التصريحات الرسمية من الدولة التونسية على لسان أكثر من مسؤول بداية من الرئيس قيس سعيد، تؤكد بشكل واضح ما كانت ترغب فيه أوروبا بأن تصبح تونس "حائط صد" للمهاجرين، دون الاعتبار للمخاطر المترتبة على معالجة الأزمة على هذا المنحى.
في مشهد آخر، قرر الرئيس التونسي قيس سعيد إرجاء زيارة وفد من المفوضية الأوروبية كانت مقررة هذا الأسبوع إلى تونس، وذلك من أجل "تدارس النقاط التي يجب التفاوض حولها" بشأن اتفاق حول الهجرة، أبرم في يوليو/تموز الماضي، وفق وزير الداخلية التونسي.
وتبعا لخبراء فإن إرجاء زيارة الوفد ترتبط ببعض أعضائه الذين تحفظت الدولة على زيارتهم إلى تونس، نظرا لمواقفهم المعادية للدولة، وتدخلهم في الشؤون الداخلية.
وقال خبيران لـ"سبوتنيك"، إن الخطوة التي اتخذتها تونس طبيعية من حيث الاستناد إلى الأعراف الدبلوماسية والقانونية، التي يمكن أن يسمح فيها لأشخاص بزيارة البلاد أو عدم الموافقة على ذلك.
من جهة أخرى أشارت المفوضية الأوروبية إلى أنها اقترحت إرسال وفد، في هذا الأسبوع، من أجل "متابعة النقاشات بشأن تنفيذ مذكرة التفاهم" التي تلحظ مساعدة مالية لتونس لمكافحة الهجرة غير النظامية.
وأشار وزير الداخلية التونسي، كمال الفقي، في فيديو نشر مساء الجمعة، على صفحة وزارته على مواقع التواصل، إلى أن سعيّد "طلب التأجيل من أجل تدارس النقاط التي يجب التفاوض حولها في شأن الاتفاق".
واستبعد الوزير وجود "خلاف" مع الاتحاد الأوروبي في هذا الملف، لكنه شدد في المقابل على أن هذا "الاتفاق حديث... ولم يرَ النور بعد".
ومنعت تونس منتصف سبتمبر/ أيلول، وفدا من البرلمان الأوروبي من دخول أراضيها بعد انتقادات من نواب أوروبيين لاتفاق الهجرة المبرم بين الاتحاد الأوروبي وتونس.
يقول منذر ثابت، المحلل الاستراتيجي التونسي، إن السياق العام الحالي يشوبه التوتر بين السلطة في تونس والمعارضة بالبرلمان الأوروبي.
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن الخلاف القائم يتعلق بعملية الإيقافات ومستقبل الديمقراطية في تونس، غير أن الرئيس قيس سعيد يعتبر أن الإرادة الشعبية تدعمه في تأسيس الجمهورية الثالثة.
ويرى أن الموقف التونسي المبني على رفض التدخل الخارجي، لم يتغير وأن تأجيل زيارة الوفد الأوروبي يستند إلى هذا الموقف.
ويرى أن "قرطاج" تراهن على الصراع داخل البيت الأوروبي، والضغط أكثر من أجل تحقيق الاستفادة التي تتماشى مع سيادة الدولة ورؤيتها.
في الإطار ذاته قال حازم القصوري القانوني إن الزيارة ليست رسمية من طرف الاتحاد الأوروبي، بل أن بعض الأعضاء رغبوا في زيارة تونس، لكن الخارجية أبدت التحفظ على بعض النواب، نظرا لموقفهم العدائي تجاه البلاد.
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن تونس شريكة للاتحاد الأوروبي، لكن لا يمكن لأي شخص أو مسؤول زيارة تونس دون اتباع الإجراءات الرسمية والقانونية والمعمول بها في إطار الأعراف الدبلوماسية.
ويرى القصوري أن الموقف التونسي يذهب نحو عقد مؤتمر دولي لحلحة الملف، نظرا لما تمثله القضية من أهمية بالنسبة لتونس والاتحاد الأوروبي أيضا.
وتابع: "من الخطأ أن يؤثر الموقف التونسي بشأن مراجعة الإجراءات تجاه بعض النواب على المفاوضات الدائرة بين تونس والجانب الأوروبي، باعتبار أن القرار يخص السيادة التونسية التي لا تقبل التدخل".
ويرصد الاتفاق الذي وقع في يوليو/تموز، في تونس، مساعدة أوروبية لتونس بـ105 ملايين يورو لمكافحة الهجرة غير النظامية.
وفي وقت سابق أعلنت المفوضية الأوروبية أنها ستباشر "على الفور" تسديد 42 مليون يورو من أصل المبلغ المنصوص عليه في الاتفاق المبرم في يوليو مع تونس.
كما تعهد الاتحاد الأوروبي تقديم مساعدة مالية مباشرة بـ150 مليون يورو في العام 2023.