وأكد الخبراء أن الخطاب كان شاملًا، لكنه لم يبُح بكامل الأسرار، حيث أخفى زمان ومكان وطريقة الرد، بيد أن التهديدات التي ساقها نصر الله لإسرائيل تؤكد أن الحزب لن يمرر عملية الاغتيال هذه، وسيكون هناك رد يتناسب مع الواقعة وبالطبيعة الأمنية نفسها.
وقال الأمين العام لـ "حزب الله"، في كلمة له بمناسبة الذكرى الرابعة لمقتل الجنرال قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، إن "من يفكر في الحرب معنا سيندم فالحرب معنا مكلفة جدًا جدًا".
وأضاف نصر الله أنه "في حال شن العدو حربًا على لبنان سيكون قتالنا بلا سقوف وحدود وقواعد وضوابط، ونحن حتى الآن نقاتل في الجبهة بحسابات مضبوطة لذلك ندفع ثمنًا غاليًا من أرواح شبابنا".
وشدد الأمين العام لـ "حزب الله" على أن "ما حصل أمس عدوانان: اعتداء على الشيخ صالح ورفاقه، واعتداء على الضاحية الجنوبية"، مضيفًا أن "أهم رسالة للمقاومة في لبنان في 8 و9 تشرين الأول/ أكتوبر، أنها مقاومة شجاعة قوية وليست مردوعة أو لها أي حسابات في الدفاع عن بلدها".
خطاب شامل
اعتبر المحلل السياسي اللبناني، سركيس أبو زيد، أن خطاب حسن نصر الله كان خطابا شاملًا، ناقش مواضيع عديدة، لكنه لم يبح بكامل الأسرار، حيث أجّل بعض المسائل لخطاب غدًا الجمعة، وربما بانتظار ردة الفعل وتداعيات الحديث عن مقتل القيادي في حركة حماس صالح العاروري.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، فقد "تحدث نصر الله عن عملية اغتيال العاروري في نهاية الخطاب، وأعطاه مساحة قليلة نسبيًا، فيما كان هادئًا ورصينًا وعقلانيًا في طرحه للأزمة، فيما أكد على الجوانب المبدئية لجهة اعتبار أن المستهدف الأساسي حماس، لكنه اعتبره يمس أمن حزب الله كونه حدث في الضاحية الجنوبية".
وقال أبو زيد إن الخطاب أكد على احترام قواعد اللعبة وعدم الانجرار لحرب شاملة قد تؤدي إلى دمار في لبنان وفي المحيط، ولكن في الوقت نفسه أشار إلى الرد على الاعتداء، دون أن يحدد الزمان والمكان، كما حذر وهدد إسرائيل بأنها إذا لجأت لردة فعل أو حرب شاملة سيتجاوز كل الخطوط الحمر، ويشارك في حرب ضد إسرائيل دون الأخذ بعين الاعتبار أي رادع أو حدود للرد.
وتابع المحلل السياسي اللبناني: "باختصار يمكن اعتبار الخطاب للتأكيد على الموقف المبدئي القائم على مساندة غزة ونصرتها واحترام قواعد اللعبة والرد على العملية برد يشابهها حتى لا يخرج عن القواعد، لكنه من جهة أخرى هدد بخوض حرب شاملة، إذا ما لجأت إسرائيل لها".
ورأى أن الخطاب يقول إن "حزب الله" لا يزال يمتلك أسلحة نوعية وقدرات قتالية مميزة قادرة على تدمير وتوجيه ضربات موجعة لإسرائيل، لذلك حافظ على توازن الرعب دون أن ينجر لحرب شاملة غير مرغوب بها لدى قسم كبير من اللبنانيين.
سياسة الغموض البناء
في السياق ذاته، اعتبر المحلل السياسي اللبناني، داوود رمال، أن خطاب نصر الله ذكّر بحديثه السابق، في أغسطس/ آب الماضي، والذي حذر فيه من تنفيذ عمليات اغتيال بحق قيادات مقاومة لبنانية وسورية وعراقية، لكنها تختلف عن الظروف الحالية.
