وتقول الدعوى إن "تصرفات إسرائيل كانت بمثابة إبادة جماعية بطبيعتها، وبالتالي انتهكت الدولة التزاماتها بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية".
وقررت إسرائيل المثول أمام محكمة العدل الدولية للتصدي لدعوى جنوب أفريقيا القضائية، والتي وصفتها بأنها لا تستند إلى أي أساس قانوني، متهمة بريتوريا بالتعاون مع ما سمتها "جماعة إرهابية تدعو لتدمير إسرائيل".
وطرح البعض تساؤلات بشأن أهمية الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا من الجانب القانوني، خاصة مع فشل المحكمة في اتخاذ قرارات في قضايا مماثلة، وكذلك عن السبب وراء إعلان إسرائيل المثول أمام المحاكمة.
مخاوف إسرائيلية
اعتبر حمادة أبو نجمة، الخبير الأردني في القانون الدولي، أن السبب الرئيسي في قبول إسرائيل المثول أمام محكمة العدل الدولية في دعوى دولة جنوب أفريقيا، يأتي في ظل مخاوفها من إصدار المحكمة قرارًا بوقف الأعمال العسكرية في غزة، حيث تسعى للتقدم بطلب للمحكمة من أجل رفض الالتماس الذي قدمته بريتوريا لهذه الغاية.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، فإن دولة جنوب أفريقيا قدمت طلبها إلى محكمة العدل الدولية على أساس البند التاسع من اتفاقية مكافحة الإبادة الجماعية، تطلب فيه من المحكمة أن تتّخذ الإجراءات الاحترازية اللازمة لمنع الإبادة التي تمارسها إسرائيل، مؤكدًا أن ذلك يكتسب أهمية كبرى من حيث أن إسرائيل قد صادقت على اتفاقية مكافحة الإبادة الجماعية منذ عام 1950، وهو أمر يعني أنها ملزمة بتطبيق مبادئها وقواعدها.
ويرى أبو نجمة أنه في حال تحققت موافقة المحكمة على طلب دولة جنوب أفريقيا بوقف الإبادة سيدفع ذلك المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أن يتحرك من مرحلة التحقيق إلى مرحلة توجيه التهم ومذكرات التوقيف بحق مرتكبي جرائم الإبادة.
وأكد أن هذا الأمر يثير مخاوف إسرائيل وقياداته، خاصة وأن هناك ملفات أخرى لدى المحكمة بحقهم مفتوحة منذ سنوات، وبالإمكان استكمال الإجراءات بشأنها وإدانتهم، وهذه الملفات كانت موضع اهتمام من دول غربية عديدة خاصة الولايات المتحدة، التي مارست الضغوطات على المحكمة لوقف متابعتها.
خطوة استثنائية
في السياق ذاته، اعتبر فادي أبو بكر، المحلل السياسي الفلسطيني، أن خطوة جنوب أفريقيا استثنائية وموافقة إسرائيل على المثول أمام محكمة العدل الدولية غير مسبوقة، ومن المرجّح ألا تلتزم إسرائيل بهذه القرارات العاجلة إن أصدرتها المحكمة في وقت قريب، في ظل فشل مجلس الأمن في إصدار قرارٍ مُلزمٍ بموجب الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار بسبب التدخلات الأمريكية.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، فإنه من غير المتوقّع أن تُحدِث القرارات العاجلة لمحكمة العدل الدولية أثرًا على الأرض، إذا لم تكن مدعومةً بتوجّه سياسي وإجراءات عقابية من المجتمع الدولي.
وتابع: "من هنا يبدو أن موافقة إسرائيل على المثول أمام محكمة العدل الدولية للمواجهة بنفسها، قد تعني تخليًا أمريكيًا مؤقتا عنها، جاء بفعل اتساع رقعة الخلاف بين بايدن ونتنياهو، والتي ستزداد خاصة بعد اغتيال صالح العاروري كونها تضرب حظوظ بايدن في الانتخابات الأمريكية، وقد يكون خداع نتنياهو لبايدن سببًا في غض النظر الأمريكي عن مسألة العدل الدولية، كما حصل سابقًا مع أوباما في التمرير لقرار 2334 الخاص بالمستوطنات".
