العريش - سبوتنيك. وقالت لبنى السك، إحدى أمهات الأطفال الخدج، إنها تتابع طفلتها في الحاضنة في مستشفى العريش المصرية بمحافظة شمال سيناء يوميًا، لافتة إلى أنها وضعتها قبل الحرب بعشرة أيام قبيل تعرض مجمع الشفاء الطبي في قطاع غزة إلى القصف الإسرائيلي.
واستكملت لبنى حديثها مؤكدة: "أتابع طفلتي يومًا تلو الآخر بعدما تم نقلها إلى الحاضنة في مستشفى العريش.. وابنتي تدعى ماريا السك، وتتلقى كافة أشكال الاهتمام والعناية من قبل الأطباء المصريين".
وقصت أم ماريا ما حدث معها منذ ولادتها، قائلة: "وضعت طفلتي قبل الحرب على قطاع غزة بعشرة أيام وتحديدًا يوم 27 سبتمبر/ أيلول الماضي، ولادة مبكرة وطفلة لم يتخطى وزنها الكيلوغرام، ما تطلب وضعها في حاضنة بشكل فوري وسريع"، واختارت الأم التي تسكن في حي الرمال في مدينة غزة، مجمع الشفاء الطبي الذي يضم ثلاثة مستشفيات متخصصة، وهي الجراحة، والأمراض الباطنية، والنساء والتوليد، كما يحوي عددًا ضخمًا من المباني والأفنية، على بعد بضع مئات من الأمتار من ميناء صيد صغير في مدينة غزة، ويقع بين مخيم الشاطئ للاجئين وحي الرمال.
وعبرت لبنى عما شعرت به من خيبة أمل وحزن وخوف، عند سماع الأنباء بشأن قصف المجمع، تساءلت: "عندما بدأت الحرب، لم أكن أتوقع أبدًا أن تتعرض المستشفيات لهذا القصف العنيف أو للاستهداف أصلًا، هل في الحرب اعتداء على الأطفال؟".
وشرحت لبنى رحلة ماريا إلى أن احتضنها قسم الأطفال الرضع في المستشفى، والتي بدأت عندما تخوف الأطباء الفلسطينيون في المجمع من أن يخطف القصف أعمارهم التي بدأت عدها التصاعدي للتو، فاضطروا إلى نقلهم خارج قسم الحاضنات، ووضعهم بمكان آمن لمدة 10 أيام.
وبعد قصف المجمع، ذكرت السيدة الفلسطينية أن الأطباء نقلوا الأطفال إلى مكان آخر وغطوا أجسادهم بملاءات وهرولوا بهم والرمال والأتربة المتخلفة على أجسادهم من بقايا الركام، تغطي هي الأخرى ما تعرى من الملاءة، في حالة يرثى لها.
وأردفت: "أنا ذهبت للجنوب حتى أعلم ما إذا كانت طفلتي استشهدت أم لا، أنا لم أكن أعلم أين طفلتي، ولا أستطيع لمسها أو رؤيتها، والآن هي بأمان، أتابعها، وأطمئن على صحتها".
وقالت سيدة فلسطينية أخرى، آيات الدعور، وهي أم لطفلتين من الأطفال الخدج، إنها وضعت تؤامًا في اليوم الخامس للحرب، ولكنها كانت بحاجة إلى وضعهما في حاضنات مجمع الشفاء، لم تكن تعي أنها ولمدة فاقت الـ39 يومًا لن تتمكن من رؤية الطفلتين، ميرا ودهب، بسبب الأعمال العسكرية في القطاع المحاصر.
وفي الوقت الذي ينفطر فيه قلب الأم على صغيرتيها، يتابع الأب الأخبار والتصريحات ويبحث في القوائم والكشوفات، أملًا في أن يجد ضالته أو ما يدل على حالتي طفلتيه، وبالفعل عثر الوالد على كشف يخص نقل الأطفال إلى رفح المصرية، مع ترك ملحوظة بالسماح بوجود مرافق للطفل وحبذا لو كانت الأم.
