خبيران جزائريان: توصيات اللجنة المشتركة لملف "الذاكرة" مع فرنسا "غير مبشرة"

بعد أن رفعت "اللجنة الجزائرية -الفرنسية المشتركة" المعنية بالذاكرة والاستعمار، توصياتها إلى الرئيسين، عبد المجيد تبون، وإيمانويل ماكرون، بشأن "ملف الذاكرة"، يرى خبيران جزائريان أن ما تضمنه التقرير "غير جاد".
Sputnik
وتضمن التقرير 11 توصية في إطار العمل على الـ"مصالحة بين الذاكرتين"، الأمر الذي يعد بمثابة عقبة أمام تطور العلاقات بين البلدين.
ويرى الخبيران أن التوصيات "لا ترقى إلا لنقطة أو نقطتين مما تم طرحه سابقا في النقاط السابقة، ويعتبر استهزاء بمضمون القضية برمتها".

وتمثل قضية الذاكرة عقبة أمام تناغم العلاقات وتطويرها بين البلدين، إذ تطالب الجزائر من فرنسا بالإفراج عن أرشيفها بمايتعلق بالجزائر والاعتذار عن جرائمها، بينما تماطل باريس بتنفيذ هذه الخطوة منذ وصول الرئيس، عبد المجيد تبون، للحكم.

وفي السياق ذاته، قال الباحث الجزائري، نبيل كحلوش، إن "لجنة الذاكرة المشتركة بين الجزائر وفرنسا، تمثل خطوة من الطرفين لحصر المسائل التاريخية في لجنة خاصة بدلا من إقحامها في القضايا الأخرى كالاقتصاد والعلاقات البينية وتنقل الأشخاص".
الرئيس الجزائري يقيل والي غليزان بسبب تقارير "تخفي الحقائق"

لغم مشترك

ويرى كحلوش أنه يمكن للجنة تأدية دور "اللغم المشترك" في حالة استمرار المؤرخ اليهودي رئيس الوفد الفرنسي، بن يامين ستورا، بعرقلة المطالب الجزائرية المشروعة وعلى رأسها:
استرجاع رفات المقاومين الجزائريين، واسترجاع ممتلكاتهم بفرنسا، والتطرق لمسألة استخدام الأسلحة الكيميائية في مجازر كبرى، إلى جانب التطرق لتداعيات التفجيرات النووية بصحراء الجزائر وتعويض ضحاياها.
وكذلك تذليل العقبات أمام الوصول لملايين الوثائق الأرشيفية الجزائرية، التي تشكل الفترة من القرن الـ19، إلى ما بعد منتصف القرن الـ20 وتمثل ذاكرة ضخمة للأمة.
بالإضافة إلى تقديم اعتذار رسمي فرنسي للدولة الجزائرية عن الاستعمار المباشر الذي امتد 132 سنة، بحسب قوله.

وأضاف كحلوش في حديثه مع "سبوتنيك"، أن "التوصيات الأخيرة التي أتت عقب الاجتماع، يوم 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 بقسنطينة، تبدو ملامحها العامة أكاديمية أكثر منها سياسية وأخلاقية وتاريخية".

ولفت إلى أنها تتمحور على جرد بعض الأرشيف والمحفوظات، وتنظيم ذلك رقميا وتسهيله للباحثين عبر بوابة رقمية وإشراك 15 باحثا جزائريا في طور الدكتوراه، في إطار برنامج تبادل وتعاون في الشؤون التاريخية.
وتابع: "كل هذا لا يرقى إلا لنقطة أو نقطتين مما تم طرحه سابقا في النقاط السابقة، ويعتبر استهزاء بمضمون القضية برمتها".

مؤشر "غش وخداع"

وتابع كحلوش، قائلا: "هناك مؤشر غش وخداع من المحتمل ممارسته، وهو التركيز الفرنسي على التسلسل الكرونولوجي للبحث عن أسباب ودوافع الأحداث التاريخية بين البلدين، وكأنه تمهيد يائس للمساواة بين الجلاد والضحية ومحاولة مشبوهة لتبرير الاستعمار كله وإيجاد ذرائع كرونولوجية تبرر الحملة العسكرية على الجزائر، سنة 1830، ثم منطقيا وفق ذلك التسلسل سيكون من المبرر أيضا التواجد الفرنسي في الجزائر إلى غاية عام 1962، باعتباره ليس استعمارا بل تواجدا للدفاع عن النفس كذريعة مطاطية".

مواقف تاريخية

وشدد كحلوش على أن "المصادر التاريخية تثبت بشكل قاطع أن الجزائر، ومنذ سنة 1800، هي من كانت ترفض شن ضربة عسكرية استباقية ضد فرنسا، وكذا ترفض حظر توريد القمح إليها آنذاك".
الشرطة الفرنسية تعتقل يوسف عطال لاعب منتخب الجزائر بسبب منشور ضد إسرائيل
ووفق الباحث الجزائري فإن "اللجنة الملغمة، وفق المؤشرات الراهنة، لن تستطيع المضي قدما في عملها دون إرادة سياسية أعلى منها".

نقاط مفصلية

واعتبر، أحسن خلاص، المحلل السياسي الجزائري، أن "الجانب الجزائري ينتظر أن تتوصل اللجنة المشتركة إلى توثيق وضبط حصيلة الجرائم التي ارتكبتها فرنسا الاستعمارية، من بداية الاحتلال إلى غاية تفجير آخر قنبلة نووية في الصحراء الجزائرية، وآثار هذه الجرائم على النسيج الاجتماعي والديمغرافي الجزائري".

ويرى خلاص في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن "الخطوة قد يترتب عليها توصيات بتعويض المناطق المتضررة والحصول على الأرشيف من قبل الباحثين لتحديد سير الظاهرة الاستعمارية والمسؤولين عنها على جميع المستويات، وإنهاء الجدل حول ذلك".

واعتبر أن "الدولة الفرنسية ظلت تربط الكثير من الجرائم بتجاوزات فردية معزولة، تهربًا من مسؤولياتها تجاه ما حدث".
وعقدت اللجنة التي تضم 5 باحثين جزائريين في التاريخ، وعدد مماثل من الباحثين الفرنسيين، في قسنطينة شرقي الجزائر، في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، أول اجتماع لها منذ بداية "المهمة"، العام الماضي.
ويمثل ملف الذاكرة أحد أبرز الملفات التي تلحّ الجزائر على فتحها بشكل كامل مع فرنسا، حيث اتفق الطرفان خلال زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون، الأخيرة إلى الجزائر، في أغسطس/ آب 2022، على "إنشاء لجنة مشتركة من المؤرخين الفرنسيين والجزائريين، تكون مسؤولة عن العمل على كل الأرشيف منذ بداية الاحتلال الفرنسي إلى غاية الاستقلال".
مناقشة