وأضاف الخبيران أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، انحرف بسياسته الحالية عن الموقف السائد لدى دبلوماسية بلاده منذ عقود، تجاه المنطقة، وأنه حاول البحث عن دور في منطقة الشرق الأوسط، بعدما فقد نفوذه في القارة الأفريقية.
وجاء موقف باريس مغايرًا، حيث أكد ماكرون أكثر من مرة دعمه للجانب الإسرائيلى، زاعمًا أنه يأتي في إطار حق دفاعها عن نفسها، الأمر الذي أثار غضب الشارع العربي، وتحفظ الحكومات العربية على النهج الفرنسي الذي جاء ضمن "تبعية" لواشنطن في كل خطواتها.
يقول المحلل السياسي محمد سعيد الرز، إنه مع بداية الاستعدادات الإسرائيلية والأطلسية لشن الحرب على غزة، عقب عملية "طوفان الأقصى" 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لوحظ خروج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن الخط الاستراتيجي المعتاد تاريخيا للسياسة الخارجية الفرنسية.
يوضح في حديثه مع "سبوتنيك"، أن الخط الاستراتيجي الفرنسي تميز سابقا بالإبقاء على مساحة مستقلة عن الولايات المتحدة الأمريكية ومشاريعها في الشرق الأوسط، وفتح خطوط تواصل مع مختلف الأطراف، تمكن فرنسا من القيام بوساطات ووضع حلول للنزاعات.
ويرى أن هذه السياسة الوسطية نسبيا تخلّت عنها فرنسا في الأيام الأولى للحرب على غزة، حين تبنت بشكل كامل الروايات الإسرائيلية والأمريكية، بل وزايدت في بعض المراحل على الموقف البريطاني الملتحق كليا بواشنطن، حين ذهب ماكرون إلى تل أبيب، وتعامل بتعاطف حاسم مع نتنياهو وأركان حربه.
وفق الرز، فإن ماكرون سارع لتثبيت قدمه في المعادلة الدولية التي تعمل أمريكا وإسرائيل على زرعها في المنطقة العربية والعالم الإسلامي، خاصة بعد انتهاء حرب غزة، من خلال مشروع قناة بن غوريون المتمم لخط التجارة الهندي الخليجي الإسرائيلي، وكذلك آبار الغاز المكتشفة في بحر غزة، إضافة لتطلّع أمريكي وأطلسي استعماري لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط.
سعى ماكرون، من خلال الباب الإسرائيلي، ليحفظ حصة وازنة له في المنطقة، بعد مسلسل إخراجه من أفريقيا وآخره النيجر، حسب المحلل السياسي.
يعتقد الرز أن حسابات الرئيس الفرنسي لم تستفد من تجارب السنوات الأخيرة، خاصة أنه فشل في لبنان رغم حضوره الشخصي وإشرافه على حل أزمته، رغم مراهنته على العلاقات التاريخية بين باريس وبيروت، في إطار الفرنكوفونية.
وشدد على أنه فشل في إثبات دوره وتواجده في النيجر، رغم احتشاد القوة الأفريقية المشتركة، وفي كلا الحالتين كان المانع الأمريكي يترك بصماته.
وفق المحلل اللبناني، فإن ماكرون يبحث عن دور في الشرق الأوسط، في الوقت الذي تبحث فرنسا عن أداة لا شريك، أي أنها لا تعتبر فرنسا شريكة بل أداة لتنفيذ أجندتها.
ويرى أن المتغيرات في الفترة المقبلة تحول دون إتمام ما خططت له إدارة بايدن، إذ بات واضحا أن الأخير لن يعود إلى البيت الأبيض ثانية حسب كل الاستطلاعات الأمريكية، وكذلك بشأن نتنياهو الذاهب إلى مصير قاتم.
ويرى أن الحرب في غزة ستترك أثرها على المعادلة الدولية، بعد أن ظهر في الأمم المتحدة قبل عشرة أيام، أن 176 دولة تقف في جانب، وفي الجانب الآخر عشر دول فقط، تتقدمهم أمريكا ونهجها الاستعماري، وهي صورة تؤكد طبيعة العالم المتغير في المرحلة المقبلة.
من ناحيته، قال المحلل السياسي التونسي، منذر ثابت، إن الحضور الفرنسي تراجع في المنطقة بشكل كبير خلال فترة الرئيس إيمانويل ماكرون، بسبب السياسة الخاطئة التي انتهجها أيضا في الحرب على غزة.
وأضاف في حديثه مع "سبوتنيك"، أن الموقف الأخير للرئيس الفرنسي من الحرب في غزة يأتي على حساب الدبلوماسية الفرنسية في المنطقة العربية، إذ تتأثر بصورة أكبر نتيجة الموقف.
ويرى أن الدول العربية قد لا تتجه إلى خفض تعاملاتها التجارية أو الاقتصادية مع فرنسا، باعتبارها مصلحة مشتركة، لكن الأمر يأتي على حساب الحضور الدبلوماسي الفرنسي، الذي عُرف طوال الفترات السابقة بتوازنه تجاه القضايا الخاصة بالمنطقة.