وأضافت الأم: "لم أنتظر ولو لثانية، نزحت منذ بداية الحرب من الشمال إلى الجنوب، وكنت في خان يونس، وأسرعت للتواجد عند رفح مع طفلتي، بعدما نقلهما الهلال الأحمر الإماراتي وأخبرني أن مصر تتكفل بعلاجهما، وبالفعل نقلهما الإسعاف والهلال الأحمر المصري إلى مستشفى العريش".
وأوضحت السيدة الفلسطينية أن الإمكانيات المحدودة في القطاع أجبرت الأطقم الطبية على حفظ حياة الرضع بالحاضنات إلى أن تتسلمهم المستشفيات المصرية، مضيفة: "كل 4 أطفال في حاضنة"، مختتمة: "لم أكن أتوقع أن طفلتي ستظلان على قيد الحياة، في القطاع كل عائلة لا بد وأن تذوق من طعم الموت وتعيش حالة الفقد".
كما لا تخلو المستشفى من وجود بعض العالقين الذين قدموا إلى مصر للعلاج قبل بدء الحرب، ليقابلهم غلق المعبر من الجانب الآخر وعدم التمكن من الرجوع، وبينهم شريف المصري الذي أكد قدومه يوم 23 سبتمبر الماضي لعلاج الكلى، على نفقة الدولة أحيانًا وعلى حسابه الشخصي أحيانا أخرى، لكنه لم يتمكن من العودة وأصبح يقطن داخل سكن بسيط في المحافظة المصرية، متمنيًا العودة إلى بلاده حتى مع ما تشهده من دمار، وبرغم علمه بقلة الإمكانيات ونقص الغذاء والمياه والوقود والكهرباء.
وكان قد نوه رئيس هيئة الاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، يوم السبت، في بيان إلى أن مجموعة من الأفراد الفلسطينيين العالقين في مصر قرروا العودة إلى قطاع غزة، بناءً على رغبتهم، ووصل عددهم إلى 134 فلسطينيا خلال اليوم الأول من الهدنة.
ودخلت اتفاقية الهدنة الإنسانية المؤقتة التي تم التوصل إليها بين حركة المقاومة الإسلامية "حماس" والحكومة الإسرائيلية، فجر الأربعاء 22 نوفمبر/ تشرين الثاني، حيز التنفيذ في تمام السابعة من صباح اليوم الجمعة 24 نوفمبر، والتي ستستمر لمدة 4 أيام.
وينص الاتفاق على الإفراج عن 3 أسرى فلسطينيين من النساء والأطفال، مقابل كل أسير إسرائيلي. كما سيتم يومياً إدخال 200 شاحنة من المواد الإغاثية والطبية، و4 شاحنات من الوقود وأسطوانات الغاز لكافة مناطق قطاع غزة.
ويعد هذا الاتفاق، أول خطوة فعلية نحو التهدئة في الحرب المستعرة بين حماس وإسرائيل، منذ إعلان الحركة، فجر السبت 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بدء عملية "طوفان الأقصى" حيث أطلقت آلاف الصواريخ من قطاع غزة على إسرائيل واقتحمت قواتها مستوطنات إسرائيلية متاخمة لقطاع غزة، ما تسبب بمقتل نحو 1400 إسرائيليا غالبيتهم من المستوطنين علاوة على أسر نحو 250 آخرين.
وردت إسرائيل بإعلان الحرب رسميا على قطاع غزة، بدأتها بقصف مدمر ثم عمليات عسكرية برية داخل القطاع.
وأسفر الهجوم الإسرائيلي على غزة عن سقوط نحو 15 ألف قتيل (أغلبهم من الأطفال والنساء) وإصابة نحو 36 ألفا آخرين، فيما أسفرت المواجهات في الضفة الغربية عن مقتل أكثر من 225 فلسطينيا وإصابة نحو 3000 آخرين.
وبلغ عدد النازحين في قطاع غزة 1.7 مليون شخص من إجمالي 2.4 مليون شخص يعيشون في غزة، حسب الأمم المتحدة.