وبحسب حديثه لـ "سبوتنيك"، فإن الخطاب حمل إشارة واضحة بأن مسألة الرد على عملية اغتيال العاروري، لن تكون لحظية وسريعة، وسيكون لها ظروفها التي تحكم عملية الرد، فيما شدد نصر الله على أن المكان والزمان هو من يتحكم في عملية الرد.
وأوضح رمال أن إسرائيل وأمريكا نفذت عملية أمنية احترافية، أدت إلى قتل العاروري، عبر عملية اختراق أمني كبيرة داخل ما يمكن تسميته بالحزام الأمني المحكم لضاحية بيروت الجنوبية، ما يعني أن رد حزب الله سيكون بالطبيعية ذاتها والبعد الأمني ذاته، وداخل العمق الإسرائيلي، وباستهداف شخصيات توازي شخصية العاروري.
وقال إن الخطاب اعتمد تسلسل الخطابين السابقين، حيث لجأ فيه نصر الله لاعتماد سياسة الغموض البنّاء، حيث لا يفصح عن النوايا والأهداف، ويترك العدو في حالة من الحيرة والتخبط ومحاولات استنتاج ما يمكن أن يقدم عليه.
واعتبر أن ترك الأمور للميدان يحمل إشارات كثيرة، خاصة أن المواجهة المستمرة منذ 8 أكتوبر، أكدت أن إسرائيل مستعدة لها تحديدًا على المستوى التقني والتكنولوجيا وعلى صعيد التجسس، وهي قدرات هائلة مدعومة من الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارها الشريك المباشر في الحرب على غزة، وما يحدث على طول الحدود الجنوبية.
ومضى رمال قائلًا: "هذه المسألة برزت بوضوح، وهي محل تقييم ومعالجة لدى حزب الله لمعرفة كيفية التعاطي مع هذه القدرات الجديدة التي كانت تخفيها إسرائيل، وأدت إلى ارتفاع حجم الخسائر البشرية التي تكبدها حزب الله منذ بدء عملية الإشغال على طول الحدود".
ومساء أول أمس الثلاثاء، أعلنت حركة المقاومة الفلسطينية "حماس" اغتيال صالح العاروري واثنين من قادتها العسكريين لـ"كتائب القسام"، في انفجار في الضاحية الجنوبية في بيروت، عاصمة لبنان.
ومن جانبه، أكد "حزب الله" اللبناني أن اغتيال نائب رئيس العاروري، في ضربة إسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت، "لن يمر أبدا من دون رد وعقاب"، واصفًا ما حصل بأنه "اعتداء خطير على لبنان".
وتشهد الحدود بين إسرائيل ولبنان توترًا مستمرًا، فضلاً عن مواجهات شبه يومية بين القوات الإسرائيلية و"حزب الله" اللبناني، منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ويواصل الجيش الإسرائيلي عمليات عسكرية ضد قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر الماضي، حينما أعلنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تسيطر على القطاع بدء عملية "طوفان الأقصى"، حيث أطلقت آلاف الصواريخ من غزة على إسرائيل، واقتحمت قواتها بلدات إسرائيلية متاخمة للقطاع، ما تسبب بمقتل نحو 1200 إسرائيلي علاوة على أسر نحو 250 آخرين.
وتخللت المعارك هدنة دامت 7 أيام جرى التوصل إليها بوساطة مصرية قطرية أمريكية، تم خلالها تبادل أسرى من النساء والأطفال وإدخال كميات متفق عليها من المساعدات إلى قطاع غزة، قبل أن تتجدد العمليات العسكرية في الأول من ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وأسفر القصف الإسرائيلي والعمليات البرية الإسرائيلية في قطاع غزة، منذ الـ7 من أكتوبر الماضي، عن وقوع ما يزيد عن 22 ألف قتيل وأكثر من 54 ألف مصاب.