تونس.. قيس سعيد يتحدى صندوق النقد الدولي مرة أخرى

رفع الرئيس التونسي قيس سعيد "الفيتو" أمام ما يصفه بـ"الإملاءات الخارجية" لصندوق النقد الدولي ودول الغرب، بعد أن تمسك بعدم التفويت في المؤسسات العمومية.
Sputnik
وهذا هو "الفيتو" الثاني الذي يرفعه سعيد ضد إجراءات الصندوق الذي يشترط تنفيذ حزمة من الإصلاحات تشمل رفع الدعم وخفض الأجور وبيع مؤسسات عمومية، لتسريح قرض بقيمة 1.9 مليار دولار.
وخلال زيارة أداها، الثلاثاء، إلى مصنع الفولاذ بمحافظة بنزرت (شمالي تونس)، أكد سعيّد أنه لا مجال للتفويت في المؤسسات العمومية التي تواجه صعوبات مالية، معتبرا أن هذه المؤسسات هي جزء من ثروات تونس.
هل تقف واشنطن وراء تعطل توصل تونس إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي؟
وانتقد قيس سعيد سعي الحكومات المتعاقبة إلى بيع عدد من المنشآت العمومية لفائدة الخواص والتفويت فيها إلى الأجانب، مشيرا إلى وجود شبهات فساد في هذا الملف.
وأضاف: "من يتحدث عن الإنقاذ عليه أن ينقذ مؤسساتنا ومنشآتنا العمومية لا أن يقف أمام المسرح ويتحدث"، مضيفا: "الدولة يجب أن تكون اجتماعية ومؤسساتنا ليست للتفريط".
وفي يونيو/حزيران الماضي، عبر الرئيس التونسي عن رفض بلاده لشروط صندوق النقد الدولي، التي قال إنها بمثابة "عود ثقاب يشتعل إلى جانب مواد شديدة الانفجار"، وأنها "ستمس بالسلم الأهلي الذي ليس له ثمن".
وقبل ذلك، رفض سعيد رفع الدعم الذي يعد من أبرز مطالب صندوق النقد الدولي، مشيرا إلى أن بلاده ترفض "الخضوع لأي إملاءات خارجية".
الخارجية التونسية بشأن التوترات مع صندوق النقد الدولي... لدينا قنوات مفتوحة للمناقشة والشراكة
ويرى خبراء أن هذا الرفض يجدد القطيعة بين تونس وصندوق النقد الدولي ويزيد من ارتفاع جبل الجليد بينهما ويعزز فرضية عدم حصول تونس على حزمة إنقاذ مالية متعثرة منذ أكثر من عام.

رفض يعمق القطيعة مع صندوق النقد

في هذا السياق، قال الخبير المالي محمد صالح الجنايدي، لـ "سبوتنيك"، إن رئيس الجمهورية محق في عدم التفويت في المؤسسات العمومية رغم الصعوبات المالية التي تواجهها.
وأضاف أنه يمكن العمل على تحسين وضعية هذه المؤسسات وإنقاذها من شبح الإفلاس، من خلال عقد شراكات مع قطاعات خارجية قادرة على إحيائها.
ويرى الجنادي أن هذا الرفض رغم وجاهته، فإنه سيفتح قطيعة جديدة مع صندوق النقد الدولي ومع المانحين الدوليين الذين طالبوا بالتفويت في هذه المؤسسات كشرط أساسي لتقديم تمويل لتونس بقيمة 1.9 مليار دولار، إلى جانب شروط أخرى.
رئيسة الوزراء الإيطالية تحث صندوق النقد الدولي على اتباع نهج "عملي" لإنقاذ تونس
وشدد الخبير المالي على أن دور الصندوق هو تعديل الوضعية الاقتصادية للبلدان التي تواجه صعوبات مالية وتباطؤ في تحقيق النمو، وليس إكراهها على تنفيذ إجراءات بضريبة اجتماعية قاسية.
واعتبر الجنايدي أن الاقتراض من صندوق النقد الدولي بنسبة فائدة في حدود 1 في المائة هو حل، ولكن "الشروط التقليدية" التي يفرضها أثبتت فشلها الذريع في العديد من البلدان، على غرار لبنان الذي تفاقمت هشاشته الاقتصادية.
ويرى الجنايدي أن العلاقة بين تونس وصندوق النقد الدولي تحولت إلى علاقة غير متعادلة ويطغى عليها الابتزاز ومقايضة الإصلاحات بالدعم المالي.

مؤسسات مفلسة

ويقر أستاذ الاقتصاد بكلية العلوم الاقتصادية والتصرف رضا الشكندالي، في تصريح لـ"سبوتنيك"، أن هذه المؤسسات باتت تشكل عبئا على ميزانية الدولة التونسية.
وأوضح: "قبل عقود كانت هذه المؤسسات تسهم في تمويل ميزانية الدولة وتقدّم خدمات وسلعا تتماشى مع المقدرة الشرائية للمواطنين، ولكنها الآن باتت تمتص من جيوب التونسيين، على اعتبار أنها أصبحت تحصل على دعم من الدولة".
وقال الشكندالي إن من بين الأسباب التي أوصلت إلى إفلاس هذه المؤسسات هو سوء التصرف في المال العام من خلال حجم الانتدابات المهول الذي يفوق طاقتها التشغيلية.
الرئيس التونسي: شروط صندوق النقد بمثابة "عود ثقاب يشتعل إلى جانب مواد شديدة الانفجار"
وأضاف أن تضخم الامتيازات التي يحصل عليها الموظفون بدفع نقابي زاد من تعقيد الوضع، مشيرا إلى أن رئيس الجمهورية محق في حديثه عن وجود ملف فساد من الجانب السياسي والنقابي والإداري.
ويرى الشكندالي أن عملية التفويت لا يجب أن تشمل المؤسسات الحيوية المملوكة للدولة، مضيفا: "لكن يمكن بيع المؤسسات التي تقل فيها حصة أسهم الدولة عن 5 في المائة واستغلال مرابيحها في حوكمة المنشآت الاستراتيجية في البلاد".

غياب للحلول

وقال وزير أملاك الدولة السابق مبروك كرشيد في تصريح لـ "سبوتنيك"، إن بقاء المؤسسات العمومية على ملك الشعب التونسي هو هدف مشروع ولا يمكن مناقشته.
وأشار كرشيد إلى أن الإشكال المطروح هو كيفية الحفاظ على هذه المؤسسات التي يواجه أغلبها شبح الإفلاس، بعيدا عن فكرة التفويت.
سيناتور إيطالي يدعو أوروبا وصندوق النقد الدولي إلى دعم تونس فورا
وتابع: "بغض النظر عن الأسباب التي أدت إلى إفلاسها سواء كان ذلك بسوء نية أو بسبب الإهمال أو بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، فإن الأصل هو تقديم الحلول لهذه الإشكاليات".
ودعا كرشيد رئيس الجمهورية والحكومة إلى عدم الاكتفاء بمعاينة الوضع وتقديم حلول عملية لإنقاذ هذه المؤسسات وجعلها قادرة على المنافسة الوطنية والعالمية، في ظل السوق التجارية التي أصبحت أكثر انفتاحا.
ويشير التقرير السنوي الأخير للبنك الأفريقي للتنمية الصادر في شهر يونيو/ حزيران الماضي، إلى أن ديون المؤسسات العمومية التونسية تجاه الدولة قد وصلت إلى 9.8 مليار دينار سنة 2021، مقابل 6 مليار دينار سنة 2019.
مناقشة