وأثار هذا القانون حالة من القلق داخل الأوساط التونسية وتساؤلات بشأن تداعياته على مستقبل الجالية التونسية، التي تصل إلى 1.7 مليون تونسي، وهم يعادلون 49% من مجموع المقيمين في الخارج.
إجراءات مشددة
وفي 20 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، صادق البرلمان الفرنسي بإسناد قوي من أحزاب اليمين على مشروع قانون الهجرة الجديد، الذي تضمن إجراءات صارمة ضد المهاجرين.
وأعاد هذا القانون العمل بتجريم الإقامة غير النظامية، ووضعَ شروطًا متشددة لتسوية وضعية المهاجرين غير النظاميين وللَمّ شمل العائلات الأجنبية، وأجاز رفض تصريح الإقامة وسحب الجنسية بتهمة "عدم الالتزام بمبادئ الجمهورية".
كما فرض هذا القانون قيودًا على المساعدات الاجتماعية التي أصبحت مشروطة بمدة الإقامة الدنيا (5 سنوات لغير العاملين و30 شهرًا للعاملين)، وأنهى الحصول الآلي على الجنسية الفرنسية للأشخاص المولودين في فرنسا من أبوين أجانب.
واعتبر المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في بيان له، أن هذا القانون "يعزز كراهية المهاجرين ويعاملهم بشكل تمييزي ويهدد وضعية كل المهاجرين التونسيين في فرنسا، لا فقط غير النظاميين".
ودعا السلطات التونسية إلى بذل أقصى الجهود لحماية حقوقهم وكرامتهم. فيما وصفت الفدرالية التونسية من أجل مواطنة بين الضفتين هذا القانون بـ "الخطير شكلاً ومضمونًا"، وأنه يترجم سياسة اليمين الفرنسي المتطرف التي طالب بتمريرها منذ 3 عقود.
"قانون عنصري"
واعتبر رئيس جمعية "الأرض للجميع" التي تُعنى بالهجرة، عماد السلطاني، أن قانون الهجرة الفرنسي الجديد هو "قانون عنصري بكل ما للكلمة من معنى".
وأضاف في تعليق لـ "سبوتنيك"، أن هذا القانون ينسف حقوق المهاجرين عوضًا عن حمايتهم، ويهدّد مستقبل آلاف المهاجرين التونسيين المتواجدين على الأراضي الفرنسية.
وأوضح: "سابقا كان المولود الجديد للمقيم الأجنبي يتحصّل على الجنسية الفرنسية بعد ولادته مباشرة، والآن أصبح هذا الأمر غير ممكن إلا بمرور 16 سنة على إقامته هناك".
وقال السلطاني إن فرنسا والدول الأوروبية عمومًا سجّلت بسياساتها تراجعًا كبيرًا على مستوى حقوق المهاجرين سواء النظاميين منهم أو غير النظاميين.
وتابع: "بهذا القانون أصبح المهاجر النظامي في موقع خطر ويمكن إعادته بالقوّة إلى بلده تحت أية تعلّة، خاصة وأن تونس وقّعت منذ سنة 2009 اتفاقية مع فرنسا تسمح لها بقبول التونسيين المطرودين".
ولفت الحقوقي إلى أن فرنسا وعدت بتسهيل إجراءات الهجرة المنظمة بهدف التقليص من الهجرة غير الشرعية، غير أن الوقائع أثبتت زيف وعودها، مشيرًا إلى أن الجمعية رصدت رفض مطالب أكثر من 500 من الطلبة الذين تقدموا للحصول على تأشيرة، رغم أنهم استوفوا جميع الشروط.
وقال السلطاني إن قانون الهجرة الفرنسي الجديد صعّب على الطلبة عملية الهجرة قصد مواصلة الدراسة في فرنسا، حيث أضيفت لهم شروطًا مجحفة من قبيل الرصيد البنكي المغلق والضمان المالي الذي لا يمكن استرجاعه إلا بعد عودتهم إلى بلدهم الأصلي.
وأشار السلطاني إلى أن التضييق شمل حتى الصحفيين ورجال الأعمال، مضيفا: "لن تتمكن الدول الأوروبية من مكافحة الهجرة غير النظامية ما دامت لا تحترم الهجرة النظامية".
مزايدات سياسية على حساب حقوق المهاجرين
بدوره، قال الباحث في قضايا الهجرة واللجوء، رياض بن خليفة، في تصريح لـ"سبوتنيك"، إن "قانون الهجرة الفرنسي الجديد هو "قانون إقصائي ينم عن تنامي العنصرية ومعاداة المهاجرين داخل الطبقة السياسية الفرنسية".
وأضاف : "ما ورد في هذا القانون ليس سوى مزايدات سياسية، الغاية منها إرضاء الطبقة السياسية العنصرية المعادية للأجانب على حساب حقوق المهاجرين".
وأشار بن خليفة إلى أن "التعلّة التي قدمتها الحكومة الفرنسية لفرض تمرير هذا القانون لا تبرّر هتك حقوق المهاجرين، مضيفًا أن ما يقع الترويج له من قبيل أن فرنسا هي النموذج الاجتماعي الأكثر كرمًا وحفاظًا على حقوق المهاجرين في أوروبا ليس صحيحا بالنظر إلى عمليات الترحيل القسري وغيرها من الانتهاكات".
ولفت بن خليفة إلى أن فرنسا ستعتمد مستقبلاً شروطًا صارمة في منح وثائق الإقامة وتصحيح وضعية المهاجرين الذين يعملون في قطاعات غير منظّمة، وستعمد إلى طردهم نحو بلدانهم الأصلية.
وأضاف: "الأنانية الأوروبية فرضت أيضًا إعادة النظر في الميثاق الأوروبي للهجرة واللجوء الذي تُطرح فيه مسألة تقاسم أعباء الهجرة بين الدول الأوروبية، وهو قيد النقاش حاليا".
وأشار بن خليفة إلى أن الاتحاد الأوروبي سيقوم بمواصلة الضغط على بلدان الجوار الجنوبي حتى تقبل المهاجرين غير المرغوب فيهم، مضيفا: "تونس من ضمن البلدان التي يقع ابتزازها عن طريق مقايضة مطالب التأشيرة بقبولها للمطرودين من غير الجنسية التونسية".
وشدد الباحث في قضايا الهجرة على ضرورة أن تحتج تونس والبلدان الأفريقية عمومًا على هذه السياسات المعادية للأجانب وألا تكون شريكة في العنصرية الأوروبية وفي خطاب الكراهية الذي يُستخدم للإشعاع السياسي، بحسب قوله.