ومع تكرار المناشدات العربية لدمشق لضبط الحدود، اعتبر وزير الداخلية الأردني مازن الفراية، في مداخلة متلفزة أن "كل شاحنة قادمة من سوريا تحمل المخدرات ما لم يثبت العكس"، وفق وصفه، مؤكدًا أن وزارته لا تستثني أحدا على الحدود، حيث يتم تفتيش كافة السيارات.
وبيّن الفراية أن "أحد الأسباب الرئيسة لازدياد المخدرات في الأردن، هو الوضع في سوريا والأزمة السورية، التي ألقت بظلالها على الحدود الشمالية"، فيما قال إن "دول الخليج العربية إحدى الوجهات الرئيسية للمخدرات التي تدخل من سوريا إلى الأردن".
وأعلنت أكثر من دولة ضبط كميات كبيرة من المخدرات المهربة من سوريا، أبرزها الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ولبنان، وسبق أن صدر عن اجتماع لوزراء من مصر والعراق والسعودية والأردن، في مايو/ آيار الماضي، بيانا وافقت فيه سوريا على المساعدة في منع تهريب المخدرات والعمل خلال على تحديد هويات منتجيها وناقليها.
وطرح البعض تساؤلات عن استمرار أزمة تهريب المخدرات من الحدود السورية، وتأثيرها على العلاقات السورية العربية، وإمكانية العمل على وقفها.
وقف تسليح الإرهابيين
اعتبر الدكتور أسامة دنورة، المحلل السياسي والاستراتيجي السوري، أن استتباب الأمن وضبط الحدود يبقى في المشهد العام، وبجميع الأحوال، منوطًا ومعلقًا باستعادة الدول صاحبة السيادة لسيادتها الكاملة وسيطرتها الأمنية على الأرض، وتفعيل أجهزة إنفاذ القانون التابعة لها.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، من غير الممكن ولا المقبول أن نتحدث عن أولوية قضايا أمنية ذات طابع جنائي على تلك التي تتعلق بوجود ميليشيات مسلحة، وقوى أمر واقع لاشرعية، ومجموعات إرهابية تحظى بدعم (أوغض بصر) من بعض القوى الإقليمية والدولية، ثم تعود تلك القوى ذاتها لتتحدث عن حالة انفلات أمني ساهمت هي ذاتها، ولا تزال، بتغذيتها ومدها بأسباب الاستمرار والتجذر والامتداد.
وأوضح أنه من البديهي أن سيطرة ونفوذ المجموعات الإرهابية سيضعف من قدرة مكافحة التهريب وقدرات مكافحة الجريمة بشكل عام.
ولفت إلى حديث وزير الداخلية الأردني ضمن مقاربة موضوعية نسبيًا بقوله إن "السلطات السورية تستجيب بقدر الإمكان، ولكن سيطرتها على الحدود في حدودها الدنيا"، فالأمن الذاتي لا يمكن له أن يتحقق من دون الأمن الجماعي، وهذه المعادلة هي التي تحجم بعض الدول عن إدراكها، أو أنها تدركها، وتعطي هي ذاتها الأولوية للأجندة السياسية والأمنية المناوئة للدولة السورية، ثم تعود لتشتكي من استشراء الجريمة وفلتان الحدود.
ويرى دنورة أن ضمان أمن الحدود يعني بالمقام الأول قطع طرق الإمداد (بالتمويل والتسليح والأفراد) عن المجموعات الإرهابية التي تعتبر المسبب الأول والأخير لأي انفلات أمني على الحدود، وسيعتبر ذلك بلا ريب شرطًا لازمًا وكافيًا ومقدمة لا بديل عنها لتضمن تلك الدول أمنها الذاتي.
حدود هشة
بدوره اعتبر نضال الطعاني، المحلل السياسي الأردني، وعضو البرلمان السابق، أن الحدود الأردنية السورية منذ العام 2011 ولغاية الآن هشة، ومحمية من جانب واحد متمثل في القوات المسلحة الأردنية، كما أنها تهتم بالوضع الاستخباراتي والعسكري، وكانت مناطق خفض التصعيد من أنجح المناطق التي تمت في الجنوب السوري.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، الحدود السورية الجنوبية في أغلبها بيد قوى المعارضة السورية، وهناك نشاط متزايد جدًا في الإتجار بالمخدرات، وبكمية باتت تغطي كل المجتمعات العربية بما في ذلك المملكة الأردنية، فيما ابتكرت هذه المجموعات طرقا جديدة للتهريب، عبر الطائرات المسيرة وغيرها من الوسائل.
وأوضح أن هذه الكميات التي تهرب من الحدود السورية، يعاني منها الأردن وتمثل تهديدا حقيقيًا للمملكة وللعديد من البلدان الأخرى، ما دفع وزير الخارجية الأردني بمطالبة الدولة السورية عبر مباحثات سياسية جادة بضبط الحدود، لكن دمشق وفي ظل الوضع الحالي غير قادرة على استعادة الأمن هناك، خاصة في ظل التدخلات الخارجية بالجنوب.
وأكد أن هذا الوضع تتحمله الدولة الأردنية والتي استنفدت كل طاقتها في حماية الحدود مع سوريا من جانب واحد، من اليوم الأول للأحداث هناك في العام 2011، إذ دائما ما طالبت المملكة الهاشمية بإيجاد حل سياسي يجعل هناك دولة سورية قوية تحمي حدودها بالشكل المثالي المطلوب.
ويرى الطعاني أن "الضغط الآن أخذ منحى سياسيا مختلفا كليًا، خاصة في دول الخليج، حيث حروب الوكالة، واستهداف دول المقاومة والممانعة"، معتبرًا أن حكمة القيادة الأردنية جنبت المنطقة الكثير من الأزمات، لا سيما في ظل رفض الكثير من المخططات من بينها المنطقة العازلة على الحدود.
وقال وزير الداخلية الأردني: "نحن لدينا اليوم 378 كيلومتر حدود مع سوريا، وهذه الحدود منضبطة من جهة الأردن فقط ونتحدث باستمرار مع الأشقاء في سوريا بخصوص التعاون والتنسيق في مجال المخدرات، يستجيبون بالقدر الذي يقدرون عليه، لكن بالتأكيد قدرتهم بالسيطرة على حدودهم هي في حدودها الدنيا".
وأكد أن "سيارات وشاحنات بألواح أرقام سعودية وإماراتية، تم ضبطها وهي متجهة لدول الخليج العربي ومحملة بأكثر من مليون حبة كبتاغون".
وأعلنت السلطات السعودية أكثر من مرة عن ضبط كميات من حبوب "الكبتاغون" وأنواعا مختلفة من المخدرات، يتم تهريبها بشكل أساسي من سوريا ولبنان.
وفي يوليو الماضي، عَقدَت اللجنة الأردنية السورية المشتركة للتعاون في مكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود السورية إلى الأردن، اجتماعها الأول، وذلك تنفيذاً لمخرجات اجتماع عمّان التشاوري الذي استضافته المملكة في 1 أيار/ مايو 2023.
يذكر أن الأردن يبذل جهودا كبيرة لمكافحة تهريب المخدرات إلى أراضيه من الحدود السورية، ويشمل ذلك التصدي لأي محاولة تسلل، حتى تلك التي تستخدم الطائرات المسيرة لتهريب المخدرات.
وفي مايو الماضي، توعد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، بالضرب بيد من حديد لكل من يهدد الأمن الوطني والإقليمي لبلاده.