وأوضح أن تدخّل "العدل الدولية" للنظر في العدوان الإسرائيلي الجاري على غزّة سيكون له أهميته في مرحلة لاحقة، عندما يؤكّد قضاة المحكمة انتهاك إسرائيل اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، والتأسيس القانوني إلى وقوع جريمة الإبادة الجماعية.
وقال إنه في حال نجحت هذه المحاولة فستكون خطوة مفصلية في مسار إقرار العدالة للشعب الفلسطيني.
وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، إن "إسرائيل تعتزم، في قرار غير عادي، المثول أمام المحكمة والمطالبة برفض مطالب جنوب أفريقيا بإصدار أمر قضائي مؤقت ضدها، الأمر الذي يتطلب التعليق الفوري لعملياتها العسكرية في غزة".
ونقلت الصحيفة عن رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، قوله إن "إسرائيل وقعت على اتفاقية مناهضة الإبادة الجماعية منذ عقود، وبالتأكيد لن نقاطع النقاش فيها. سنمثل أمامها (محكمة العدل الدولية) وسنرد الدعوى العبثية التي تشكل فرية دم".
ويقضي القرار الإسرائيلي، الذي تم التوصل إليه بعد مناقشات ساخنة، بأن إسرائيل ستمثل أمام المحكمة بطلب رفض إصدار أمر مؤقت، والذي يتم عادة بعد نحو شهر إلى شهر ونصف من تقديمه، وستحاول رد الدعوى المقدمة من جنوب أفريقيا.
وبحسب الصحيفة، قد تستمر جلسات الاستماع في الدعوى ما بين أربع وست سنوات، إلا أن الجهود الإسرائيلية تنصب الآن حول إحباط أمر مؤقت قد يجبر إسرائيل على التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة.
وستستخدم إسرائيل أيضًا أدوات الضغط الدبلوماسي لحشد الدول ضد جنوب أفريقيا ودعواها القضائية.
وقالت صحيفة "هآرتس"، إن "أحد كبار القانونيين الإسرائيليين الذين يتعاملون مع هذه القضية، حذر كبار مسؤولي الجيش الإسرائيلي، في الأيام الأخيرة، بما في ذلك رئيس الأركان هرتسي هاليفي، من أن هناك خطرًا حقيقيًا من أن تصدر المحكمة أمرًا يأمر إسرائيل بوقف إطلاق النار"، وأشار إلى أن "إسرائيل ملتزمة بأحكام المحكمة".
وإسرائيل من الدول الموقعة على اتفاقية مناهضة الإبادة الجماعية، والتي تستمد بموجبها محكمة العدل سلطتها في النظر في الشكوى المقدمة ضدها من جنوب أفريقيا، وبموجب حكم المحكمة، يجوز لأي دولة وقّعت على المعاهدة أن تشتكي دولة أخرى إلى المحكمة حتى لو لم تتضرر منها هي نفسها.
وفي طلبها إلى المحكمة، قالت جنوب أفريقيا إن "إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في قطاع غزة، وأنها لا تعمل على معاقبة أولئك الذين يحرضون على الإبادة الجماعية".
وطلبت جنوب أفريقيا من المحكمة مناقشة الموضوع، في الأيام المقبلة، وإصدار أمر مؤقت ضد إسرائيل يدعو إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وبحسب الطلب، فإن هذه الخطوة ضرورية لحماية الفلسطينيين من "أضرار إضافية لا يمكن إصلاحها".
كما طلبت من المحكمة أن تأمر إسرائيل بالسماح للفلسطينيين الذين هُجّروا من منازلهم في قطاع غزة بالعودة إليها، والتوقف عن حرمانهم من الغذاء والماء والمساعدات الإنسانية، والتأكد من أن الإسرائيليين لا يحرضون على الإبادة الجماعية ومعاقبة من يفعلون ذلك، والسماح بإجراء تحقيق مستقل في عمليات إسرائيل العسكرية.