجميع تابع تحركاتها واللقاءات التي تجريها في العراق على مختلف المجالات.
يذكر أن رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، كان قد أكد قبل أيام، أن "تنظيم داعش الإرهابي، لا يمثل اليوم تهديدا للعراق".
وقال السوداني، خلال مقابلة مع صحيفة "ذا ناشيونال"، نقلتها وكالة الأنباء العراقية "واع"، إنه "لم يعد هناك ضرورة لوجود التحالف الدولي الذي تشكل لمواجهة تنظيم داعش"، مضيفا: "خلال هذا الشهر ستجتمع اللجنة المشتركة مع الجانب الأمريكي، وستؤكد على العلاقة الثنائية مع الولايات المتحدة للتعاون الأمني، ومنفتحون في كل المجالات".
لافرينتييف: من المرجح أن الولايات المتحدة توجه النشاط المتزايد للأكراد في سوريا والعراق
وذكر رئيس الوزراء أن "وجود سوريا بنظامها السياسي وشعبها، أفضل من بديل مجهول قد يُدخل المنطقة في حرب ثانية مع داعش، وأي إرباك أمني في سوريا سيطلق وحوش الإرهابيين ويهدد الأمن في العراق والمنطقة".
ووقع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، ورئيس وزراء العراق، مصطفى الكاظمي، اتفاقا ينهي رسميا المهام القتالية للقوات الأمريكية في العراق في نهاية 2021، بعد أكثر من 18 عاما على إرسال القوات الأمريكية للبلاد.
وأكد بايدن أن الدور الأمريكي في العراق سيركز على المساعدة في مجال التدريب، إضافة إلى مكافحة تنظيم داعش الإرهابي، والدعم الاستخباري.
ورحب تحالف "الفتح" بما حققه المفاوض العراقي من اتفاق على خروج القوات القتالية بشكل كامل في نهاية هذا العام، مؤكدا أنها خطوة إيجابية متقدمة باتجاه تحقيق السيادة الوطنية الكاملة.
ويوجد في الوقت الراهن نحو 2500 جندي أمريكي في العراق، تتركز مهامهم على التصدي لفلول تنظيم "داعش"، وسيتغير الدور الأمريكي في العراق بالكامل ليقتصر على التدريب وتقديم المشورة للجيش العراقي.
وغزا تحالف تقوده الولايات المتحدة العراق، في مارس/ آذار 2003، بناء على اتهامات بأن حكومة الرئيس صدام حسين تمتلك أسلحة دمار شامل، وأطيح بصدام من السلطة لكن لم يتم العثور على مثل تلك الأسلحة قط.
مناقشة