زادت حياتهن قسوة... التغيرات المناخية تجبر نساء تونسيات على الهجرة

رجل يملأ زجاجة بمياه صالحة للشرب من مصدر في سيدي بوسعيد، شمال تونس العاصمة، وسط خوض البلاد معركة ضد الجفاف الشديد المتزايد، 12 نيسان/ أبريل 2023
تدفع الكثير من النّساء في تونس ضريبة قاسية للتغيرات المناخية، التي تؤثر على حياتهن بشكل مباشر، وهو ما يدفع العشرات منهن إلى الهجرة، سواء خارج بلدهن أو النزوح إلى المدن.
Sputnik
وتبدو هذه التأثيرات أشد قسوة على النساء القاطنات في الوسط الريفي أو العاملات في قطاع الزراعة، إذ تتحمّل الكثيرات منهن عبء الحصول على الغذاء والماء بمفردهن، مما يقوّض حياتهن وحياة عائلاتهن.
غادرن بحثا عن الماء
غادرت سامية طرشون (33 سنة) منطقة الجميلات (محافظة سليانة) الواقعة في الشمال الغربي لتونس، واتجهت للعيش في منزل عمتها بإحدى ضواحي العاصمة.
وكانت ندرة المياه وتراجع إنتاجية النشاط الفلاحي، هما السببان الرئيسيان وراء نزوح سامية إلى المدينة.
وتقول في تصريحات لـ"سبوتنيك": "تركت العيش في قريتي الريفية منذ عام ونصف، فالحياة في مسقط رأسي باتت شبه مستحيلة".
وأضافت أنها "كانت تتكبّد مشقة الحصول على المياه في منطقتها، وتقطع ما يزيد عن 3 كيلومترات من أجل الوصول إلى عين جبلية تشرب منها عشرات العائلات".

وتؤكد سامية أنها "اتجهت للعمل كمعينة منزلية في العاصمة، بعد أن تركت نشاطها في الحقول، متابعة: "بسبب قلة الأمطار جفت التربة وتراجعت إنتاجية البساتين، التي تمثّل مورد رزق العشرات من نساء قريتي".

وسامية طرشون ليست الضحية الوحيدة للتغيرات المناخية في تونس؛ فقصص النساء اللاتي اضطررن إلى ترك بيوتهن كثيرة، مع تفاوت الآثار بين الأشخاص والمناطق.
"منيرة" كما أرادت أن نطلق على اسمها، اضطرت إلى الزواج في سن مبكرة هربا من ضنك العيش في قريتها "المنشية" التابعة لمحافظة قبلي بالجنوب التونسي، حيث حرارة الشمس تثقب الرؤوس.
وتقول منيرة لـ"سبوتنيك": "قبلت أول عرض زواج من رجل أصيل محافظة صفاقس وأنا في الـ18 من عمري، وكان هدفي الوحيد حينها هو الابتعاد عن بيئة لا أستطيع فيها التنفس، فلا ماء هنا ولا نبات".
مجتمع
لماذا تضاعف عدد الدعاوى القضائية الخاصة بالتغير المناخي حول العالم؟
تغير المناخ.. دافع للهجرة
تؤكد عضو قسم العدالة البيئية بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، منيارة المجبري لـ"سبوتنيك"، أن "التغيرات المناخية تحولت تدريجيا إلى دافع مهم لهجرة النساء وخروجهن من مناطق سكنهن".
وأوضحت: "تغير المناخ وخاصة قلة الأمطار أثر بشكل كبير على المائدة المائية، والنساء الريفيات أصبحن يجدن صعوبة بالغة في الوصول إلى المياه سواء في الآبار أو العيون".
وتحت وطأة هذه الظروف، تقول المجبري إن "المرأة في الوسط الريفي تجبر على المغادرة بحثا عن تحسين ظروف عيشها وعيش عائلتها".
وأضافت: "العامل الثاني هو ارتفاع درجات الحرارة التي تعجز النساء في بعض المناطق عن مقاومتها، وهو ما يدفعهن إلى الانتقال إلى مناطق أخرى والبحث عن مواطن عمل مغايرة داخل المصانع أو في المنازل".
ولفتت المجبري إلى أن "ارتفاع منسوب حرائق الغابات بفعل التغيرات المناخية، أجبر العشرات من النساء أيضا على مغادرة بيوتهن بعد أن خسرن موارد رزقهن المتمثلة أساسا في الرعي والاحتطاب".
وذكرت المجبري أن "كل النساء المتضررات من التغيرات المناخية تنتقلن للعيش في المدن أو في المحافظات الساحلية، حيث تتقلص حدة تغير المناخ وتتوفر مقومات الحياة".

وتشير الناشطة الحقوقية إلى أن "المجهودات التي تقوم بها الدولة للتقليص من آثار التغيرات المناخية على النساء والأطفال ما تزال محدودة وتكاد لا تذكر، وأن كل الاجراءات المعلن عنها بقيت حبرا على ورق".

مجتمع
مسؤولة بريطانية تحذر من انتشار أمراض جديدة بسبب التغير المناخي
المناخ يهدد موارد رزق النساء
بدوره، يؤكد المهندس البيئي المختص في الشأن المناخي، حمدي حشاد، في تصريحات لـ"سبوتنيك" أن "التغيرات المناخية ضاعفت حجم الضغوطات الاقتصادية على سكان الأرياف الذين يعتمدون على الأمطار في نشاطات الري والرعي".
وأضاف: "هذه الظغوطات تتسبب بدورها في خلق ضغوطات نفسية لدى النساء اللاتي يسعين إلى إيجاد بدائل لمواجهة نقص الإنتاج، خاصة وأن القوة النسائية تمثل 70% من اليد العاملة في قطاع الزراعة".

وأشار حشاد إلى أن "نسبة كبيرة من اليد العاملة النسائية ترتبط بالعمل الموسمي في جني بعض المحاصيل الفلاحية التي تراجع إنتاجها بسبب نقص الأمطار، وهو ما تسبب في تقلّص ساعات العمل بالنسبة للنساء الفلاحيات".

وبيّن الخبير البيئي أن "هذه العوامل أثّرت على قدرة النساء على توفير الحاجيات الأساسية لعائلاتهن، مشيرا إلى أن جفاف الآبار والاضطرابات المتكررة في تزويد الأرياف بالمياه دفع الكثير من النساء إلى تخصيص جزء من يومهن لجلب المياه من مناطق بعيدة ويسلكن طرقا غير آمنة".
ولفت حشاد إلى أن "التغيرات المناخية صنعت جيلا جديدا من المهاجرين المناخيين"، مؤكدا أن "شريحة كبيرة من المهاجرين الذين يخوضون عباب البحر في قوارب غير نظامية ينتمون إلى مجتمعات فلاحية والملفت للنظر أن العنصر النسائي أصبح يتواجد بكثافة في هذه الرحلات المحفوفة بالمخاطر".
وأشار تقرير نشره البنك الدولي في شهر سبتمبر/ أيلول 2021، أن التغيّر المناخي قد يجبر 216 مليون شخص على الهجرة داخل بلدانهم بحلول عام 2050، وتوقع البنك أن تشهد منطقة شمال أفريقيا هجرة 19 مليون شخص للأسباب ذاتها.
مناقشة