وتروي "سبوتنيك" سِرّ "شِفرة الحرب" على لسان القيادي السابق بالنادي النوبي العام، صلاح زكي مراد، الذي قال في بداية حديثه إن "شهر أكتوبر (تشرين الأول) بالنسبة لي هو ذكرى نصر جيش وشعب مصر، والتي حفرت في وجداني منذ أن كنت طفلا في عمر 6 سنوات، عندما لمحت الفرحة في عيون حواري وشوارع وأزقة حي المنيرة بمنطقة وسط المدينة بالقاهرة، حيث كان المصريون يعدون استقبالا شعبيا لكل ضابط أو جندي يعود من الجبهة بعد نصر أكتوبر 1973".
وأشار زكي إلى أن "من بين أبطال حرب أكتوبر كان كل من عمه وزوج خالته، اللذان انضما إلى قوات الجيش المصري منذ عام 1967 وحتى نصر أكتوبر، وكان كلاهما في كتيبة المهندسين، تحت قيادة القائد العظيم، باقي زكي يوسف، الذي كان صاحب فكرة استخدام مدافع ضخ المياه في تحطيم أسطورة خط بارليف المنيع".
سر شفرة الحرب وانجذاب السادات لها
أوضح صلاح زكي مراد أن "النوبة ككل جزء من أرض مصر، انضم أهلها لنصرة وطنهم، وبين أبطال النوبة في حرب أكتوبر كان أحد أهم أسباب نصر جيش مصر في الحرب، عن طريق فكرة عبقرية للرقيب، أحمد إدريس، الذي نقل فكرته حول استخدام اللغة النوبية كشفرة للجيش المصري في المعركة إلى رئيس الأركان المصري".
وواصل: "تمكن أحمد إدريس من مقابلة رئيس الأركان بالفعل، والذي بدوره نقل الفكرة للقائد الأعلى للقوات المسلحة، الرئيس المصري الراحل، أنور السادات، والذي وافق على الفكرة على الفور".
ولفت زكي إلى أن "السادات نفسه عانى من الاعتقال في سجون الاحتلال الإنجليزي، وكان يرى المعتقلين الوطنيين المصريين من أبناء النوبة وهم يستخدمون اللغة كشفرة لنقل المعلومات داخل وخارج المعتقلات، دون أن يدرك المحتل الإنجليزي ما يقولون".
وأردف: "ولأن السادات أيضا يتمتع بأصول سودانية من ناحية والدته، فقد وافق على فكرة الرقيب، أحمد إدريس، وكلّف المشير أحمد اسماعيل وقادة الجيش بالبحث عن المجنّدين والضباط المصريين من أبناء منطقة النوبة في مختلف الأسلحة، وتأسيس كتيبة خاصة لهم ليدرّس لهم إدريس أصول اللغة النوبية القديمة، وكان عددهم يقارب 350 فردا".
أصل استخدام اللغة النوبية كشفرة
بيّن صلاح زكي مراد لـ"سبوتنيك" أن "المعتقلين المصريين في سجون الاحتلال الإنجليزي، في فترة الأربعينييات والخمسينيات من القرن الماضي، كان بينهم عدد من المعتلقين النوبيين الذي خاضوا معركة النضال ضد الاستعمار، وكان مصيرهم أن قبعوا في معتقلاته، وكان من بين هؤلاء مطرب الجبهة فيما بعد، محمد حمام، ووالدا، صلاح زكي مراد، والشيخ مبارك عبده فضل، وكانوا يستخدمون اللغة النوبية كشفرة بينهم وفي زيارات عائلاتهم لهم بالمعتقل، لكي ينقلوا أخبار المعتقل وما يحدث في الخارج وما يتعرضون له من تعذيب".
وأكد صلاح زكي مراد لـ"سبوتنيك" أن موضوع شفرة حرب أكتوبر ظل سرا، حتى كشفه الرقيب أحمد إدريس، خلال تكريمه كبطل من أبطال حرب أكتوبر في عام 2008، والذي مُنح في وقت لاحق، نجمة سيناء، التي تعد أعلى وسام للعسكرية المصرية.
متى توفى أحمد إدريس صاحب فكرة "شفرة حرب أكتوبر"
توفي في 21 سبتمبر/ أيلول عام 2021، النقيب المصري أحمد إدريس، عن عمر يناهز 84 عاما، صاحب أحد أبرز الأدوار في حرب 6 أكتوبر 1973 بين الجيشين المصري والإسرائيلي.
وتلقى إدريس تكريما من الرئيس عبد الفتاح السيسي، في احتفالات نصر أكتوبر عام 2017، ومنحه وسام النجمة العسكرية، لما قدمه من خدمات للوطن.
ومن بين الكلمات النوبية التي استخدمت في الحرب كلمة "أوشريا"، التي تعني "اضرب"، وجملة "ساع آوي" وتعني "الساعة الثانية".
وولد أحمد إدريس في قرية توماس عام 1938، وحصل على الشهادة الابتدائية الأزهرية عام 1952، وشارك بعد تطوعه في الجيش في حروب العدوان الثلاثي، وحرب اليمن، وحرب يونيو/ حزيران 1967، وحرب أكتوبر 1973.
سبب إنشاء خط بارليف
أنشأت إسرائيل بارليف على طول الضفة الشرقية لقناة السويس، لتدمير أي قوات مصرية تحاول عبور قناة السويس إلى سيناء، لكن عندما اندلعت حرب أكتوبر تمكن الجيش المصري من اختراقه والوصول إلى الضفة الشرقية للقناة.
وكانت ثقة إسرائيل في قدرة خط بارليف على منع أي هجوم مصري على قواتها في سيناء يستند إلى وجوده خلف مانع مائي هو قناة السويس وساتر ترابي على شاطئ القنال.
ويتكون خط بارليف من تحصينات خرسانية تمتد على ساحل القناة وتضم أكثر من 30 نقطة حصينة، وتكون المسافة بين كل نقطتين في بعض المناطق المهمة صغيرة جدا.
وكان الساتر الترابي أفضل النقاط الحصينة للدفاع عن خط بارليف، ويمثّل عقبة طبيعية يصعب على القوات والمركبات عبورها.
لكن أحد الضباط المصريين، وهو اللواء الراحل باقي زكي يوسف، توصل إلى فكرة استخدام مضخات المياه القوية لفتح ثغرات عبر الساتر الترابي وهو ما نجح بالفعل.