وفي هذا الشأن يقول المحلل الاقتصادي محمد درميش: إن الاقتصاد الليبي يعاني منذ عشرات السنين من تشوهات، تتمثل هذه التشوهات في انخفاض مستوى دخل الفرد، وانخفاض فرص العمل، وأزمة الإسكان، وتدني مستوى الخدمات العامة، وبطبيعة الحال سعر الصرف هو النخاع الشوكي والعصب الجوهري الذي ترتكز عليه العملية الاقتصادية في ليبيا، وأن السياسات النقدية والمصرفية والتجارية ترتبط بشكل أساسي بسعر الصرف.
تداعيات أثقلت كاهل المواطن الليبي
وتابع في تصريحه لـ"سبوتنيك" أن لتاريخ الصرف تاريخ قديم يعود لعام 1999 عندما قامت الدولة الليبية بتخفيض سعر الصرف من 0.30 قرش إلى 1.20 دينار، أدى ذلك إلى انخفاض مستوى دخل الفرد، حيث كان مستوى دخل الفترة في فترة 0.30 قرش ما يعادل 500 دولار لدخل الفرد على 150 دينار، وبعد التخفيض أصبح دخل الفرد ما يعادل 120 دولار للفرد الواحد، مما أدى إلى زيادة التشوهات في الاقتصاد الليبي، بالإضافة لعدة معايير أخرى.
وأضاف بأن هذا الوضع أستمر حتى قيام ثورة فبراير، حيث أستقر مستوى سعر الدولار عند 1.30 دينار وحدث فيه نوع من الاستقرار، وأن سعر الصرف في البنوك الرسمية 1.30 دينار وفي السوق الموازي 1.27-1.29 دينار أي أن سعر صرف الدولار في السوق الموازي أقل من سعره الرسمي في البنوك.
وأشار درميش بأن البلاد دخلت في نهاية عام 2014 في حروب، وتم اغلاق تصدير النفط، ارتفع على إثرها سعر الصرف، وفي عام 2015، بدأ التخطيط لتخفيض سعر صرف الدينار مقابل العملات الأخرى.
ويقول تم التنبيه من الباحثين والمختصين لبعض الجهات المختصة في الدولة بعدم المساس بسعر صرف الدينار الليبي، وبضرورة معالجة هذه المشكلة بوسائل أخرى لا يتم فيها التطرق لتخفيض قيمة الدينار، ولكن للأسف تم التحايل بعد دخول المجلس الرئاسي في تلك الفترة وتم فرض ضريبة على الواردات مما أدى إلى تخفيض قيمة الدينار أكثر، ومن ثم فرض رسوم على بيع النقد الأجنبي أصبح فيها قيمة الدينار أمام الدولار 3.90.
وتابع بأن هذا التخفيض أثر بشكل كبير على حياة المواطن البسيط وعامة الناس بحيث أصبح متوسط دخل الفرد 155 دولار تقريبا، أنخفض فيها دخل الفرد بشكل كبير أثر ذلك سلبا على مستوى دخل الفرد وأثر على أسعار السلع والخدمات.
وأوضح أن بين 2016-2018 وبعد 2020 أصبح ما يروج بموضوع توحيد سعر الصرف وأن توحيد سعر الصرف شيء ممتاز، ولكن ما هو المعيار الذي يجب أن يتم توحيد سعر الصرف عنده حتى لا يسبب ضرر للتجار أو الاقتصاد الوطني.
ولفت بأن من المصرف المركزي شكل لجنة وعلى غرارها أجتمع المصرف لمدة ثلاثة ثواني، تم على إثر ذلك الاجتماع اتخاذ قرار أدى إلى تداعيات خطيرة في النشاط الاقتصادي في المجتمع الليبي، وهذا القرار لم يأخذ في عين الاعتبار فتاوى العلماء ووجهات نظر المختصين والباحثين الذين نبهوا من خطورة توحيد سعر الصرف على سعر غير عادل وأكدوا بأنه سوف يضخم أرقام الميزانية العامة وسيسبب ركود اقتصادي ويسبب تكبيل الخزانة العامة وتحميلها عاملين آخرين لدفع مرتباتهم على حد قوله.
مشيرا بأن هذا القرار طبق في بداية 2020 والآن نحصد ما زرع قبلنا من قرارات المصرف المركزي، حيثُ استقر الدولار في السوق الموازي على سعر 5.10-5.20 دينار والسعر في المصرف المركزي أصبح 4.48-4.90 دينار.
ومن جانبه وصف الارتفاع المفاجئ الذي حدث في سعر الدولار اليوم بأن هناك خلل في أسعار بيع الدولار في السوق الموازي، وبأن هذا الأمر يرجع لعدة أسباب وأن المصرف المركزي هو الجهة المسؤولة بوضع سعر الصرف وهي الجهة المسؤولة في التدخل عند وجود أي خلل في الأسعار بوضع القيمة الحقيقية والمعيار الذي يقابل به العملات الأخرى، ولكنه أكد بأن المصرف المركزي لم ساكن في هذا الشأن.
