تراجع التصنيف السيادي لتونس... وزيرة المالية تتهم الوكالات الغربية بوجود غايات "سياسية"

صرّحت وزيرة المالية التونسية، سهام البوغديري نمصية، بأن أسبابا "غير موضوعية وسياسية" تقف خلف تعمد وكالات التصنيف الائتماني تخفيض الترقيم السيادي لتونس في الآونة الأخيرة.
Sputnik
وقالت نمصية خلال جلسة استماع لها بالبرلمان، السبت، "إن تراجع الترقيم السيادي لتونس في المدة الأخيرة من طرف أغلب وكالات التصنيف الائتماني هو نتاج تباطؤ النمو الوطني بسبب الحاجيات للتمويل وعدم إبرام برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي".
واستطردت: "توجد أيضا أسباب غير موضوعية، وهي سياسية إذ لا يوجد في بعض الأحيان تفسير للتخفيض في التصنيف السيادي لتونس".
وفي الأشهر الأخيرة، عرف التصنيف الائتماني لتونس تخفيضا مستمرا، من قبل كبرى وكالات التصنيف السيادي وفي مقدماتها؛ موديز، وفيتش، وستاندرد آند بورز التي تسيطر على نحو 95% من أعمال التصنيف في العالم، وهي شركات أمريكية المنشأ.
وتجد هذه التصنيفات شكوكا من خبراء في الاقتصاد ومحللين سياسيين في تونس وحتى من مسؤولين في أعلى هرم الدولة. حيث سبق للرئيس التونسي قيس سعيد أن وجه انتقادات حادة لوكالات التصنيف الائتماني واتهمها بفرض الإملاءات.
قيس سعيد: تونس ترفض إملاءات صندوق النقد الدولي

تصنيفات بضغط غربي

ويتفق المحلل السياسي محمد بريك مع ما ذهبت إليه وزيرة المالية في اعتبار تصنيفات وكالات الترقيم السيادي "غير موضوعية"، مبينا أن جل المؤشرات تشير إلى تسجيل تحسن في الوضع المالي والاقتصادي لتونس.
وأضاف في تصريح لـ "سبوتنيك": "تجاوز مخزون تونس من العملة الصعبة 25 ألف مليون دينار أي ما يُعادل 113 يوم توريد، وانخفض العجز التجاري بنسبة 39% في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2023. كما تمكنت تونس من سداد 74% من ديونها الخارجية لهذا العام خلافا لما توقعته هذه الوكالات".
ولفت بريك إلى أن دولا أخرى وضعها الاقتصادي أسوأ بكثير من تونس لا تحظى بنفس التصنيف، على غرار أوكرانيا التي هي في حالة إفلاس وغياب للإنتاجية، وتجد دعما من هذه الوكالات ومن الممولين الدوليين على غرار البنك الدولي الذي خصص 411 مليار دولار لإعادة إعمارها، وصندوق النقد الدولي الذي صادق على تمويلها بـ 115 مليار دولار.
وشدد بريك على أن وكالات التصنيف الغربية تخضع لإملاءات الدول التي تنتمي إليها، وتستند إلى تقييمات صندوق النقد الدولي الذي بات بمثابة السلاح الاقتصادي الذي تشهره دول الغرب في وجه الدول التي تعتبرها "مستعمرات".
وأضاف: "لم يعد بإمكان الدول أن تعرف ما إذا كانت وكالات التصنيف الائتماني أداة للتقييم الدقيق المبني على معطيات مدروسة أم أداة للهيمنة الأمريكية؟".
البنك الدولي يخفض توقعاته لنمو الاقتصاد التونسي خلال 2023

اعتبارات سياسية

وأوضح أستاذ الاقتصاد والمحلل المالي، بسام النيفر، لـ"سبوتنيك"، أن العوامل السياسية تسيطر على جزء مهم من قرارات وكالات التصنيف الائتماني.
ولفت إلى أن تونس تتعامل مع وكالات تصنيف أمريكية وأوروبية المنشأ، مضيفا: "ببساطة، إذا كانت التوجهات التونسية تحظى بقبول الدول الغربية فإن المعايير المعتمدة في التصنيف الائتماني لن تكون قاسية".
وتابع: "وكالة موديز الأمريكية التي خفضت مؤخرا تصنيف تونس الائتماني إلى caa2 مع آفاق سلبية، هي ذاتها التي قررت قبل أيام تأجيل إعلان تصنيف إسرائيل الائتماني لما بعد 6 أشهر، وهو ما يمثل استفادة كبيرة للاقتصاد الإسرائيلي الذي كان يستعد لخفض تصنيفه حسب توقعات الخبراء التي صدرت قبل الحرب على غزة".
ويقرّ النيفر بأن الاقتصاد التونسي يعاني من صعوبات ومن تباطؤ في النمو ومن حاجته إلى تمويلات إضافية، ولكنه ليس بذلك السوء الذي يستدعي إدراجه ضمن تقييمات منخفضة جدا.
وقال النيفر إن هذه التقييمات تزيد الوضع المالي تعقيدا في تونس وتصعب عليها مهمة النفاذ إلى الأسواق المالية العالمية، خاصة في ظل عدم وجود اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
ولفت إلى أن هذه التقييمات تسببت في خلق إشكاليات على مستوى توريد السلع والمواد الأساسية المستوردة على غرار الحبوب والمحروقات. كما صعبت مهمة البنوك التونسية على اعتبار أن ترقيم المؤسسة لا يمكن أن يتجاوز ترقيم الدولة.
الديون المتفاقمة... شبح يلاحق الدولة التونسية ويزيد مشاكلها الاقتصادية

ضربة قاسمة لسمعة البلاد

وفي تعليق لـ "سبوتنيك"، قال الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي إن العامل السياسي يحتسب في عملية الترقيم السيادي، وهو عامل مهم خاصة عندما لا تتوفر الشروط اللازمة لاستقرار سياسي معين، حسب قوله.
وأشار الشكندالي إلى أن تغير الحكومات في ظرف وجيز يؤثر على عمليات الترقيم الائتماني، على اعتبار أنها تعطي فكرة سلبية عن الآفاق المستقبلية لدولة ما.
وبين أن وكالات الترقيم تأخذ بعين الاعتبار مسار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي. وأضاف "في الحالة التونسية، تأخر الوصول إلى اتفاق مع الصندوق يعني بالنسبة لهذه الوكالات رفض الحكومة تنفيذ برنامج الإصلاحات".
مناقشة