متسائلا عن عدم معرفته بظروف المصرف المركزي عن هذا التقصير والتخلي عن واجباته، مشددا بأنه يجب على المصرف المركزي التدخل الفوري لحل هذه الإشكالية خاصة بأنه يملك الأدوات والقوة لحل هذه المشكلة، بدوره يحث إدارة المركزي أن يضع حل عاجل لهذه المشكلة في السوق الموازي، لما لهذه المشكلة من تأثير مباشر على الحياة العامة للمواطن الليبي، والتي وصفها بأنها تزيد من حدة التشوهات الاقتصادية.
لافتا بأن هذا التضخم في أسعار السلع والخدمات سيشكل عبئ على كاهل المواطن الذي لا يستطيع ان يتحمل كل هذه الأعباء منذ عام 2014 حيث استنزفت مدخراته وانخفض مستوى دخله.
ووصف بأنه ما بين 60-70% من المواطنين الليبي يعيشون على القوت اليومي ولا يستطيعون توفير قوت اليوم الثاني إلا بصعوبة بالغة، وسيسبب هذا الأمر زيادة الفقر في المجتمع والجريمة بشكل كبير والانحراف والتطرف وغيرها من الأمور التي لا يستطيع المجتمع ايقافها حسب تصريحه.
الانقسام السياسي والحروب
في الإطار يقول الأكاديمي الليبي والمتخصص في الشأن الاقتصادي علي الشريف أن العجز المتراكم لأكثر من عشر سنوات في موازنة الدولة الليبية متكون من شقين الشق الأول متعلق بانخفاض الإيرادات وهذا الانخفاض ناجم عن توقف إنتاج النفط خلال أعوام 2014-2018 انخفضت الإيرادات سبب عجز في تلك السنوات، وتكرر الأمر في عام 2020، بسبب الأسعار خاصة بعد أزمة كورونا وانخفاض أسعار النفط العالمية وأصبحت الأسعار أقل من سعر التكلفة وحدث عجز كبير جدا بحكم أن ليبيا تعتمد فقط على انتاج النفط وايراداته، مما أحدث هذا العجز خلال هذه الفترات.
اعتبر الشريف في تصريحه لـ"سبوتنيك" أن الرئيسي في العجز خلال العشر سنوات، وهناك أسباب أخرى متمثلة في تضخم الموازنات العامة خلال الانفاق على الحروب التي حدثت في البلاد خلال العشر سنوات السابقة وفي الانفاق في وجود العديد من الحكومات والمؤسسات وانقسامها كل هذه الأمور تعتبر مراكز تكلفة زادت في النفقات العامة بشكل كبير جدا، خاصة الانفاق التسييري.
مضيفا أن بند النفقات وتضخم فاتورة المرتبات خاصة بعد الزيادات الكبيرة في المرتبات، هي ليست زيادة مقارنة بسعر صرف الدولار ولكنها انخفاض في الدخل الحقيقي.
ووصفها بأنها كلها تأتي في زيادة الدخل النفطي، وأن كل هذه الأرقام المتعلقة بالنفقات أصبحت عامل في تضخم النفقة حتى وإن لم تحدث عجز سببت فائض بمقدار بسيط، على الرغم من ارتفاع أسعار النفط في سنوات عديدة واستقرار كمية النفط يفترض أن يكون هناك فائض أكبر يعادل احتياطات الدولة من العملة الصعبة، لأن زيادات أسعار النفط ذهبت في الانفاق التسييري والبذخي الذي جعل من هذه الحكومات أن تنفق بسخاء دون ترشيد الانفاق العام خلال هذه الفترة.
ولفت الشريف إلى أن الأمر الآخر متعلق بكيفية معالجة هذه المشكلة التي تتكون من شقين، نحن بحاجة إلى إدارة العملات الصعبة والاعتمادات بشكل جيد، وعدم اصدار أي اعتمادات وهمية التي أحدثت عجز في الوضع التجاري في ليبيا، بالإضافة إلى السيطرة على النفقات الحكومية من قبل الحكومات الحالية بتقليل النفقات على الأقل في بعض البنود مثل النفقات التسييرية.
مشيرا إلى أنه أصبح من الصعب تخفيض الموازنة العامة خاصة في بند المرتبات المرتفع هو بند غير قابل للتخفيض لأنه مرن في الاتجاه العلوي وليس مرن في الاتجاه السفلي وبالتالي أصبح هذا البند جامد ما يسمي في علم الاقتصاد جمود الأجور.
لافتا إلى بند الدعم المرتفع حيثُ أكد بأن فاتورة الدعم وصلت إلى 25% من الموازنة العامة وفي ارتفاع مستمر، مشددا بضرورة أن يدار هذا البند بشكل جيد، وأن يتم تقليل عمليات التهريب، وأن يتم النظر في مسألة الدعم في غير هذا الوقت وهذه الظروف بشكل خاص.
ويؤكد على ضرورة أن يتم يعمل بنظام جديد لعملية استبدال الدعم، مشددا على أن تتوفر مقومات استبدال الدعم لأن المقومات غير متوفرة، ولأن حكومة الوحدة الوطنية تفكر في استبدال الدعم في هذا الوقت، وأعتبر هذا الوقت توقيت خاطئ جدا، يجب أن يتم توفير بيئة مناسبة لعملية استبدال الدعم مع مراعاة الشروط والعوامل الوجب توفرها في هذا الخصوص.